ما لم يقله وزير الخارجيّة الإيراني… في الأثمان”الاستراتيجية!
ما لم يقله وزير الخارجيّة الإيراني في أولى زياراته للبنان بعد “اتفاق بكين”!
انشغلت الأوساط السياسيّة في قراءة خلفيات الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للبنان، بهدف التدقيق في ما إذا كان هناك أي تعديل منهجي في سلوك “الجمهورية الإسلامية” تجاه ما يصفه مرشدها علي الخامنئي بـ”عمقها الاستراتيجي”، وذلك في ضوء “اتفاق بكين” بينها وبين المملكة العربية السعودية.
ووفق مجريات الزيارة وجدول أعمالها والأدبيات التي عممّها عبد اللهيان، فالقديم على قدمه، فطهران لا تزال تزعم أنّها على مسافة واحدة من جميع اللبنانيّين، باستثناء حزب “القوات اللبنانيّة” الذي تحمّله مسؤوليّة خطف دبلوماسيّيها الثلاثة والمصوّر المرافق وقتلهم، في عام 1982، متجاهلة القناعة اللبنانية الراسخة بأنّها ليست كذلك، فهي استتعبت لبنان، كليًّا، من خلال “حزب الله”.
ووفق ما أظهرته مجريات الزيارة، فإنّ إيران تواظب على استعمال لبنان كمتراس متقدّم في صراع النفوذ الإقليمي مع إسرائيل، وهي بعد “اتفاق بكين” صعّدت كثيرًا على هذا المستوى، وأدخلت لبنان رسميًّا كرأس حرب في تكتيك “تلاحم الساحات”.
وعلى المستوى السياسي، واظبت إيران على التلطي خلف “حزب الله” من أجل عدم تسهيل أيّ حلّ لا يتلاءم مع تعزيز سطوة “حزب الله” على القرار اللبناني.
وعلى المستوى الاقتصادي، فطهران تطلب من بيروت أن تواجه واشنطن، حتى تستفيد هي استثماريًّا، إذ إنّه ما إن وافق لبنان على مبدأ المساعدات المجانية، في وقت سابق، حتى تراجعت إيران عن “كرمها الكبير”.
ماذا يعني ذلك؟
لم يأتِ عبد اللهيان إلى لبنان ليؤكد فقط أنّ “اتفاق بكين” لم يغيّر شيئًا في طريقة تعاطي دولته مع “بلاد الأرز”، بل أيضًا، وهذا هو الأهم، من أجل أن يتلمّس ما إذا كان هذا الاتفاق قد غيّر نظرة اللبنانيين إلى إيران، ولهذا كانت دعوة ممثّلي المكوّنات السياسية اللبنانية للقاء معه، باستثناء “القوات اللبنانية”.
وهذا يفيد بأنّ إيران تتطلّع إلى أن تستفيد من “اتفاق بكين” لترسيخ سياستها اللبنانيّة، من جهة أولى، وأن تسقط، بعدما فتحت آفاق التفاهم مع المملكة العربية السعودية، تحفظات فئات سياسيّة لبنانيّة على التعاطي معها، من جهة أخرى.
إذاً، زيارة عبد اللهيان للبنان جاءت بخلفية مضاعفة نفوذ إيران، بحيث لا يعود هذا النفوذ مقتصرًا على “بند الترهيب” الذي يفرضه “حزب الله”، عندما تقتضي المصلحة الإيرانيّة.
ولذلك تداعيات كثيرة، إذ إنّ تمسّك إيران بمعادلاتها القديمة في التعاطي مع لبنان لن يشجّع المملكة العربية السعودية على تعديل نهج تعاطيها، هي أيضًا مع لبنان، إلّا إذا حصلت على أثمان “استراتيجية” في مقابل ذلك، الأمر الذي لم يثبت حدوثه بعد، حتى في الملف الأكثر أهمية بالنسبة للرياض، أي الملف اليمني.
وسوف يزيد هذا السلوك الإيراني الذي أوصل عبد اللهيان إلى بلدة “مارون الرأس”، بصفتها أحد رموز مواجهة إسرائيل، خلال حرب تموز (يوليو) 2006، قناعة الكيان العبري بوجوب تعزيز استراتيجية الحرب مع لبنان الذي يجري تكريسه، بالمعطى العسكري، كميدان إيراني.
الرسالة التي حملها عبد اللهيان معه إلى لبنان، أراحت “حزب الله” كليًّا، فهي عزّزت حضوره السياسي، من جهة، وصلّبت وظيفته العسكريّة من جهة أخرى.
وهذه الرسالة سوف تسمح لـ”حزب الله” برفع وتيرة دعمه لمرشحه سليمان فرنجيّة، في مقابل ضمور ثقة القوى المناوئة لـ”حزب الله” بقدراتهم، إذ تقتضي الحكمة أن يحتاطوا لإمكان أن يذهبوا فرق عملة في لعبة إقليمية تحاول دول غربيّة عدة، وفرنسا في طليعتها، الاسثمار فيها!
فارس خشان- النهار العربي