تحت جناح “الشيعية السياسية”: أرثوذكسيان “يصنعان” الرئاسة المارونية بغياب الزعامة السنّية!
أرثوذكسيان “يصنعان” الرئاسة المارونية: استعادة التوازن التاريخي
يحدث في لبنان، أن تعمل شخصيات أرثوذكسية في سبيل التوفيق بين الموارنة. منذ فترة يتحرك رجلان أرثوذكسيان، تنافسا انتخابياً على منصب نائب رئيس مجلس النواب قبل حوالى السنة. تحركهما يدفع في سبيل الوصول إلى قواسم مشتركة بين القوى السياسية المتعارضة في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية.
الدور الحيوي
بشكل مباشر، فإن المعنيين بهذا التحرك هم الموارنة، على الرغم من أن الاستحقاق وطني، فيما يعمل الرجلان ضمن رؤية وطنية بالنظر إلى تنقلاتهما ولقائاتهما، ولكن من دون إغفال المعضلة المارونية المتأبدة. وعلى سبيل المثال حول ذلك، كان مزاح الأمين العام السابق للقاء الأرثوذكسي مروان أبو فاضل، خلال استقدام شعلة النور المقدس إلى لبنان، بقوله إنه “طالما الخلاف الماروني مستمر، فليُنتخَب أرثوذكسي لرئاسة الجمهورية”.
يتحرك نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب غسان سكاف بين القوى السياسية والكتل النيابية المختلفة، في سبيل الوصول إلى قواسم مشتركة، يمكن أن يبنى عليها لإنجاز الإنتخابات الرئاسية. تاريخياً، وبعد سحب رئاسة الجمهورية من الأرثوذكس لصالح الموارنة، أصبح الأولون حاجة وضرورة للآخرين، وللموارنة كما للسنّة. فغالباً ما ارتبط رؤساء الجمهورية او الحكومة بشخصيات أرثوذكسية لعبت أدواراً أساسية في حقب متعددة. وهذا ما يحاول الياس بو صعب وغسان سكاف استعادته في هذه المرحلة، التي تتوزع فيها موازين القوى بشكل تعطيلي غير قادر على الإنتاج.
رمال متحركة
وفي طفرة “القومية العربية” التي نظّر لها مسيحيون عرب، مقابل “قومية لبنانية” ارتكز عليها الموارنة، اتجه الأرثوذكس في مشارب مختلفة، من بينها القومية السورية التي نظّر لها أنطون سعادة كجزء من إحياء للدور الأرثوذكسي في هذه المنطقة، وكحدود أوسع من كيانية لبنان ومحدوديته، وأصغر من المدى العربي الأوسع. وارتكزت وجهة النظر هذه على مقومات مختلفة فيها، منها ما هو مصقول تاريخياً بالعودة إلى حضارات قديمة، مع إعلاء رابط الإنتماء للطبيعة أو للأرض (الهلال الخصيب)، ومنها ما يتصل بإرث كرسي إنطاكيا وسائر المشرق.
حالياً، يتحرك الأرثوذكسيان على رمال متحركة، بين الغرب والشرق، صينياً وأميركياً، عرباً وعجماً. أطلق بو صعب تحركه على وقع تفاهمات إقليمية لا سيما الاتفاق السعودي الإيراني. وهو صاحب العلاقات بالأميركيين وبدول الخليج. خاض سابقاً مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بالاستناد إلى علاقته مع الأميركيين ولا سيما مع آموس هوكشتاين. فاصطنع دوره الذي يريد أن يراكم عليه. انطلق التحرك من الضاحية الجنوبية لبيروت في لقاء مع حزب الله، وبتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. استبق حركته بإعلانه عن الاستعداد للتصويت لسليمان فرنجية في حال احتاج إلى صوته كي يصبح رئيساً. أدار محركاته لتقريب وجهات النظر. فيما على الضفة الأخرى، كان غسان سكاف يتحرك بين قوى المعارضة في سبيل الاتفاق على مرشح، بلغ مجهوده التداول بثلاثة أسماء، فيما يستمر للوصول إلى مرشح واحد.
تجارب تاريخية
يتحرك بو صعب من الخلفيات السابقة الذكر، وبناء على علاقات متعددة، وبذلك يكرّس تمايزاً عن التيار الوطني الحرّ ورئيسه، في اصطناع الدور وتعزيزه، وصولاً إلى محاولة استقطاب آخرين من التكتل إلى جانبه. فيما حركة سكاف ترتكز على انتمائه لقوى 14 آذار، بالانطلاق من علاقاته مع غالبية قواها. ثمة من يصف الأرثوذكس بأنهم الضنينون دائماً بالسلم الأهلي، وانهم يستشعرون المخاطر مسبقاً فيحاولون تجنب الوقوع فيها. يرتكز الرجلان على تجارب كثيرة لشخصيات أرثوذكسية، غالباً ما كانت ضرورة للزعماء الموارنة أو للزعامات السنية، كما كان الحال بالنسبة إلى حبيب أبي شهلا كأبرز رجالات الاستقلال إلى جانب بشارة الخوري، وكما كان الحال بالنسبة إلى شارل مالك واضع لبنان على خريطة العالم، وفي سبيل تأسيس الأمم المتحدة ووضع ميثاقها. في مقابل جورج حاوي الشيوعي ذات البعد الوطني الواسع والشامل والمقاوم لإسرائيل بخلاف ما كان عليه الجو المسيحي العام في تلك المرحلة، وهو أحد مؤسسي الحركة الوطنية والساعي لتطبيق برنامجها المرحلي، والمتجاوز لحدود الطوائف.
ثمة تجربتان أيضاً، وهما عبارة عن توأمة بين شخصين، فؤاد بطرس القريب المقرب من فؤاد شهاب، وغسان تويني القريب المقرب من صائب سلام الذي عارض شهاب. شكل بطرس وتويني ثنائياً عمل على تأطير التقدم اللبناني، التطور الديبلوماسي والتطور في حرية الصحافة، وتكريس القرار 425. وعاد تويني وصنع في حقبة السلم علاقة أساسية مع زعامة رفيق الحريري السنية، علاقة دفعت بالنظام السوري إلى التدخل للمطالبة بفض الشراكة. الفارق في هذا الزمن، أنه في ظل بقاء الموارنة على انقساماتهم، يسعى أرثوذكسيون إلى التقريب فيما بينهم، إلا أن معيار الزعامة السنّية غائب، وهو الذي كان يجد دائماً جناحاً مسيحياً أرثوذكسياً إلى جانبه. حالياً، أصبح الجميع تحت جناح “الشيعية السياسية”، أما الخارج من تحت هذا الجناح، فله الانفكاء أو الانضواء في خيارات تصغير الكيان أو تسيّد أقلية لمساحة قليلة.
منير الربيع- المدن