لا رئيس خارج إطار التسوية… ونتيجة ثمرة اتفاق سياسي واسع!
في وقت نشطت فيه الماكينات الاعلامية التابعة لمحور الممانعة في الترويج لقرب وصول مرشح “الثنائي الشيعي” رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، تظهر كل المواقف السياسية الداخلية والخارجية على السواء أن انتخاب رئيس للجمهورية أكان فرنجية أم أي مرشح آخر لا يمكن أن يتم إلا بعد إنجاز تسوية إقليمية شاملة.
وعلى هذا الأساس بدا رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بأنه خارج إطار التسوية لا يمكن إنتاج رئيس للبنان، وهو لا يزال على موقفه المعلن بعدم التصويت لأي “مرشح تحدٍ” مشدّداً في حديث إلى صحيفة “لوريان لوجور” على أن “الرئيس المستقبلي لن يكون مرشحاً يدعمه هذا المعسكر السياسي أو ذاك بل سيكون ثمرة اتفاق سياسي واسع”.
وكان لافتاً أن أكثرية المواقف الاعلامية التي صدرت خلال الفترة الماضية والتي شهدت تعطيلاً للصحف بسبب الأعياد، صبت جميعها في خانة واحدة وهي الترويج لقرب وصول فرنجية إلى الرئاسة وأنه “أكثر من أي وقت مضى” أقرب إلى بعبدا من أي مرشح آخر، أضف إلى ذلك المواقف التي أطلقها فرنجية نفسه عقب زيارته الصرح البطريركي في بكركي ولقائه البطريرك بشارة بطرس الراعي.
فقد حاول فرنجية على طريقته تقديم أوراق اعتماد كثيرة داخلياً إلى الفريق الداعم لترشيحه، وخارجياً إلى فرنسا التي لم يعد معروفاً ما إذا كانت على موقفها بتأييد وصوله إلى بعبدا على الرغم من كل المعوقات الداخلية والاقليمية، وإلى دول الخليج وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية، مذكراً بأنه كان قد أعلن أنه لن يقبل بانتخابه رئيساً إذا لم يكن حائزاً على رضى المملكة.
غير أن الكلام المباح شيء والمواقف الحقيقية شيء آخر، فالمملكة لم تغيّر موقفها الثابت منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ولن تدخل في لعبة الأسماء بل وضعت مواصفات ترى فيها أنها باب الخلاص بالنسبة الى لبنان من مشكلاته التي يعاني منها بسبب سيطرة “حزب الله” على قراره السياسي وابتعاده عن عمقه العربي الطبيعي، وأنها تترك الخيار للقوى السياسية اللبنانية في انتخاب الرئيس الذي ستتعامل معه على أساس البرنامج الذي سيضعه مع حكومته.
لكن الاتفاق التاريخي الذي رعته العاصمة الصينية بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران، فتح أبواب التسوية وحل الخلافات الاقليمية على مصراعيها، بدءاً من اليمن وإنهاء الحرب فيه ووضعه على سكة الحل السياسي الداخلي، مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان الذي ستصيبه رياح هذه التسوية عاجلاً أم آجلاً.
لكن القراءة الفرنسية للانتخابات الرئاسية في لبنان لا شك في أنها تبدّلت بعدما بات واضحاً بالنسبة اليها أن استمرار اندفاعتها في دعم وصول فرنجية دونه عقبات كثيرة أولها عدم تمكنها من إقناع المملكة العربية السعودية به، ثانيها وهي عقبة لا تقل أهمية، الرفض المسيحي والماروني تحديداً لهذا الخيار.
فبعد استدعاء فرنجية إلى باريس والزيارتين المعلنتين على الأقل لرئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل إليها، لم يكن مستغرباً أن تدلي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر بموقف بدا وكأنه تراجع عن التمسك بفرنجية كمرشح للرئاسة، فقد أكّدت أنّ باريس “ليس لديها أي مرشّح في لبنان لرئاسة الجمهورية، وعلى اللبنانيين اختيار قادتهم”.
وإذا كانت باريس قد شعرت بأنها غير قادرة على مجاراة “الثنائي الشيعي” في ترشيح فرنجية، فإن هذا الثنائي، وتحديداً “حزب الله” لا شك في أنه يعلم عدم قدرته على انتخاب مرشحه لأسباب عديدة ليس أقلها أنه لا يملك الأكثرية النيابية التي تمكنه من ذلك، ولأنه غير قادر على تحمّل عبء فرض رئيس للجمهورية على اللبنانيين على غرار ما فعله في العام 2016، وما جرّ ذلك عليهم وعلى لبنان من ويلات.
وإذا كان “حزب الله” قد سعى إلى الحصول على تأييد “حليفه” السابق رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لانتخاب فرنجية، فإن تدهور العلاقة بين “الحزب” و”التيار” وانهيار اتفاق “مار مخايل”، صعّب من هذه الامكانية كثيراً، لا بل جعلها أقرب إلى المستحيل.
وإذا كانت التسوية الاقليمية ستلفح لبنان عاجلاً أم آجلاً، فمن المؤكد أنها لن تستطيع فرض رئيس على الفرقاء اللبنانيين بل سيكون ذلك نتيجة حوار وتسوية تجعل من وصول اسم مرشح “وسطي” هي الأكثر ترجيحاً، لكن الطريق إلى هذه النتيجة لا يزال غير معبّد بالكامل.
رب متفائل بقرب انتخاب رئيس ذهب إلى حد تحديد موعده قبل القمة العربية التي تستضيفها الرياض في 19 أيار المقبل، ورب من هو أقل تفاؤلاً ورجّح أن يصار إلى انتخاب رئيس في شهر حزيران المقبل، لكن كل التقديرات تبقى من باب التمنيات وليست واقعية، وعلى أمل أن تلفح رياح التوافق الاقليمي لبنان بأسرع وقت ممكن، فإن لا رئيس من خارج إطار التسوية وعبثاً يبقى الفريق “السيادي” متمسكاً بمرشّحه، وعبثاً يبقى الفريق “الممانع” متمسكاً بمرشحه هو الآخر.
صلاح تقي الدين- لبنان الكبير