مخاوف على لبنان من “حزب الله”: لا شيء في الإقليم يبعث على التّفاؤل !
قرأت بعض الأوساط اللبنانية إعلان الخارجية الفرنسية أخيراً أن فرنسا لا تختار الرئيس اللبناني على أنه خلاف بين الخارجية والرئاسة الفرنسية. وهي في الواقع الحال قراءة خطأ من الذين لا يعرفون فرنسا، فالرئاسة هي فعلاً التي ترسم السياسة الدولية وتطبقها الخارجية. حدث ذلك في عهود جميع الرؤساء، باستثناء فترات حكومات التعايش عندما استطاع كل من وزيري الخارجية، الديغولي ألان جوبي في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران، والاشتراكي هوبير فيدرين في عهد الرئيس اليميني الراحل جاك شيراك، التأثير في الملف الدولي.
أما اليوم فالرئيس هو الذي يرسم السياسة الخارجية وفريقه الدبلوماسي برئاسة السفير السابق في لبنان إيمانويل بون هو الذي ينفذها مع الفريق المساعد، لا سيما الدبلوماسي باتريك دوريل. ويتم تنسيق العمل مع وزيرة الخارجية كاترين كولونا ومدير مكتبها السفير لوي فاسي ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية الدبلوماسية آن غيغين التي ستنتقل لتولي سفارة فرنسا في تونس والسفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو.
حقيقة الموقف الفرنسي من الرئاسة اللبنانية أن فرنسا لا تختار الرئيس في لبنان، وأنها بعد ستة أشهر من الفراغ تلاحظ أن الوضع يزداد خطورة والأحزاب المسيحية والنواب التغييريين فشلوا في الاتفاق على مرشح، لذلك فالطرح الفرنسي بالسير بالمرشح الموجود سليمان فرنجية ورئيس حكومة إصلاحي هو نواف سلام ليس اختيار الرئيس الفرنسي، بل لدفع المعارضين إلى الاتفاق على مرشح والإسراع بذلك، لأن هناك تعيينات لا تنتظر، في طليعتها حاكم البنك المركزي.
وفرنسا اليوم، كشريكتها الولايات المتحدة التي قالت مراراً، خلافاً لما يصدر من تأويلات في لبنان، إنه ليس لديها أي مشكلة مع سليمان فرنجية، ترى، كما الجميع، أن لا أغلبية برلمانية ممكنة للمرشح سليمان فرنجية، لذا يجب على اللبنانيين البحث عن مرشح يحظى بأغلبية في البرلمان، ولكن لم يظهر هذا التوافق، خصوصاً أن أسماء مرشحين كثر تحظى باحترام كبير لدى الدول المعنية والمتابعة للملف الرئاسي، في طليعتها فرنسا.
ولا مانع لدى هذه الدول أن يكون قائد الجيش جوزف عون رئيساً، إذ يحظى باحترام لقيادته ونزاهته، كما المسوؤل في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور أو الوزير السابق زياد بارود أو صلاح حنين، فكل هؤلاء يحظون باحترام في الأسرة الدولية لأنهم معروفون لكفاءتهم ونزاهتهم، ولكن المسألة هي أولاً التوافق داخل لبنان ثم تعهد الرئيس ومؤيديه داخلياً بعدم تعطيل العمل الحكومي، وأن يتم اختيار رئيس حكومة فاعل في الإصلاحات، وإلا فلن يستطيع لبنان الخروج من أزمته.
فرنسا ماكرون اختبرت التعطيل اللبناني عندما نظمت مؤتمر سيدر للبنان الذي قدم التزامات ضخمة كان بإمكانها أن تنقذ لبنان لولا التعطيل والانقسام والفساد. ومنذ 2018 والوضع يزداد تدهوراً، وكل ما ينجح فيه رؤساء الأحزاب اللبنانيين انتقاد موقف فرنسا الذي أسيء فهمه من دون التوصل إلى أي اتفاق. فبمجرد أن يوافق رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع على مرشح يرفضه خصمه جبران باسيل والعكس صحيح. أما النواب التغييريون فهم أيضاً عاجزون عن التوحد، فيما الثنائي الشيعي لا يريد التنازل بعض الشيء عن نفوذه ويصر على مرشحه.
والدول الخارجية، وفي طليعتها السعودية، لديها، مثل المعارضة، مخاوف على لبنان من “حزب الله” وهي على حق، وذلك خلاف موقفها من التطبيع مع بشار الأسد وحامييه إيران و”حزب الله”. تعتقد السعودية أنه بعودة العلاقات الدبلوماسية مع بشار الأسد سيكون بالإمكان إبعاد تأثير إيران وإخراجها من سوريا. بعض المعلومات من مصادر دولية تقول إن إيران طلبت من السعودية التطبيع مع بشار الأسد للتقدم في المفاوضات في اليمن، وهذا محتمل جداً، كون الإيرانيين يجيدون المقايضة. ولكن قد تلاحظ المملكة بسرعة أن سوريا الأسد لن تتحرر لا من إيران ولا من “حزب الله” اللذين لولاهما لما بقي بشار الأسد. وما كانت القاعدة الجوية الروسية في سوريا لتكفي من دون وجود إيران و”حزب الله” على الأرض السورية.
إن الضربة التي وجهها الأردن داخل الأراضي السورية مستهدفاً أحد كبار مصنعي الكبتاغون، تظهر أن الأردن مدرك تماماً أن لا ثقة بوعود الأسد في مكافحة الكبتاغون، خصوصاً أنه وجماعته هم المستفيدون من عائداته.
فكيف ستتعامل المعارضة اللبنانية مع هذه الظروف الإقليمية التي ستعزز قبضة الثنائي الشيعي على البلد، إذ إن أي رئيس سيأتي لن يكون إلا بدعم من “حزب الله” أياً كان رأي المعارضة، لسوء حظ لبنان. فلا الداخل اللبناني ولا التغييرات الإقليمية تتيح التفاؤل بمصير لبنان.
رندة تقي الدين- النهار العربي