!العقوبات الأميركية تحاصر عشرات اللبنانيين
يعود تاريخ المواجهة المباشرة بين أميركا و”حزب الله” إلى 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1983، عقب تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت، حيث كان يقيم جنود أميركيون وفرنسيون من القوة متعددة الجنسيات في لبنان بمطار بيروت الدولي كجزء من مجهود دولي لحفظ السلام حينها، وقد أسفر الهجوم عن مقتل 241 عسكرياً أميركياً، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم قتل 58 جندياً فرنسياً في هجوم مماثل، ويعتقد أن “حزب الله” هو الذي نظم هذا الهجوم، وأنه كان يعمل ذلك بدعم وتمويل من إيران.
ولاحقاً، بدأت أميركا بملاحقة “حزب الله” حول العالم، بعد أن أدرجته وزارة الخارجية منظمة إرهابية أجنبية في أكتوبر 1997، ومنظمة إرهابية عالمية مصنفة تصنيفاً خاصاً عملاً بالأمر التنفيذي E.O. 13224 في أكتوبر 2001.
ومنذ سنوات ازدادت الضغوط الاقتصادية والمالية الأميركية على “حزب الله” ومؤسساته العسكرية والمدنية، واشتدت مفاعيلها عليه منذ عام 2015، إذ طاولت أولاً قياديين في الحزب، وتدرجت إلى مؤسسات وأشخاص قريبين من فلكه، وصولاً في 2019 إلى وضع اسم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وعضو الكتلة النائب أمين شري والقيادي في الحزب وفيق صفا على لائحة “أوفاك”.
وفي 2020 فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عقوبات على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، في إطار قانون “ماغنتسكي” العالمي للمساءلة في مجال حقوق الإنسان، وهو قانون يطبق للمرة الأولى في لبنان، على خلفية اتهامه بانتشار الفساد في البلاد.
يذكر أن العقوبات الأميركية طاولت أيضاً سياسيين لبنانيين يدورون ضمن فلك “حزب الله”، منهم وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس (مستشار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشح “حزب الله” وحركة أمل لرئاسة الجمهورية)، والنواب الحاليين غازي زعيتر وعلي حسن خليل.
أضخم لائحة
وأخيراً، ارتفعت وتيرة العقوبات على أفراد وشركات تدير وتساعد وتمول الجهاز المالي لـ”حزب الله”، لتطاول واحدة من أكبر اللوائح، حيث حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بالتنسيق مع الخزانة البريطانية، شبكة دولية واسعة لغسل الأموال والتهرب من العقوبات تضم 52 فرداً وكياناً في لبنان والإمارات وجنوب أفريقيا وأنغولا وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكونغو وبلجيكا والمملكة المتحدة وهونغ كونغ.
وبحسب الخزانة الأميركية، سهلت هذه الشبكة دفع وشحن وتسليم النقود والماس والأحجار الكريمة والفنون والسلع الفاخرة لصالح ممول “حزب الله” والإرهابي العالمي المصنف بشكل خاص ناظم سعيد أحمد، الذي تم إدراجه في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2019، لتوفيره الموارد والدعم للحزب. وكشفت تلك اللائحة عن الأنشطة المشبوهة التي يقوم بها “حزب الله”، عبر استخدام الفن والاتجار بالقطع الفنية والماس كغطاء لعمليات غسل أموال وتوفير التمويل اللازم، وهو ما دفع بريطانيا لفرض عقوبات على شخص يتاجر في القطع الفنية لصالح الحزب.
وفي تقرير له كشف كبير المراسلين في “الغارديان” البريطانية دانيل بوفي عن أن أميركا تعتبر ناظم أحمد الممول المالي الشخصي للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، وأنه يشتبه في قيامه بغسل أموال قذرة يمتلكها الحزب، عبر استخدام مجموعته الفنية، والتي تضمنت روائع “بابلو بيكاسو” و”أنتوني غورملي” و”آندي وارهول”، في أعمال غير مشروعة.
