هل أصبح فرنجية على بعد خطوة من قصر بعبدا؟

فرنجية على بعد خطوة من بعبدا

طوال الحقبة الماضية، ورغم ان سليمان فرنجية كان يجاهر ويعمل من خلال موقعه السياسي مع خط الممانعة، ورغم علاقته المميزة مع الرئيس السوري بشار الاسد، ورغم ان الاميركيين فرضوا على النظام السوري، وقبله على النظام الايراني، مجموعة واسعة من العقوبات، رغم كل ذلك، لم تنقطع يوما الزيارات الدورية التي كان يقوم بها سفراء الولايات المتحدة الاميركية الى بنشعي. هذه الزيارات، والتي لم تكن تحظى بمثلها شخصيات كثيرة متحالفة مع محور الممانعة، لها مدلولاتها، ولا يمكن القفز فوقها، وكأنها غير قابلة للترجمة في السياسة. وهي أثارت، ولا تزال، تساؤلات خصوم فرنجية الذين كانوا مندهشين كيف تكون بنشعي مربط خيل السفراء الاميركيين، في حين أن واشنطن تصنّف قوى الممانعة والشخصيات المتعاونة معها، كخصوم.

‎هذا الواقع، هو واحد من عدة نماذج مماثلة تشير كلها الى ان فرنجية، نجح، ورغم تمسكه العلني والواضح بخطه السياسي الاستراتيجي، في احتلال موقع متمايز، سمح له بأن يبقى على تواصل مع قوى وأطراف، قد لا يتفق معها في السياسة بمفهومها الواسع.

‎هذا التمايز هو ما يفسّر اندفاع فرنجية اليوم في السباق الرئاسي، ونجاحه في الاقتراب من قصر بعبدا، متجاوزاً عقدة الانتماء الى طرف، وطارحاً نفسه كرئيس قادر على محاورة الجميع، والتواصل مع كل القوى المتناحرة في الداخل والخارج.

‎هذا الكلام لا يعني أن جميع القوى اللبنانية موافقة على وصول زعيم تيار المردة إلى بعبدا، سيما منها الأحزاب المسيحية، والمتمثلة في حزب القوات اللبنانية، حزب التيار الوطني الحر وحزب الكتائب.

‎لكن، ورغم هذه المعارضة المسيحية الوازنة لفرنجية، إلا أن حسابات كل طرف من هذه الاطراف المعارضة، تختلف عن حسابات ومصالح الطرف الآخر. اذ ان نظرة القوات الى هذا الموضوع، تنطلق من اعتبارين اساسيين:

‎اولا- حسابات لها علاقة بالزعامة الشمالية، واحتمالات انعكاس وصول فرنجية الى بعبدا على الواقع الشعبي على الارض، حيث تعتبر القوات أن منطقة الشمال حيوية بالنسبة لها، واحتمال تقدّم فرنجية عليها بعد الرئاسة يقلقها.
‎ثانيا- التماهي مع الموقف السعودي الرافض حتى الآن لوصول فرنجية. والعلاقة التي تربط القوات مع الرياض متشعبة وتفرض مثل هذا التماهي.

‎اما بالنسبة الى التيار الوطني الحر، فان الموضوع يرتبط بشكل رئيسي بالمنافسة. اذ ليس سراً القول ان رئيس التيار جبران باسيل يعتبر نفسه انه صاحب الحق في وراثة عمه الرئيس ميشال عون. واذا تعذّر ذلك، فان باسيل يفضّل بطبيعة الحال ايصال رئيس محايد، يستطيع ان «يمون» عليه في العهد المقبل. كما أن الخلاف الشخصي يدفع باسيل إلى نزعة الانتقام، ومحاولة منع وصول فرنجية إلى الموقع الأول في الدولة.
‎أما حسابات حزب الكتائب فتختلف بعض الشيء، وهي ترتكز على حسابات رئيسه سامي الجميل، الذي يسعى إلى تزعّم حركة المعارضة، آملا أن ينجح في توسيع دائرة شعبية الحزب العريق، الذي أصيب بنكسات شعبية بسبب انحسار تمثيله النيابي، وعدم قدرته على تكوين كتلة نيابية توازي في حجمها كتلتي القوات والتيار الوطني الحر. وبالتالي، رأى في موقف المعارضة، الاستراتيجية الافضل التي تعوّض للحزب ثغرة التمثيل الشعبي المتواضع.

‎في كل الاحوال، ما قاله فرنجية في زيارته الاخيرة لبكركي كان لافتا، لجهة تأكيده انه إذا وصل إلى بعبدا سيدعو إلى مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، وفي ذلك اشارة واضحة إلى انه لن يتصرف كرئيسٍ طرف، وانه متفق مع حزب الله على خطوط عريضة، للوصول الى تفاهمات قد يرغب بها اللبنانيون، ولم ينجح سلفه ميشال عون في تحقيقها. ويبدو ان الحزب مستعد ان يمنح فرنجية ما لم يوافق على منحه لعون. وما كان الحزب يرفضه في السابق، قد يوافق عليه مع وجود فرنجية في قصر بعبدا. هذه الليونة مرتبطة بعلاقة الثقة التي بناها فرنجية، وبالظروف التي قد تكون تغيرت بعض الشيء بعد الاتفاق السعودي الايراني.

في النتيجة، يبدو أن وصول فرنجية الى الرئاسة، بات يرتبط بإحداث خرق بسيط في جدار الرفض المسيحي القائم. وهذا الخرق، قد يتحقق في اية لحظة سواء من خلال تغيير الموقف السعودي، وهذا الامر وارد اليوم اكثر من السابق، أو من خلال تبديل موقف جبران باسيل، باتفاق قد يطمئن الاخير الى وضعه ووضع تياره في العهد المقبل. ولحظة نجاح أي خرق مماثل، سيصبح وصول فرنجية الى قصر بعبدا تحصيلاً حاصلاً.

صحيفة السهم

مقالات ذات صلة