«محور الممانعة» يُراقب قدرة واشنطن على الـــ«خربطة»!!
يقول منظرو «محور إيران» إن المحور لم يتّخذ بعد قراراً بإخراج القوات الأمريكية من سوريا، بل على العكس، هو يُريد أن يبقى الجنود الأمريكيون، وعددهم بضع مئات، رهائنَ في يد أذرع إيران وتحت تهديدها اليوميّ. ويُبدي هؤلاء ثقتهم بتيقّن البنتاغون التام من أن قواعده في الشرق السوري ساقطة عسكرياً حين تحين الساعة، لكن حصول ذلك يعني عملياً الدخول في الحرب الإقليمية التي ستتعدد جبهاتها. وينظرون إلى مجيء رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي قبل أسابيع إلى منطقة الجزيرة على أنه رسالة لـ«المحور» بأن أمريكا ما زالت تنظر إلى سوريا كساحتَي صراع وحرب، وأن أحداً لا يستطيع تالياً إنهاء الحرب هناك خارج الإرادة الأمريكية.
في الأساس، يضع «المحور» تحت المجهر ردّ الفعل الأمريكي على الانفراجات التي تشهدها العلاقات الإيرانية – العربية على وقع الاتفاق الإيراني – السعودي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بضمانة الصين، والتي كانت انقطعت إثر الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد احتجاجاً على إعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر المعارض للعائلة الحاكمة بتهم مِن بينها الإرهاب. الاقتناع السائد لدى «المحور» أن لدى واشنطن القدرة على «خربطة» مسار الانفتاح العربي الجاري في المنطقة على إيران وسوريا، رغم علامات التراجع. وهو المسار الذي يسير بوتيرة متسارعة مستفيداً، أولاً، من زخم الاتفاق الإيراني – السعودي، ومتكئاً، ثانياً، على انتهاج المملكة سياسة «تصفير المشاكل» إنجاحًا لرؤية 2030 التي يقودها ولي عهدها محمد بن سلمان، لجعل الشرق الأوسط «أوروبا الجديدة» ومُعوِّلاً، ثالثاً، على التموضع خارج الاصطفاف الدولي الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وصعود الصين في لعبة التوازنات التي ستتبلور معها معالم النظام العالمي الجديد ومدى خروجه من عباءة القطبية الأحادية إلى قطبية متعددة الاتجاهات.
وما يزيد من سلوك درب الانفتاح العربي أن المملكة، التي ستنعقد القمة العربية في رحابها في 19 أيار/مايو من الشهر المقبل، تسبر أغوار مرحلة ما بعد القمة، على مستوى الدور الذي ستلعبه في ترتيب «البيت العربي» حيث لم تُفلح الاتصالات الخليجية – العربية في خلق توافق عربي على عودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية نتيجة تمسُّك بعض الدول ولاسيما قطر، والكويت، والمغرب، بالموقف الرافض لتلك العودة من دون موافقة نظام بشار الأسد على «خريطة طريق» واضحة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية.
زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق ولقاؤه رئيس النظام، لم تخرجْ بنتائج إضافية عن زيارة فيصل المقداد إلى جدة سوى تأكيد عزم الرياض على السير في تطبيع العلاقات مع سوريا. تتحدث معلومات على مقربة من دمشق أن في الأفق دعوة للأسد لزيارة السعودية من دون تحديد ما إذا كانت قبل أو بعد انعقاد القمة التي لن يكون في عدادها من حيث المبدأ. ومن غير المتوقّع أن يُفضي الاجتماع المرتقب في عَمّان لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، والأردن، ومصر، والعراق، والجزائر، إلى اختراق في هذا الموضوع.