الأخوان رحمة
في مؤشر إلى تنوع الاستراتيجيات المتبعة من قبل الإدارة الأميركية والقادرة على تجاوز التمويه في تمويل الحزب، فاجأت الخزانة الأميركية الوسط اللبنانية بالإعلان عن فرض عقوبات على الأخوين ريمون وتيدي رحمة اللذين يعملان في قطاع الطاقة والنفط والطيران والاتصالات، متهمة الشقيقين والشركات الثلاث التي يملكانها بـ”ممارسات فاسدة تسهم في انهيار سيادة القانون في لبنان”. وأدرجت على العقوبات أيضاً، باستخدامهما ثروتيهما وسلطتيهما ونفوذيهما للانخراط في ممارسات فاسدة تسهم في انهيار سيادة القانون في لبنان، وتقويض العمليات الديمقراطية على حساب الشعب اللبناني.
ووفق متخصصين في القانون الدولي، فإن العقوبات التي طاولت الأخوين رحمة ستنفذ استناداً لقانون “ماغنتسكي”، مما يعكس تطور سلوك الخزانة الأميركية في فرض العقوبات على الفاسدين والذين يستفيدون من خلال فسادهم “حزب الله”، بعد أن كانت معظمها تستهدف حصراً الحزب بتهم تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات التي كانت تضعها الولايات المتحدة في إطار تهديدها لسلامة الشعب الأميركي.
“ملك الكبتاغون”
وفي مارس (آذار) طاولت العقوبات حسن دقو الملقب بـ”ملك الكبتاغون”، وضمت تاجر المخدرات الشهير نوح زعيتر، إضافة إلى أربعة سوريين مقربين من الرئيس السوري بشار الأسد. وجاءت العقوبات على خلفية دعم هؤلاء للأسد وضلوعهم بتجارة الكبتاغون. وذكرت الوزارة أن دقو وزعيتر متهمان بصلاتهما بـ”حزب الله”.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن مكتب مراقبة الأصول حدد الأفراد الرئيسين الداعمين للنظام السوري بإنتاج وتصدير الكبتاغون. وأضاف أن التقديرات تشير إلى أن حجم تجارة الكبتاغون التي يديرها نظام الأسد هي بمليارات الدولارات، مشيراً إلى أن العقوبات ستنفذ تحت قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين. وذكرت أن قائمة العقوبات من شأنها أن تسلط الضوء على “الدور المهم لمهربي المخدرات اللبنانيين الذين تربطهم علاقات وطيدة بـ(حزب الله) في تسهيل تصدير الكبتاغون”. في المقابل رفض نوح زعيتر ما اعتبره مزاعم أميركية، معتبراً أن تلك العقوبات هي تطاول أميركي جديد على السيادة اللبنانية.
مقلد وولداه
استكمالاً للتصنيفات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية ضد أفراد وشركات تدير وتساعد الجهاز المالي لـ”حزب الله”، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية في 4 يناير (كانون الثاني) 2022، عقوبات على الصراف والخبير المالي اللبناني حسن مقلد، وشركته CTEX للصرافة، لأنه “يسهل الأنشطة المالية لـ(حزب الله)، ويلعب دوراً رئيساً في تمكين الحزب من الاستمرار في استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتفاقمها”.
وأشارت وزارة الخزانة إلى أن مقلد “عمل بالتنسيق الوثيق مع كبار المسؤولين الماليين في (حزب الله) للمساعدة على ترسيخ وجود الحزب في النظام المالي اللبناني”. ورأت أنه “يعمل مستشاراً مالياً للحزب وينفذ صفقات تجارية نيابة عن مجموعته المالية في جميع أنحاء المنطقة. وتضم المجموعة المالية للحزب مؤسسة القرض الحسن والوحدة المالية المركزية للحزب”.
وأبعد من ذلك، وجدت الوزارة أن مقلد الذي وصفته بـ”مفتاح صرافة (حزب الله)”، على صلة مع “المسؤول المالي الكبير في الحزب محمد قصير، وهو خاضع للعقوبات”. واعتبرت تلك العقوبات رسالة مزدوجة، الأولى شكلت ضربة مالية كبيرة لـ”ـحزب الله”، والثانية ضربة معنوية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عبر الإشارة في بيان الخزانة الأميركية بأنه أعطى ترخيصاً رسمياً لتلك المؤسسة المالية.
