لبنان “ملحق سوري” في قمّّة جدّة!
لم يكن الملف اللبناني في القمة العربية بالرياض من الأولويات. النقاش الجدي حول لبنان يبدأ حين تنضج محصلة جديدة عربية وإقليمية تطرح قضاياه على بساط البحث. لكن يمكن تسجيل بعض النتائج عن كيفية المقاربة العربية لهذا الملف الشائك، إذ بات مرتبطاً بما يُبحث حول الوضع السوري، وكأنه ملحق سوري، نظراً للتشابك القائم بين ما يطرحه العرب من شروط للانفتاح الكامل على النظام السوري وتأثيراته على لبنان، وصولاً إلى الدور الإيراني الذي يثبت أقدامه في دمشق ويعلن انتصاره فيها. كل القوى التي راهنت على أن تدفع القمة العربية الحل اللبناني إلى الأمام أصيبت بخيبة أمل، إذ إن المؤشرات لا تحسم بعقد جلسة انتخابية الشهر المقبل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، على الرغم من كل الضغوط العربية والدولية وتلويح الخارج بفرض عقوبات على المعرقلين، فالاستعصاءات الداخلية وعدم نضوج حل إقليمي ودولي يبقي الوضع اللبناني في حالة الفراغ.
يُفهم أن القمة العربية كانت مناسبة على هامش الاجتماعات الرسمية، لبحث الوضع اللبناني، وإن كانت مواقف الدول العربية تشدد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وعلى الإصلاحات، إلا أن الواقع يشير ما بعد القمة إلى دور سيؤديه النظام السوري بعد تعويمه عربياً، في لبنان، لكن تحت القبة الإيرانية المتسلحة بالانتصار وبفائض قوة حلفائها، وفي مقدمهم “حزب الله”. مثّل حضور الرئيس السوري بشار الأسد أعمال القمة، مؤشراً إلى ما ستكون عليه المرحلة اللبنانية المقبلة، فالنظام السوري يشارك مثلاً الفرنسيين وجهة نظرهم حول إيصال مرشح الممانعة سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة، فيما التفويض الإيراني لـ”حزب الله” يعطيه دفعاً لفرض سياساته في البلد. وهذا يعني أن تعويم النظام السوري والتقارب السعودي – الإيراني، والدعم الفرنسي لفرنجية، يشكل غطاءً للتحكم بالاستحقاق الرئاسي، علماً أن الموقف السعودي الذي ظهر في لقاءات السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، لا يضع فيتو على أي مرشح.
أحد الأسباب الرئيسية لعدم تقدم الملف اللبناني كأولوية في القمة العربية، هو أن العرب يهتمون بالملف السوري لحسابات ترتبط بالتوازنات في المنطقة، ويراهنون في الوقت ذاته على تقليص الهيمنة الإيرانية انطلاقاً من مجموعة من التفاهمات ظهرت في الاتفاق السعودي – الإيراني. الأهم أن السعودية لم تضع فيتو على سليمان فرنجية بصرف النظر عن موقفها من “حزب الله”. ويظهر أن القوى العربية والإقليمية والدولية التي تحركت في الفترة الأخيرة اكتشفت أن الاستعصاء اللبناني يعطّل الحل، إضافة إلى أن لبنان لم يعد له وظيفة تشكل أولوية على غيرها. الملف اللبناني بالنسبة إلى السعودية ليس عنوان صراع، إذ إن المعادلات القائمة لا تدفعها للعمل على تشكيل حالة سنية مواجهة هي غير متوافرة أصلاً. وعلى الرغم من حركة السفير السعودي وليد البخاري في بيروت، إلا أن جل ما تهدف إليه هو تحقيق نوع من التوازن عبر الحوار من دون تبنّي اسم مرشح للرئاسة. وهذا يعني أن المملكة لا تريد أن تكون طرف صراع إقليمي في لبنان، حتى أنها تسعى لتخفيف الأعباء عليها لبنانياً.
لكن خروج لبنان من الأولويات السعودية لا يعني أنه ملف خارج الاهتمام نهائياً، إذ سيبقى هناك دور للسعودية تستطيع من خلاله أن ترجح الوجهة التي ستنتهي إليها التسوية، وبذلك تبقى لاعباً مهماً في الشأن اللبناني إلى جانب أميركا وإيران. وبما أن النظام السوري يطمح ليستعيد دوره في الساحة اللبنانية بعد عودته إلى الجامعة العربية وتعويمه من دولها، إلا أنه لا يستطيع أن يكون لاعباً مقرراً إلا من خلال الإيرانيين، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون رافداً للسعودية بعد عودة علاقاته معها.
