رحلة جهاد أزعور في السباق الرئاسي: هل يصل إلى بعبدا… أو يعود باسيل إلى بيت طاعة «حزب الله»؟
لا نص دستورياً واضحاً يُحدّد آلية الترشيح إلى رئاسة الجمهورية، ما يجعل كل ماروني غير محكوم بجرم ويتمتع بكامل حقوقه المدنية مُرشّحاً بالفطرة للرئاسة الأولى، وهذا الأمر يُساهم في رفع أسهم أي طامح أو إسقاطها إلى ما دون الصفر، ربطاً بالتوازنات الداخلية والرياح الإقليمية والدولية.
جهاد أزعور، من الأسماء التي حضرت في أدقّ فترة من تاريخ لبنان، بعدما كان غائباً لفترة عن الأضواء. هو الآتي من عالم المال والأعمال والشركات. إبن سير الضنية الذي أبصر النور في العام 1966 عندما كان لبنان «سويسرا الشرق». وبالتالي هو من خارج حدود جبل لبنان التاريخي الممتد من جزين مروراً بزحلة وصولاً إلى بشرّي وزغرتا ومنبت الزعامات المارونية، لكن أبواب قصر بعبدا قد تفتح في أي لحظة أمامه لكي يدخل رئيساً للجمهورية.
منذ ما بعد توقيع «إتفاق الطائف» كان اسم النائب والوزير جان عبيد حاضراً بقوّة في أي استحقاق رئاسي، لكن «كورونا» هزمت السياسي المحنّك والرصين والمثقف فرحل. والأرجح أنّه دور ابن شقيقته كأحد أبرز الوجوه المطروحة للرئاسة.
من المعروف أن أزعور لا يحب الأضواء وكان يُفضل البقاء خلفها. عمل ما بين أعوام 1999 و2005 كمدير لمشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي في وزارة المال اللبنانية وأشرف على البرنامج الإصلاحي والتطويري في الوزارة، وساهم في إعداد مؤتمري باريس 1 وباريس 2.
عند تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2005، تبوأ أزعور منصب وزير المال في حكومة أُطلق عليها حكومة «الإستقلال الثاني». يومها اهتم بإعادة تسيير عجلة الإقتصاد بعد زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما إن انطلق البلد اقتصادياً وشهد أسرع وتيرة نمو له حتى وقعت حرب «تموز» من ثمّ لجوء 8 آذار و»التيار الوطني الحرّ» إلى الاعتصام في وسط بيروت وإقفال مجلس النواب وتعليق العمل بقوانين الموازنات، فحوصر السنيورة في السراي وكان أزعور الأقرب اليه، وبقي صامداً حتى «اتفاق الدوحة» وانتخاب الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار 2008.
وعلى الرغم من قربه من السنيورة والرئيس سعد الحريري، لم يعد أزعور وزيراً للمال في حكومة السنيورة الثانية، وحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى العام 2009، وابتعد عن الأضواء، لكن اسمه بقي جاذباً، وفضّل التفرّغ للشؤون المالية والإقتصادية والعمل في القطاع الخاص، إلى أن استلم رسمياً في آذار 2017 منصب مدير صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فعاد اسمه إلى التداول.
مرشح من باب الصندوق
ومع انفجار الأزمة المالية والإقتصادية في تشرين 2019، راهن البعض على دور قد يلعبه أزعور في مسألة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكن عدم وجود قرار من سلطة «الممانعة» التي استأثرت بالحكومات أخّر إقرار القوانين والقرارات الإصلاحية التي يطالب بها الصندوق.
وبما ان كل مرحلة تفرض هوية الرئيس، عاد اسم أزعور إلى التداول كمرشح رئاسي قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وقد أصبح اسمه جدياً بعدما كان في لائحة بكركي الاولى وتبناه رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل وعرضه على الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ضمن لائحة من الأسماء التي يفضل باسيل وصولها إلى بعبدا لتجنب إنتخاب رئيس تيار المرده» سليمان فرنجية، ورفضه نصرالله.
وُوجه ترشيح أزعور بـ»فيتو» قواتي واضح وعدم وجود إتفاق بين المعارضة عليه وانتقال اللعبة إلى مكان آخر بعد ترشيح «القوات» والمعارضة السيادية رئيس حركة «الإستقلال» ميشال معوض وثبات «الثنائي الشيعي» على دعم فرنجية وعدم رضوخ باسيل لمطلب «الثنائي».
