يغرق اللبنانيون في الرهانات… ولبنان يتحوّل متاهة سياسية!
ليست حالة الانقسام بين الأفرقاء اللبنانيين يتيمة. ما هو مشهود في لبنان من تضارب في المواقف والرؤى، ومحاولة الكثيرين لتمييز أنفسهم بمواقفهم، له ما يعاكسه في الخارج أيضاً. وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالاستناد إلى رهانات لبنانية متناقضة. بين فريق يعتبر أن المواقف الدولية تصب في صالحه، كما هو الحال بالنسبة إلى مؤيدي ترشيح سليمان فرنجية. وفريق آخر يعتبر أن كل ما يجري في الخارج لن تكون رياحه كما تشتهيه سفن الخصوم. يغرق اللبنانيون في الرهانات على التناقضات الخارجية، ويكثرون منها. فهم يعتبرون أن ثمة تناقضاً في الرؤى السعودية الفرنسية، والفرنسية الأميركية، في مقابل إمكانية تقارب سعودي إيراني قد ينعكس تهدئة وليناً في لبنان، تمهيداً لفتح الطريق أمام تسوية جديدة.
أميركا وبرّي والعقوبات
على وقع حالات الانتظار، برز الدخول الأميركي منذ فترة من بوابة العقوبات سواء على شخصيات مرتبطة بحزب الله، أو على شخصيات متهمة بالفساد. وهنا أيضاً تجدد الانقسام اللبناني في تفسير مغزى هذه العقوبات وأبعادها. وصولاً إلى حد الرسالة التي تم توجيهها من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي إلى الرئيس جو بايدن، والتي تشير إلى ضرورة ممارسة ضغوط أميركية على الأفرقاء اللبنانيين للشروع بتنفيذ الإصلاحات، ولتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية.
وقد أوردت الرسالة إسم الرئيس نبيه برّي كأول حليف لحزب الله في مسار تعطيل الاستحقاق الرئاسي. علماً أن برّي يعتبر نفسه أنه يعمل على تسريع وتسهيل انتخاب الرئيس من خلال الدعوات المتكررة إلى الحوار. ورود إسم رئيس المجلس في هذه الرسالة، تضيفه مصادر من واشنطن إلى جزء من التلويحات الأميركية بإمكانية فرض عقوبات على بعض المقربين منه. فيما تفسّر المصادر كل المسار الأميركي بأنه ينطوي على انقسام في داخل الإدارة، وبينها وبين الكونغرس. لا سيما أن هناك آراء أميركية تبدو واضحة لجهة رفض مبدأ اللامبالاة الأميركية للواقع اللبناني، ما قد يجعل حزب الله ينتصر مجدداً ويتسلم البلد، في حال نجح بإيصال مرشحه لرئاسة الجمهورية. يمكن لهذه الضغوط أن تقود إلى اتخاذ إجراءات جديدة يكون لها انعكاس على الواقع اللبناني الداخلي.
تباينات فرنسية.. ومواصفات سعودية
ومن المراقبة اللبنانية إلى هذه الاختلافات الأميركية، لا يغيب عن اللبنانيين التداول أيضاً في تباين بوجهات النظر داخل الإدارة الفرنسية أيضاً، بين من لا يزال يتمسك بطرح سليمان فرنجية، في مقابل المعارضين لهذا المسار، والذين يعتبرون أيضاً أن باريس تكرس انتصاراً لحزب الله، وتخضع لحسابات ضيقة يفرض عليها الذهاب إلى إرضاء الحزب وإيران معاً. لا سيما أن التواصل تجدد بعد اللقاء الذي عقد بين مسؤولين فرنسيين وإيرانيين في الصين، فيما نجحت المفاوضات بالوصول إلى إطلاق إيران لسراح عدد من المعتقلين الفرنسيين لديها، على خلفية الاحتجاجات الأخيرة في المدن الإيرانية. ليس بعيداً أيضاً، يدرج اللبنانيون مسألة تغيير السفيرة الفرنسية في بيروت، علماً أن مدة عملها تنتهي في أيلول المقبل، فيما المعلومات تشير إلى أنها قد تغادر قبل هذا التاريخ، وسيتم تعيين السفير الفرنسي في تركيا مكانها.
ومن بين الرهانات على التناقضات أيضاً، ثمة فريق يراهن على وجود تباين في وجهات النظر داخل المملكة العربية السعودية، بين من لا يمانع في انتخاب فرنجية مقابل تحصيل المزيد من المكاسب، وبين طرف آخر لا يزال يعارض ويتمسك بالمواصفات، ويعتبر أن لبنان يحتاج إلى آليات جديدة في انتاج التسويات والحلول. ويبدو واضحاً حجم الانقسام اللبناني في تفسير الموقف السعودي. إذ أن الداعمين لفرنجية يؤكدون بأن الرياض لم تطلق أي موقف سلبي تجاه ترشيح الرجل، فيما المعارضون له يؤكدون بأنها لم توافق عليه، وأنها متمسكة بمواصفاتها التي لا تنطبق على أي شخصية محسوبة على طرف ضد الطرف الآخر.
اختلافات إيرانية وتأثيرات سورية
لا تغيب القراءات اللبنانية للانقسامات الداخلية عن الميدان الإيراني أيضاً. إذ تشهد الكواليس السياسية تفسيرات لزيارة حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، وسط اعتبار البعض أن هناك اختلافاً في التوجهات الإيرانية ولا سيما بين عبد اللهيان من جهة والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي من جهة أخرى. فالأول سينتقل من بيروت إلى دمشق، والثاني سيزور العاصمة السورية الأسبوع المقبل. وهو ما سيفتح باباً جديداً أمام التكهنات والتحليلات اللبنانية، حول إمكانية لعب سوريا دور في الملف اللبناني، خصوصاً أن فرنجية كان قد أعلن في إطلالته عن التأثير السوري في ملفات متعددة، وأنه لا يمكن لرئيس على خصومة مع سوريا أن يحكم في لبنان. الأسابيع الماضية شهدت زيارات كثيرة إلى دمشق، وبعض المسؤولين التقى برئيس النظام السوري بشار الأسد، والذي بدا أنه يتابع الملف اللبناني، ولكن من دون الاستعداد للدخول في التفاصيل أو التأثير بالمجريات، على الرغم من أنه كلف فريقاً لمواكبة التطورات اللبنانية، ووضعه في صورتها، فيما يشير آخرون إلى أن الرجل يركز على التنسيق مع حزب الله في الملفات اللبنانية.
دور قطري
وسط كل هذه التطورات أيضاً، وفي خضم الانقسامات القائمة بين الدول أو بين جهات متعددة داخل كل دولة، يبقى هناك رهان لبناني على طرف قادر على التوفيق بين الجهات المتعارضة وغير المتفقة فيما بينها، على رؤية مشتركة. في هذا السياق، يعود الرهان اللبناني على دور قطري يمكن أن يتقدم أكثر في المرحلة المقبلة، في سبيل السعي للتقريب بين وجهات النظر المختلفة، وعلى قاعدة التواصل مع الجميع، في سبيل وضع رؤية مشتركة من شأنها تسهيل أي مبادرة للوصول إلى حلّ، سواء بين الأفرقاء الداخليين أو بين القوى الخارجية المهتمة بالملف اللبناني.
منير الربيع- المدن