السّودان: جحيم يلوح في الأفق!

بدأت المواجهة بين الجيش النظامي و”قوات الدعم السريع” في السودان تتحول إلى حرب خطوط تماس في العاصمة الخرطوم، وإلى حرب متحركة في الولايات السودانية الأخرى. في الخرطوم لم تتحرك خطوط التماس بين الطرفين. لم يتحقق اختراق عسكري لأي منهما لا في محيط القصر الرئاسي، ولا في المطار، ولا القيادة العامة للقوات المسلحة.

ومن هنا بدأت المعركة في العاصمة بمدنها الثلاث تشبه الحرب التي دارت لأعوام في العاصمة اللبنانية خلال الحرب الأهلية التي شهدت تحريكاً للخطوط خارج العاصمة، فيما ظلت ثابتة لأعوام طويلة بين بيروتين غربية وشرقية حتى انتهاء الحرب بعد سبعة عشر عاماً. في الخرطوم تترسخ الخطوط وتتحول إلى مواقع محصنة وثابتة لا يملك أي من الطرفين إمكانية فعلية لاختراق وحسم المعركة بسرعة. حتى الطيران الحربي التابع للجيش النظامي الذي يحلق في سماء العاصمة ويقصف بعض المواقع، بدت عليه علامات توحي بمحدودية الإمكانيات التي تحول دون تأمين تفوّق حاسم للجيش النظامي. وبالتالي نحن بإزاء تثبيت لخطوط تماس في العاصمة، وبدء تحريك لخطوط مواجهة في الولايات الأخرى.

أولى الولايات المعنية هي دارفور وعاصمتها الإدارية مدينة الجنينة التي شهدت قبل يومين مواجهات، فيما أعداد كبيرة من السكان في الوجه القبلي للمنطقة بدأوا يعبرون الحدود نحو التشاد المجاورة تحسباً لاشتعال دارفور مرة جديدة، لا سيما أن هذه المنطقة شهدت في الماضي أعمال عنف وقتل وذبح واغتصاب وحرق، أدت إلى مقتل مئات الآلاف من المواطنين. هذا والخوف في دارفور منبعه أن المنطقة على حدود رخوة من التشاد يمكن أن يمر عبرها إمداد بالرجال والعتاد من دون أن تتمكن التشاد من ضبط المسألة. فالحدود التي نتحدث عنها تمتد لأكثر من 1200 كيلومتر ويستحيل السيطرة عليها. وثمة مراقبون يؤكدون أن مرتزقة مجموعة “فاغنر” موجودون في غربي السودان امتداداً إلى ما بعد الحدود في التشاد. ولعل تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل يومين رداً على سؤال حول وجود مرتزقة “فاغنر” على الأرض في السودان الذي أكد فيه أن المسألة قرار سيادي داخلي لكل دولة تريد أن تتعامل مع المجموعة كجهة خاصة تقدم خدمات مدفوعة! هذا الموقف قد يكون دليلاً إلى أن روسيا ليست بعيدة من الأرض في السودان.

وتؤكد وسائل إعلامية غربية أنها تدير مناجم ذهب في الولاية وتؤمن لها الحماية نيابة عن موسكو. في كل الأحوال، إن المشكلة التي سيواجهها السودان مع استمرار الحرب في العاصمة، وتمددها إلى الولايات الأخرى، تتلخص في تحلل متسارع لمؤسسات الدولة، بما فيها الجيش النظامي، ونمو ميليشيات قبلية وجهوية في عدد الولايات البعيدة من المركز. هذه هي طبيعة السودان كدولة مركبة.

وإذا كانت الحرب ستطول، ومعها سيتراجع نفوذ المركز في الخرطوم المتنازع عليه، فستنبت من تحت النار مشاريع تقسيمية تنبع أولاً من الهواجس الأمنية، ثم من الحاجات الاقتصادية والمعيشية، وأخيراً تعود إلى الواجهة مصالح قيادات محلية وطموحاتها السلطوية ستعتبر أن أمامها فرصة لكي تتقدم المشهد على أساس أن تحلل الدولة في المركز، واستمرار القتال يستنزف الدولة المركزية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية التي تشكل ضابط إيقاع الوحدة السودانية. وعليه، كل الاحتمالات مطروحة بالنسبة إلى مصير وحدة التراب السوداني الذي يمكن أن يصبح على المحك.

إن إيقاف القتال فوراً ضروري. فالهدن التي لا يحترمها أي من الفريقين غير مجدية. من هنا أهمية رفع منسوب الضغط الخارجي على الفريقين لئلا يسقط السودان في جحيم حروب متوالدة من رحم تحلل الدولة المركزية ومؤسساتها المتسارع!

علي حماده- النهار العربي

مقالات ذات صلة