ويوضح المتخصصون في القانون أن تطبيق العقوبات على مقلد وشركته سيكون مزيجاً من قوانين الإرهاب الأميركية، وقانون “ماغنتسكي” المتعلق بالفساد باعتبار أن نشاطه، وفق اتهامات الخزانة الأميركية، لديه بعد مرتبط بأموال عامة والمساهمة في بتقويض الاقتصاد اللبناني.
عام حافل
كذلك كان عام 2022 حافلاً بإدراج عشرات الأفراد والكيانات المرتبطين بـ”حزب الله”، ومنهم عادل محمد منصور، الذي أدرجته الخزانة الأميركية في ديسمبر على قائمة العقوبات، لاتهامه بأنه يقود مؤسسة شبه مالية يديرها “حزب الله”، كذلك حسن خليل، الذي عمل على شراء أسلحة لصالح الحزب، وناصر حسن الذي عمل مع جهة قدمت خدمات مالية للجماعة، بحسب ما ذكرته وزارة الخزانة.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه أدرجت شخصيات مرتبطة بـ”حزب الله” و”فيلق القدس”، وهم: محمد الزين وفيكتور أرتيموف وادمان نافريه وروزبيه زهادي. وقالت الخزانة الأميركية إن تلك العقوبات فرضت بموجب لوائح عقابية تهدف إلى مكافحة الإرهاب العالمي، تستهدف أيضاً عدداً من السفن.
وفي مايو (أيار) شملت العقوبات الأميركية رجل الأعمال اللبناني أحمد جلال رضا عبدالله الوسيط المالي للحزب، وخمسة من المتصلين به هم: علي رضا عبدالله وحسين أحمد جلال عبدالله وحسين رضا عبدالله وحسين كامل عطية وجوزيف إيليا هيدموس، وثمانية من شركاته في لبنان والعراق شملتها العقوبات بإدراجها في قائمة مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية التابع لها. ومن بين المؤسسات المشمولة بالعقوبات: شركة “فوكوس ميديا” للدعاية والإعلان، و”يونايتد جنرال كونتراكتينغ” للمقاولات، و”منتجات المختار”، و”يونايتد للمعارض الدولية”.
تفعيل الخزانة
وتعليقاً على استمرار الخزانة الأميركية باستراتيجيتها لتجفيف منابع “حزب الله” المالية، أشار النائب في كتلة الحزب النيابية حسين جشي إلى أن الأميركيين يقومون بردود فعل وينتقمون عبر العقوبات بسبب تراجع في نفوذهم، وذلك للحفاظ على معنوياتهم، معتبراً أن “انعكاس العقوبات على الحزب سخيف”، وأن من تطاولهم العقوبات هم شخصيات لا علاقة لهم بالحزب، لكنهم محسوبون على البيئة الشيعية، وذلك من بوابة الضغط والترهيب. وفي رأيه أن أميركا تخوض حرباً ضد الحزب بهدف السيطرة على ثروات المنطقة، ولم يستبعد اتساع رقعة العقوبات، مستنداً على تفعيل دور الخزانة الأميركية ورفع عدد موظفيها من 500 إلى نحو 5 آلاف.
نطاق التنفيذ
من ناحيته، أوضح عميد العلاقات الدولية بالجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ بول مرقص أن الأشخاص الذين يستهدفهم القانون الأميركي للعقوبات هم من قاموا بأعمال تؤدي إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية في لبنان، والمساهمة في انهيار سيادة القانون، ودعم إعادة تأكيد السيطرة السورية أو المساهمة بطريقة أخرى في التدخل السوري في لبنان، أو التعدي على السيادة اللبنانية أو تقويضها، وذلك من ساعدوا مادياً أو رعوا أو قدموا دعماً مادياً أو تقنياً أو سلعاً أو خدمات تدعم مثل هذه الإجراءات، بما في ذلك أعمال العنف، لأي شخص تم حظر ممتلكاته ومصالحه. وأضاف أنه سيتعذر على المدرجة أسماؤهم الاحتفاظ بحسابات مصرفية في لبنان أو الخارج بالدولار الأميركي، أو إجراء أو تلقي تحويلات عبر المصارف الدولية المراسلة، كما أن هذه الصعوبات تنسحب على أقربائهم المباشرين ومن هم في دائرة أعمالهم، وكذلك قد يواجه المدرجون صعوبات في السفر إلى عدد من البلدان.