لم يبقَ أي شيء على حاله: صالونات الحلاقة تصارع للصمود!
منذ بداية الأزمة الاقتصادية أواخر العام 2019، تغيرت حياة الغالبية الساحقة للبنانيين وتبدلت، لم يبقَ أي شيء على حاله، وكان الدولار هو العامل الأساس في هذا التبدل خصوصاً أنه لم يهدأ أو يستقر عند رقم أو حد معين، بل انه انتفض من 1500 ليرة للدولار الواحد ليقترب منذ ما يقارب الشهر الى حدود 150 ألف ليرة، قبل أن يهبط متأرجحاً بين حدود 90 و100 ألف ليرة.
تقلبات أسعار صرف الليرة اللبنانية، في ظل اعتماد الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من حالة فوضى وضياع وتشتت في بعض القطاعات، على الدولار بصورة أساسية في مختلف عمليات التبادل التجاري وخصوصاً الاستيراد والتصدير، ومع رفع الدولار الجمركي بصورة متواصلة، والفرق بين دولار السوق السوداء ومنصة “صيرفة”، والعديد من الأسباب دفعت بالكثير من المؤسسات والمصالح الى انتهاج سياسة جديدة، وهي الدولرة أي الدفع بالدولار أو بالليرة وفق سعر الصرف.
من بين هذه المؤسسات كانت صالونات الحلاقة والتزيين، هذا القطاع الذي تلقى ضربة قاسية خلال الفترة الماضية، منذ انتشار فيروس كورونا ثم الأزمة الاقتصادية والدولار، خصوصاً أن معظم المستلزمات التي يستخدمها الحلاقون أو المزينون في أعمالهم مستوردة، من ماكينة الحلاقة الى المقص والشفرات، أي أن هذه المستلزمات الأساسية تحتسب وفق الدولار، وكلفتها ارتفعت جداً.
ولا تخفى أيضاً مشكلة الطاقة والكهرباء والتي تعد عنصراً أساسياً في صالون الحلاقة، وصحيح أن المشكلة كانت على جميع اللبنانيين، الا أن إيجاد حل لها من أصحاب الصالونات كان ضرورياً، إن كان في اشتراك الكهرباء أو شراء مولد خاص أو حتى الطاقة الشمسية التي غزت أسطح المباني والمنازل والمؤسسات في لبنان خلال الأشهر الماضية مع تفاقم مشكلة الكهرباء وانقطاعها أياماً عدة عن مختلف المناطق اللبنانية.
الى جانب ذلك، لا يمكن نسيان منافسة اليد العاملة الأجنبية الرخيصة دون أدنى معايير النظافة والكفاءة أو الحصول على إجازة عمل بصورة قانونية لمزاولة المهنة.
يشير شادي صاحب أحد صالونات الحلاقة لموقع “لبنان الكبير” الى أن صالونات الحلاقة حالها كحال باقي المهن والمصالح لا تزال تعاني بسبب الأزمة الاقتصادية التي خنقت البلاد وقبلها جائحة كورونا والاقفال العام الذي حصل، والاجراءات التي اتخذت في رفع أسعار الحلاقة هي لمجاراة ارتفاع الأسعار وتقلبات الدولار للحفاظ على عمل الحلاقين كغيرهم من الناس.
ويقول: “أسعار قصة الشعر تختلف بين صالون وآخر وبين منطقة وأخرى، وأصبحت الغالبية تقرّشها وفق الدولار، وأصبح معدلها 5 دولارات لقصة الشعر ودولارين أو ثلاثة لحلاقة الذقن، اما الشمع فهو بدولارين وتسريح الشعر بدولار، هذه التسعيرة المعتمدة لدى الكثير من الصالونات اليوم، اما قبل الأزمة فكان السعر يتراوح بين 5 و10 آلاف ليرة لبنانية لقصة الشعر اما الذقن فكان بين 3 و5 آلاف”.
ويوافق شادي على الأكلاف التي سبق وذكرناها، من كلفة الكهرباء لشراء المعدات ودفع ايجار المحل الذي يواكب أيضاً الارتفاع وبالدولار أيضاً ورواتب الموظفين والعاملين، الى جانب كلفة المعيشة. ويؤكد أن هناك الكثير من الصالونات أقفلت أبوابها لأنها لم تواكب هذا الارتفاع وجنون الدولار في السوق السوداء في ظل الأكلاف العالية، خصوصاً أن الماكينات المستخدمة والتي تعد الأفضل ألمانية أو إيطالية الصنع وهناك الصينية أيضاً، اما بالنسبة الى الشفرات فهناك نوعيات كثيرة تدفع بالفريش دولار أيضاً كالهندي والمصري والروسي الذي يعد الأفضل. ولم ينسَ ذكر المنافسة من اليد العاملة الأجنبية التي تمارس هذه المهنة بصورة غير شرعية ومن دون المعايير التي يلتزم بها اللبناني في عمله، اذ أنه يتقاضى سعراً أقل من التسعيرة المتعارف عليها لدى اللبنانيين بهدف المضاربة.
وبعد جولة على عدد من الصالونات تبين أن قصة الشعر بـ 5 دولارات لدى معظمها والذقن بدولارين والشمع أو “الواكس” كذلك، وفي محال أخرى كانت الكلفة 6 دولارات للشعر والذقن.
وتجدر الاشارة الى أن بعض الصالونات في بعض القرى والضيع لا تزال تتقاضى أقل من ذلك، ويقول صاحب أحد هذه الصالونات الذي يتقاضى بين 100 و150 ألف ليرة مقابل قصة الشعر و50 و100 ألف لحلاقة الذقن و100 ألف للشمع، انه لم يرفع أسعاره كثيراً على الرغم من وجود بعض الخسارة، تحسساً منه بالأزمة الاقتصادية التي تؤثر على الجميع وتعاطفاً مع الناس ورأفة بهم.
وتعد صالونات الحلاقة المكان الذي تتلاقى فيه السياسة ومشكلات الناس وهمومهم ومعاناتهم اليومية، والمكان الذي تروى فيه القصص الشيقة، في الوقت الذي يصارع أصحابها كي يستمروا في عملهم أسوة بغيرهم.
لبنان الكبير