وإنطلاقاً من هذه العناصر، ثمة سؤال جوهري يُطرح: لماذا عاد اسم أزعور للتداول كأحد أبرز المرشحين للوصول إلى بعبدا؟
في التفاصيل، هناك أمران بدّلا المعادلة، أحدهما داخلي ومسيحي، وآخر إقليمي مرتبط بموقف السعودية، ما جعل المياه الرئاسية تتحرّك. فالرياض أبلغت مع عودة السفير السعودي وليد البخاري، المعنيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي «لاءاتها» الثلاث وهي: لا «فيتو»، لا تبنيَ لأي مرشح، ولا ضغط على أحد، وبالتالي قُطعت الطريق أمام «الثنائي الشيعي» الذي راهن على موقف سعودي يتبنى المبادرة الفرنسية لإيصال فرنجية إلى بعبدا.
وبعد رفض السعودية الضغط على الحلفاء وفي طليعتهم «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الإشتراكي» و»الكتائب» و»الإعتدال الوطني» وحركة «الإستقلال» وبقية أطياف المعارضة، تحرّكت الأمور داخلياً وأُعيد فتح قنوات التواصل بين المعارضة، ودخل عامل جديد على الخط وهو ثبات باسيل على موقفه الرافض لفرنجية ومدّ يده للمعارضة على اختلاف تلاوينها للإتفاق على مرشح جامع حيث لم يقتصر التواصل فقط على «القوات» و»التيار الوطني الحرّ».
وأمام فشل المعارضة في توحيد صفوفها، رأى البعض في الإتفاق مع باسيل فرصة للوصول إلى 65 صوتاً لفرض أمر واقع رئاسي بعد فشل «الثنائي الشيعي» في تأمين 65 صوتاً لفرنجية، خصوصاً بعد تلويح المجتمع الدولي بفرض عقوبات على المعطلين، ما دفع برّي للقول إنّ لبنان سينتخب رئيساً قبل 15 حزيران المقبل.
وبعد نجاح قنوات التواصل بين جزء من المعارضة وباسيل، بدأ خلط الاوراق وتم التداول بمروحة واسعة من المرشحين، إلى أن انحصرت الخيارات بأزعور والنائب السابق صلاح حنين بعدما رفعت «القوات» الفيتو عن اسم أزعور مقابل عدم ممانعة الرياض لأي ترشح. وأكد باسيل لـ»القوات» والمعارضة أنّه لا يعترص على أيّ من الاسمين مع تفضيله أزعور لأنه كان من ضمن لائحته الرئاسية. هكذا ارتفعت حظوظ وزير المال السابق كمرشح يجمع القسم الأكبر من المعارضة وباسيل بعد دعم رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط له، كذلك أعلن عدد من النواب التغييريين والمستقلين السير بترشيحه.
وبعدما وصل عدد الأصوات الداعمة لأزعور إلى نحو 77 صوتاً، تمّت فرملة هذا التقدّم الجدّي بعدما استمهل باسيل المعارضة بعض الوقت، على اعتبار أنه كان يؤكد أنه ضدّ مرشح «الممانعة»، أي فرنجية، وضد مرشح المواجهة، أي النائب ميشال معوض، وهو مع مرشح يجمع بين الأفرقاء ولا يريد وضع «حزب الله» أمام مرشح أمر واقع. لذلك طلب مهلة لإقناع «الحزب» بأزعور.
ويبدو واضحاً عدم اتخاذ «حزب الله» حالياً أي قرار بالتراجع عن دعم فرنجية ويحتفظ بحق تقرير توقيت ذاك التراجع، وهذا الأمر جمّد مساعي باسيل الرئاسية. وهنا يوضع رئيس «التيار الوطني الحر» امام عدة خيارات أبرزها: إستكمال إتفاقه مع المعارضة لفرض أمر واقع رئاسي يترافق مع دعم دولي خصوصاً في ظل اتفاق مسيحي عريض ودعم معارض من كل الأطياف حول الإسم، أو إستمراره بالتريث لحين نضوج تسوية إقليمية ودولية، أو يعود إلى بيت طاعة «حزب الله» ويسير بفرنجية. لذلك يجوز السؤال: هل يجرؤ باسيل على استكمال اتفاقه مع المعارضة؟
الان سركيس- نداء الوطن