باسيل وآخر أوراقه: «السؤال المليون»… ماذا يريد جبران باسيل؟
ماذا يريد جبران باسيل؟ «السؤال المليون» الذي بإمكانه أن يفكّ لغز الرئاسة:
هل فعلاً يخشى باسيل أن يقطع شعرة معاوية مع «حزب الله» اذا ما قرر القفز إلى ضفّة الخصوم للاتفاق مع المعارضات على مرشح ثالث من شأنه أن يصفّر فرصة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية؟ وهل هو على استعداد للقبول بصيغة ملتوية لترئيس فرنجية على قاعدة ضمانات يقدّمها «حزب الله» ليكون باسيل شريك العهد الزغرتاوي؟ هل يخاف رئيس «التيار الوطني الحر» من السباحة عكس تيار التطورات الاقليمية اذا ما نجحت في تكوين مظلة تفاهم دولي للرئاسة اللبنانية؟ أم أنّه يعوّل على تدخل معين من شأنه أن يربحه ورقة «اللوتو»؟ وما هي تلك الورقة؟
في الواقع، تفتح هذه التساؤلات الباب أمام أسئلة من نوع آخر تطال مستقبل جبران باسيل الخارج لتوه «مهزوماً» من عهد، كان عموده الفقري وحجر رحاه: هل يريد فعلاً أن يكون شريك العهد المقبل أم أنّه يفضل الجلوس على مقاعد المعارضة؟ هل من متسع له في العهد الجديد؟ بأي بورتريه سياسي وسقف سيواجه الانتخابات النيابية المقبلة؟
لا شكّ أنّ جبران باسيل يعيش حالة تخبط داخلية، بين ما يريده وما يعرض عليه، بين ما يحتاج إليه وما هو متوفر أمامه. الأكيد أنّ الرجل يمارس سياسية الالتباس المقصود. تلك الضبابية التي يغلّف فيها حقيقة موقفه، ليست عبثية، وإنما مبرمجة. عن قصد لا يكشف كامل أوراقه. يترك الحبال تلعب في الفضاء الفاصل بينه وبين بقية القوى السياسية، ويترك للوقت أن يحسم اللغط.
فعلاً، لا حليف له في هذه اللحظة إلّا الوقت. فالوقت كفيل بتحقيق بنك أهدافه، والأرجح أنّ هذا البنك يتدرّج من رفع العقوبات الأميركية عنه إلى الاتفاق مع «حزب الله» للاتيان برئيس يستطيع عن حق أن يكون شريكه المضارب. أمّا غير ذلك من كل السيناريوات المطروحة أمامه، فهو بالنسبة اليه أشبه بعمليات انتحارية ستقضي عليه في السياسة، عاجلاً أم آجلاً. وهذا ما أدى سريعاً إلى سقوط سيناريو الاتفاق مع قوى المعارضة على مرشح ثالث.
لا يناور باسيل حين يقول إنّه عاجز عن التصويت لسليمان فرنجية. هو مقتنع أنّه مهما بلغ حجم الضمانات وجديتها والتي ستوضع أمامه بمثابة تطمينات، سيُسحب، رغم ذلك، بساط السلطة من تحت قدميه. سيتعرض لحملة تذويب سريعة ومكثّفة ستفقده مفاتيح النفوذ والقوة، خصوصاً وأنّ فرنجية يتشارك مع باسيل التحالف مع «حزب الله» والعلاقة الطيبة مع سوريا، والزعامة على منطقة الشمال. ولهذا تراه يردّ كل العروض التي قدمها ويقدّمها «حزب الله» في سبيل تأمين تأييده لرئاسة فرنجية. حتى أنّه يُقال إنّ الأخير قطع الأمل من امكانية انقلاب باسيل على موقفه.
من جهة أخرى، يواجه باسيل ضغط القوى المسيحية الرافضة لترئيس فرنجية، خصوصاً اذا قررت هذه القوى تصليب موقفها أكثر للمكوث نهائياً في صفوف المعارضة، الأمر الذي يساعدها على تعبئة المزاج المسيحي لمصلحتها اذا ما افتقد العهد الجديد لرعاية دولية جدية تسمح له بقيادة مشروع انقاذي. وبالتالي ستُحرج المعارضة، «التيار الوطني الحر» في الشارع المسيحي وستسلبه ما تبقى من مناطق نفوذه.