بعد القمة العربية ينتظر الجميع ما إذا كانت قد شكلت دفعاً لتحرك تجاه لبنان، عبر عقد اجتماع خماسي جديد لدول باريس يقال إنه سيكون في الدوحة، ومنه سيتبين موقف الولايات المتحدة الأميركية من الملف اللبناني، خصوصاً الاستحقاق الرئاسي، أما إذا لم يعقد الاجتماع، فهذا مؤشر على إطالة أمد الفراغ اللبناني وترحيل الحل إلى أن تنضج ظروف مواتية تسمح بإنجاز الاستحقاقات اللبنانية، ومن بينها أيضاً إزالة الاستعصاء والتعطيل القائم عبر تسويات أو صفقات معينة، يظهر أن إيران ستكون مقرراً فيها.
تجاوز القمة العربية الملف اللبناني، سيفتح على لقاءات ثنائية تناقش أوضاعه، ولا بد من انتظار النقاش المرتقب السعودي – الإيراني لهذا الملف، خصوصاً بعدما تبين أن الأولوية كانت لليمن وسوريا، فيما لبنان يحتاج إلى اتفاق منفصل إذا استمرت الأمور الإيجابية في سوريا والتقارب مع الدول العربية على كل المستويات. أما لبنانياً، فلا صفقة للحل الشامل حتى الآن، وإن كانت هناك رهانات على عقد جلسة انتخابية بفعل ضغوط عربية ودولية غير معلنة تُمارس على مختلف الأفرقاء للاتفاق على مرشح. لكن المعطيات، ومن ضمنها الحراك الذي قاده أخيراً السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، لا تحسم الأمور في الداخل في ضوء الاستعصاءات المستمرة التي يشكك البعض في إمكان حلها مع استمرار التعطيل واستثمار الفراغ لإيصال مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية.
القمة العربية لا تغير شيئاً في البلد إذا كان البعض يراهن على إيصال مرشح للرئاسة بطريقة ديموقراطية، مع ارتفاع الشروط والشروط المضادة وتوظيف الفراغ لإيصال رئيس عبر عملية انتخابية بمثابة التعيين، كما حصل بانتخاب ميشال عون رئيساً في 2016، فالمعركة في ذلك الوقت لم تكن بين اسمين، ولم تكن ديموقراطية بفعل الضغوط والتسوية التي نتجت منها محلياً وإقليمياً.
ويبدو أن عملية انتخاب الرئيس تمثل أزمة أعمق بكثير من مجرد دعوة لعقد جلسة انتخابية. فحتى الآن لا يزال سليمان فرنجية المرشح الأوفر حظاً بدعم من “حزب الله” ومحوره، فيما لم تثمر اتصالات القوى المعارضة، خصوصاً في الساحة المسيحية، للاتفاق على اسم منافس. معركة “حزب الله” التي خاضها على مدار الأشهر الماضية تشير إلى أنه لن يقبل بخسارة مرشحه، وهو يبذل جهوداً حثيثة مستفيداً من الاتفاق الإيراني – السعودي، وعودة العلاقات العربية مع النظام السوري، خصوصاً أن السعودية لم تضع فيتو على أي اسم وفق ما أعلنه البخاري بعد لقائه فرنجية الأخير. وبالتالي لن يقبل الحزب وحلفاؤه أن يطير كل الجهد بإخراج مرشحهم من المعادلة، وينسحب الأمر على أي جلسة انتخابية رئاسية سيقرر عقدها على ضوء التوازنات واحتساب الأصوات.
في كل الاحتمالات، لن يكون لبنان بمنأى عن تداعيات نتائج القمة العربية، لكن الأمور لا تشي بأن الحل بات قريباً، وأن الرئاسة يمكن أن تسير وفق الآليات الدستورية، ما دام اللاعبون الأساسيون في الخارج لم يتفقوا على تسوية تنهي الفراغ، فيما الاستعصاءات اللبنانية قادرة على التعطيل. والسؤال المهم: متى يعود العرب إلى لعب دور مؤثر أكبر في لبنان؟
ابراهيم حيدر- النهار العربي