كان لافتاً صدور بيانين مختلفين عن لقاء الأسد – بن فرحان. البيان السعودي أعاد تكرار نفس المحتوى والمفردات التي وردت في البيان المشترك لبن فرحان – المقداد، وبيان الخارجية السعودية عقب الاجتماع الخليجي – العربي في جدة عن أنّ الحل السياسي يُحافظ على وحدة سوريا، وأهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى الجميع، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، فيما جاء بيان الرئاسة السورية ليتحدث عن «السياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية» و«أن التغيّرات التي يشهدها العالم تجعل من التعاون العربي أكثر ضرورة في هذه المرحلة» عاكساً «تمترُس النظام» في مكانه، ومُعرِّجاً بشقّ النفس على مسألة «تهيئة البيئة لعودة اللاجئين والمهجّرين».
يؤكد أكثر من مصدر بأن الحركة السعودية، وقبلها الإماراتية، باتجاه سوريا، لم تتمّ بمعزل عن «رضا أمريكي ما» لكن لواشنطن مطلباً بأن يكون للانفتاح السعودي – الإماراتي ثمن سياسي يدفعه الأسد في إطار التسوية المنتظرَة. وفيما يقول البعض إن انزعاج واشنطن يُعبِّر عن مناخات عدم مراعاة فعلية لمطلبها، فإن على مقلب الرياض مَن يقول إن الانفتاح سيكون مدروساً، وتدريجياً، وخطوة بخطوة، وسيأخذ وقته، وإن إعادة الإعمار وبناء البنى التحتية، بما يعني نهاية الحرب، لا يمكنها أن تكون من دون رفع العقوبات الأمريكية.
ما هو ملموس، على مستوى الملفات، أن التنسيق الأمني يسيرُ بخطى ثابتة، ولا سيما في ما خص «الداتا الأمنية» وملف الإرهاب المتعلّق بالتنظيمات المتشددة وتجارة المخدرات. ويقول عارفون بوضع دمشق أن ورقة «الكبتاغون» أضحت محروقة بالنسبة للنظام الذي كان جزءاً من صناعتها، وبات من الأفضل له «بيعها» قبل تلاشي فائدتها كلياً، إذ إن مفاعيل تلك التجارة تراجعتْ بعدما انخرطتْ دولٌ عدة في التصدي لـ«حرب المخدرات» ومنها الأردن المعبر البريّ، ولبنان المعبر البحريّ، وستصبح المسألة أكثر تعقيداً بعد انتهاء مهلة الأشهر الستة في النصف الأخير من أيار/مايو التي حدّدها الكونغرس للإدارة الأمريكية لوضع الاستراتيجية والآليات التنفيذية لـ«قانون الكبتاغون» الذي وقّعه الرئيس الأمريكي في شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 بهدف تعطيل «تجارة الكبتاغون» وشبكات المخدرات وتفكيكها، وهو القانون الذي اعتبر أن إتجار الحكومة السورية بـ«الكبتاغون» هو تهديد أمني عابر للحدود الوطنية للحكومة الأمريكية.
وما يحصل بين النظام السوري والعرب يتم بمتابعة إيرانية. يحضر الحديث هنا عن تنسيق إيراني – سوري يوميّ، وعن تنسيق بين الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله والأسد بما يخدم الأجندة السورية – الإيرانية حيث بدأ يظهر في خطابات قادة «الحزب» من أمينه العام إلى نائبه نعيم قاسم، ابتعادٌ في اللغة عن مصطلحات التشنج والصدام مع الدول العربية، ولا سيما السعودية، فيما يمضي مسار التطبيع الإيراني – السعودي نحو ما هو مرسوم له في الاتفاق، حيث فتح السفارات رهن الانتهاء من الترتيبات اللوجستية، بينما سيعاود وزيرا خارجية البلدين الاجتماع لترتيب زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى المملكة، وستعقبها لاحقاً زيارة للملك سلمان بن عبد العزيز إلى إيران، وذلك في معرض التأكيد على توسيع أطر التعاون ونقل العلاقة إلى المستويات الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية.
رلى موفق- القدس العربي