لكنه بالمقابل، يدرك أنّ «حزب الله» ومهما بلغ حجم التباعد بينه وبين «التيار»، لن يجد غيره حليفاً مسيحياً يمكن الركون إليه في أي تسوية رئاسية. حتى وليد جنبلاط لا يزال في مربّع الحياد ولو أنّه أهمل ورقة المقاطعة لكنه التقط الورقة البيضاء. ما يعني أنّ الحاجة إلى شريك مسيحي، من جانب «الحزب» هي شرّ لا بدّ منه.
غير أنّ كلّ هذه الاعتبارات، لا تحجب الهدف المركزي لجبران باسيل، وهو نزع العقوبات الأميركية المفروضة عليه. يجلس رئيس «التيار» في مقرّه في ميرنا الشالوحي منتظراً. يكفيه أنّ العقم يصيب مخططات الترشيح، في كلا الاصطفافين لكي يزداد قناعة وعناداً في موقفه. بين يديه آخر أوراقه، إمّا يستثمرها بطريقة صحيحة ومع الفريق الأقوى، وإما يخسر كل شيء.
ساذج من يعتقد أنّ جبران باسيل لم يتدرّب جيداً على يدي الجنرال ميشال عون. تلك طريقته وأسلوبه في تحقيق مكاسب المحطات المفصلية. إما يربح كلّ شيء وإما يخسر كلّ شيء. في هذه المرحلة، المكاسب الرمادية أو الوسطية، قاتلة بالنسبة لباسيل، لذا يحاول قدر الامكان ابعاد كأسها عنه. لا مفرّ أمامه إلّا الصمود للاتفاق على رئيس من صناعته… وعلى الطريق يمكنه أن يفاوض على «عقوباته» خصوصاً وأنّ ترشيح فرنجية لا يزال يصطدم بفتور أميركي، إن لم نقل رفضاً، خصوصاً وأنّ بعض اللبنانيين ممن يلتقون مسؤولين أميركيين في بيروت، يؤكدون أنّ واشنطن انتقلت من مربّع القبول بأي مرشح يتفق عليه اللبنانيون إلى مربع رفض فرنجية… فهل أعاد باسيل برفضه تعزيز فرص أزعور، عقارب الرئاسة إلى معادلة فرنجية – جوزف عون؟
البراغماتية الفرنسية
بالتوازي، يقول المتابعون إنّ موقف الإدارة الفرنسية التي تبنت ترشيح فرنجية، قابل للنقاش، خصوصاً وأنّها لا تعطي اهتماماً كبيراً لشخص رئيس الجمهورية العتيد، سواء أكان فرنجية أم جبران باسيل أم جوزف عون، بقدر ما تهتم بمَن هو مرشح «حزب الله»، فعندما يرغب «الحزب» في تيسير المصالح الفرنسية في لبنان ومراعاتها، سيجري ذلك بغض النظر عن شخصية الرئيس وحقيقة التوازنات في مجلس النواب وتشكيلة الحكومة، والعكس صحيح…
وقد تميّزت السياسة الفرنسية تجاه لبنان بالبراغماتية الزائدة، والمراعاة الملحوظة لـ»حزب الله»، حتى من دون ربط هذه العلاقة بموقف فرنسا من إيران حيث حرصت الإدارة الفرنسية على إبقاء التواصل قائماً بينها وبين «الحزب» حتى في تلك المرات التي تكون علاقتها بطهران مشوبة بالتوتر.
وبين شركتي CMA CGM وتوتال العملاقتين، والتداخل بين الاقتصاد والسياسة، تضع السياسة الفرنسية تجاه لبنان الجوانب المتعلقة بدور هاتين الشركتين في لبنان على رأس أولوياتها؛ فالاستثمارات ضخمة نسبياً، والأفق المستقبلي قد يكون مُبشِّراً لو جرى تطور إيجابي في سوريا على صعيد إعادة الإعمار، بالإضافة إلى الجانب المتعلق بالأمن القومي من خلال توفير إمدادات الغاز والنفط لفرنسا وأوروبا من خارج الحلقة الروسية.
كلير شكر- نداء الوطن