فرنسا “تتنصّل” من فرنجيّة.. والثنائيّ يصرّ عليه: فهل “يصل إلى بعبدا”؟؟
عندما كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشّحاً للرئاسة عام 2015، تلقّى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فهم منه أنّه مباركة لترشّحه. وعاش فرنجية دقائق وليالي حلم الرئاسة، قبل أن يقلب “تفاهم معراب” المسيحي بين القوات اللبنانية والتيار العوني المعادلة ويوصل ميشال عون إلى قصر بعبدا.
عاشت الرئاسة الفرنسية في عهد رئيسها السابق لحظات صعبة، بعدما أرادت الظهور بمظهر راعي التسوية الرئاسية. ربّما استفاد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون من تجربة سلفه، فآثر تجنّب تجرّع الكأس المُرّة مجدّداً، فكان إعلان وزارة الخارجية الفرنسية أن ليس لدى فرنسا مرشّح لرئاسة الجمهورية.
انقسام فرنسيّ
تعدّدت قراءة الموقف الفرنسي، ففسّره كلّ طرف بما يتناسب وموقفه من فرنجيّة. قوى سياسية ترفض ترشيحه اعتبرت بيان وزارة الخارجية “تنصّلاً من المهمّة، كي لا تتحمّل مسؤولية الهزيمة في حال لم ترسُ الرئاسة على فرنجية في نهاية المطاف”، وكأنّ فرنسا “بدأت تتحضّر للتراجع في حال استنفادها المحاولة”.
تتحدّث مصادر مقرّبة من العاصمة الفرنسية عن “انقسام داخل الفريق الفرنسي حيال انتخاب الرئيس في لبنان بين رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية”، وتقول: “القرار في فرنسا منقسم بين فئتين:
– الأولى تؤيّد فرنجية وتربطها علاقة وثيقة برجال أعمال لبنانيين وممثّلي مصالح اقتصادية فرنسية في لبنان.
– الثانية يتقدّمها برنار إيميه وأعضاء في الخارجية تراعي واقع أنّ فرنجية ليس الخيار المقبول لدى غالبية اللبنانيين.
لا تريد فرنسا تذوّق طعم الهزيمة مجدّداً. وهي تدرك أن لا قرار أميركياً يزكّي وصول فرنجية، ولا موافقة سعودية عليه. لذا استدركت وحاولت تصحيح الانطباع الذي تكوّن عندها منذ استقبالها فرنجية، فقالت إنّه لا مرشّح لديها. ولا شكّ في أنّها تأثّرت بمناخ التريّث العربي حيال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مجدّداً.
سوريا والتلويح بقيصر
في المعلومات أنّ سوريا، بموجب اتفاق ضمني، لن تذهب إلى الجامعة العربية، بسبب انقسام في الرأي بين الدول العربية على عودتها. وهذا أعاد خلط الأوراق مجدّداً. فبسبب التلويح الأميركي بقانون قيصر تراجعت الكويت ومصر وقطر عن الموافقة على عودة سوريا، ووقف إلى جانبها الأردن والمغرب.
لكنّ الجميع يحتفظ بأوراقه، ومنهم حزب الله المصرّ على عدم التراجع عن خيار رئيس تيار المردة، لأنّ معادلة التسوية لم ترسُ على صيغة نهائية بعد. وتمضي المصادر السياسية قائلة: “إذا لم يكن للفرنسيّين مرشّح رئاسي، فلماذا تصدر فرنسا بياناً بهذا الشأن إلّا للتنصّل من خطواتها الأخيرة المتمثّلة في استقبالها فرنجية، ثمّ رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، فيما محاولاتها استقطاب آخرين لم تنجح بعد”.
ربّما أرادت أيضاً تجنّب إفشال اجتماع اللجنة الخماسية المقبل الذي سيُعقد في قطر وليس في فرنسا، أي على أراضي الدولة المتحمسة لخيار قائد الجيش العماد جوزف عون.
