أيام عصيبة في انتظار السّودان
مع استمرار ترحيل الرعايا العرب والأجانب من السودان، تبقى البندقية سيدة الموقف في ساحات القتال بين الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”.
فالقوى السياسية المعنية بـ”اتفاق الإطار” الذي وُقّع في شهر كانون الأول – ديسمبر الماضي وتضمن خريطة طريق سياسية لانتقال السلطة من العسكر إلى المدنيين، لم تفلح في أخذ مكانها في المعادلة بين الفريقين المتصارعين. لا بل ثمة مؤشرات تفيد بأنه مع استمرار القتال سوف يستقطب كل فريق قوى سياسية لكي تلعب دور الواجهة السياسية للعسكر، وذلك في وقت ينزلق فيه السودان في جولة قتال طويلة بسبب عجز كل من الفريقين عن حسم المعركة بسرعة.
بالتالي فإن الكلام السياسي سيتأخر، لا سيما أن الطرفين يعللان النفس بمزيد من المكاسب على الأرض قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض. هذا إذا جلسا إليها في المدى المنظور. تقديراتنا أن كلاً من البرهان ودقلو يقتربان شيئاً فشيئاً من الاقتناع باستحالة حسم الموقف على الأرض. لكن المعلومات تفيد بأنهما لغاية هذه اللحظة لم يصلا بعد إلى نقطة الفصل التي يقتنعان فيها بأن الحسم مستحيل. إذاً نحن أمام مزيد من الضحايا المدنيين ومن الخسائر التي تصيب تباعاً البنى التحتية للدولة السودانية، فضلاً عن أنها تنزل خسائر فادحة بالاقتصاد الوطني الذي يعاني في الأصل حالة صعبة.
إذاً نحن في انتظار خروج الرعايا العرب والأجانب، ومراقبة الوضع على الأرض الذي الذي يتوقع أن يزداد سخونة في كل مكان.
صحيح أن المعركة لا تزال حتى الآن داخلية بين البرهان ودقلو، لكن مع مرور الوقت ستدخلها حكماً قوى إقليمية ودولية لكي تلقي بثقلها هنا أو هناك. واللافت هنا أن الطرفين يتقاطعان في علاقاتهما الخارجية عند أطراف إقليمية، فقد قاما خلال الأعوام الماضية، أكان البرهان أو دقلو، بتوسيع مروحة علاقاتهما الخارجية بشكل مستقل في اتجاهات عدة. وأحياناً كانت بعض تلك العلاقات تصب في مكان واحد مثل العلاقة مع إسرائيل أو بعض الدول العربية الخليجية. كلا الطرفين أقاما علاقات مع الأميركيين، ومع موسكو عبر مرتزقة “مجموعة فاغنر”، لا بل إنهما تفاوضا مع موسكو حول مشروع روسي لبناء قاعدة بحرية في بور سودان. وكانت لهما بدايات علاقة تجارية مع الصين ومشروع بناء مرفأ على البحر الأحمر.
بمعنى آخر، إن كلاً من البرهان وحميدتي يقيمان علاقات مع القوى الخارجية بمعزل عن منطق الدولة. فالجيش الذي انقلب بمعية “قوات الدعم السريع” في عام 2021 على الثورة التي أطاحت عمر البشير، تصرف في مكان ما مثل “قوات الدعم السريع” لناحية تجميع موارد للتمويل من داخل الدولة وخارجها. كما أن سلوك المعسكرين السياسي اتصف دائماً بالاستعداد للوثوب على أي مشروع لنقل السلطة للمدنيين، وتعزيز منطق الدولة. ومن هنا الشكوك كبيرة في أن يعود أي منهما إلى “الاتفاق الإطاري”.
وإن أعلنا ذلك فإنهما يناوران. فقد انتهى مشوار المشروع السياسي المدني في البلد. كما انتهى مشروع تحصين السودان منعاً لهبوب رياح إقليمية ودولية عاتية عليه. ولنا أن نتوقع أن ترتفع وتيرة التدخلات من دول الجوار التي تعتبر ربما عن حق أن انهيار الاستقرار في السودان يهدد أمنها القومي في الصميم. فالكل متوثب، والكل خائف، وقد يتحول السودان بسرعة إلى “طريدة” وسط غليان هواجس الجوار، فضلاً عن بدء تموضع القوى الدولية الكبرى بمحاذاة الساحة المشتعلة اليوم.
إن أياماً عصيبة، للأسف، تنتظر السودان!
علي حماده- النهار العربي