الثنائيّ يصرّ على فرنجيّة
لكنّ هذه القراءة لا تجد من يتبنّاها لدى الثنائي الشيعي الذي رأى أنّ الموقف الفرنسي ليس إلّا “كلاماً دبلوماسياً، بلا دلالة سياسية، وورد في سياق ردّ على سؤال”. لم يجد الثنائي أنّ التصريح يتضمّن أيّ إشارة سلبية تجاه فرنجية. ففرنسا سبق أن قالت إنّه ليس لديها مرشّح للرئاسة، ويمكنها بما هي دولة أن تتعاون مع أيّ مرشح. وهي اليوم، على الرغم من البيان، تزداد إيجابية بخصوص ترشيح فرنجية.
تمضي مصادر الثنائي قائلة: “لم يكن للفرنسيين مرشّح رئاسي في السابق. وبقي الموقف الفرنسي بعد البيان مطابقاً لما قبله. كلّ ما حصل أنّها قالت إنّ فرنجية المرشّح الجدّي الوحيد الذي يحظى بدعم كتل نيابية وازنة. لذا البيان لم يُحدث تحوّلاً ولا هو أتى بجديد. والوحيد الذي قال إنّ لديه مرشّحاً للرئاسة هو الثنائي الشيعي المصرّ على تأييد مرشّحه”.
هكذا يتعاطى الثنائي مع الموقف الفرنسي على أنّه موقف ورد في سياق طبيعي. ففرنسا كما أميركا والسعودية، كلّ هذه الدول “ليس لديها مرشّح للرئاسة”. و”لم يسبق أن قيل إنّ للفرنسيين مرشّحاً رئاسياً ليتمّ النفي. لكنّ الهدف من البيان تهدئة مَن لام فرنسا على استقطابها فرنجية والتعاطي معه مرشّحاً. يبقى أنّ ثمّة فرقاً شاسعاً بين دعم مرشّح رئاسي وبين تبنّيه”، تؤكّد مصادر الثنائي مضيفة أنّ فرنسا “ما تزال تعمل لجسّ النبض حول هذا الترشيح. وأرادت تهدئة روع المسيحيين الذين انتقدوها على تبنّي فرنجيّة رسمياً”.
فرنجيّة “وصل إلى بعبدا”؟
كذلك لا تقرأ القوى المسيحية الموقف الفرنسي الجديد باعتباره يعكس تحوّلاً حيال الملفّ الرئاسي: “فلو قالت فرنسا إنّها ترفض سليمان فرنجية لقضت على حظوظه الرئاسية، لكنّها قالت إنّه ليس لديها مرشّح. وهذا صحيح لأنّ فرنجية ليس مرشّحها، لكنّها تعمل لأجله”.
تكشف مصادر الثنائي أنّ البحث في تسوية فرنجية – سلام ما تزال قائمة. لكنّ الحديث عن رئيس الحكومة لن يسبق انتخاب الرئيس. ويحتاج هذا الأمر إلى توافق داخلي وتسوية إقليمية تسمح بانتخاب رئيس، قبل التوافق على رئيس الحكومة.
ذهبت مصادر مطّلعة على الموقف الفرنسي أبعد من هذا كلّه لتقول إنّ الاتصالات قطعت شوطاً بعيداً مع الفرنسيين، ونقلت عن مصدر فرنسي مسؤول قوله إنّ الاتفاق حصل ويجري تمهيد الأرضية لإعلانه، وإنّ الأمر يتّصل بتحسين الشروط. وتمضي المصادر قائلة إنّ السعودية ما تزال تتحدّث عن مواصفات ولم ترفض فرنجية. فالمهمّ بالنسبة إليها الحصول على ضمانات متعلّقة برئيس الحكومة وظروف عمله وممارسة صلاحياته، وأن لا تتمّ الإطاحة به ساعة يشاء الطرف الآخر، إضافة إلى نقاط جوهرية أخرى.
يتقاطع ما سبق مع تأكيد مصادر مطّلعة على موقف الحزب أنّ البحث مع الفرنسيين مستمرّ، وأنّ السعودية كما فرنسا تحاولان تقديم الأمر بشكل يتلاءم ومصالح الحلفاء في لبنان والتمهيد للخطوات المقبلة.
اساس ميديا