طقوس عيد الفطر: «حناء اليدين» والقهوة المرّة والعيدية !!

أوشك شهر رمضان على نهايته، وبعد ساعات قليلة يحتفي اللبــنانيون بعيد الفــطر السعيد وذلك بعد ثبوت رؤية هلال الأول من شهر شوال للتقويم الهجري، ولا تعد طقوس الاحتفالات وما يرتبط بها من العادات والتقاليد بالأمر المستحدث. وقد عرفت في العصر العباسي وتمدّدت واتسعت في زمن الخلافة الفاطمية.

بالموازاة، انتشر في دولة العباسيين والفاطميين عادة توزيع الحلوى وكانت تعرف وقتذاك بـ «الفطرة» نسبة الى عيد الفطر والتي بقيت قائمة حتى أيامنا هذه، وباتت تُدفع على شكل أموال او طعام، بحيث يقوم كل رب عائلة بإخراجها كصدقة عنه وعن أفراد عائلته واليوم باتت تقدر بمبلغ معين تحدده دار الفتوى او بحسب المراجع الدينية لكل طائفة.

وتتردد عبارات خاصة في هذا اليوم منها: «عيدكم مبارك» او «عساكم من عواده» او «عيد سعيد» و «يِنْعاد عليكم».

بالتوازي، تقوم العائلات بمظاهر احتفالية تختلف ما بين منطقة وأخرى تبدأ برسم الحناء على اليدين للأطفال، شراء الملابس والاحذية الجديدة، تحضير كعك العيد والمعمول المحشو بالفستق الحلبي والتمر، الى جانب صينية مزركشة يتم صف أنواع من الشوكولا عليها وتكون مخصصة للزائرين المهنئين بالعيد الى جانب حفلة التنظيف التي تقودها الأمهات في هذا اليوم الجلل الى جانب المفرقعات ليلة العيد التي تضيء سماء لبنان بأكمله تعبيرا عن السعادة.

من جيل الى جيل

في ســياق متصل، هذه العادات والتقاليد ما زالت تنتقل من جيل الى آخر ولكنها أضــحت مقتصرة ومقيّدة وفقدت الشغف الذي كان يتمتع به اجدادنا لأسباب مختلفة قد يكون أحدها الإدمان على الأجهزة الالكترونية ونمط الحياة الصاخب والسريع في مجــتمعاتنا وحياتنا اليومية، هذه الحالة انتقلت من المدن الى القرى والمناطق التي كان يُعتقد انها ستظل متمسكة بتلك المظاهر الموروثة أبا عن جد باتت في طريقها نحو الاندثار.

ثم أتت جائحة كورونا التي فرضت حذرا على التجمعات داخل البيوت وخارجها، وتلاها تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي سرقت الفرحة من الكبار والصغار واجّجت الحرمان وزرعت الخذلان على أبواب الكثير من العائلات ورسمت حزنا واسع المدى على وجوه الصغار الذين لا يعرفون سبيلا لترجمة ما يشعرون به سوى القبول بالأمر الواقع.

التنظيف والتعزيل

الحاجة آمنة ع. وهي ام وجدة من منطقة البقاع اخبرت «الديار»، «قبل أيام من العيد نلتمس الفرح على وجوه الناس، وكانت والدتي تقوم بأعمال التنظيف و«التعزيل» وغسل الشراشف والسجاد والستائر والفرش وإزالة «الغبرة» عن كل زوايا المنزل استعدادا لاستقبال الزوار، وهذه العادة ظلت مــستمرة لدى العديد من ربات المنازل. ويزورنا الجيران والاصحاب والاقارب ونتواعد بالمجيء كل يوم الى بيت حيث تقدّم الحلويات والاطايب التي حضرتها النسوة بحب كبير».

الكعك

شرحت الحاجة آمنة، «عن مرحلة تحضير الحلويات الشعبية قبل العيد بعدة أيام، حيث تشارك في هذه العملية العائلة الكبيرة لتكون جاهزة في صبحية عيد الفطر. وقالت: «يتأهب الجيران للمساعدة فيحضرون لصنع الكعك بشكل جماعي، على ان نقوم نحن بذلك فيما بعد. وقديما لم تكن الافران تخبز الكعك كما هي الحال عليه اليوم، فكنا «نَرُق الكعك» بأشكال واحجام مختلفة ونستعير صواني كبيرة نصفها فيها بطريقة منظمة قبل ان يأتي الشباب لأخذها وخبزها في فرن الضيعة».

بالإشــارة، «الى ان الكعك يرتبط بمظاهر الفرح واعتقد ان هذا ما يميز الشعب اللبناني الذي يحب الحياة والاحتفال والسعادة والسرور، كما ان طقوس العيد عندنا تختلف عن بقية البلدان الأخرى. وأشارت، «هذا العام الأمور كانت قاسية لان أسعار المكونات مرتفعة جدا ولم احضر سوى 10 كيلو من كعك العيد بسبب التكلفة التي تخطت الملايين ووزعتها بالتساوي على اولادي».

الحناء

من طقوس العيد عادة رسم الحناء على يدين الأولاد وحتى النساء والفتيات وفي هذا الإطار أوضحت الحاجة آمنة، « ان هذه العادة قديمة جدا وتكون غالبا قبل ليلة العيد مباشرة، واليوم تم استبدالها برسومات «التاتو» الجاهزة وترمز الى الاحتفال والفرح، والبعض يستخدمها في الاعراس وتبقى لفترة 10 أيام تقريبا ومن ثم تختفي».

الملابس الجديدة

بيّنت الحاجة آمنة، «ان شراء الملابس الجديدة للأطفال عادة لا يمكن الاستغناء او التخلّي عنها لان المظهر الجديد جزء لا يتجزأ من فرحة العيد، كما ان الطفل يفرح وينتظر بشغف لارتدائها والخروج بها الى الشوارع للالتقاء بأصحابه».

العيدية

تطرقت الى هذا الجانب بالقول، «يذهب الأولاد الى جدهم وجدتهــم فيقبّلون أيديهما ويحصلون على العيدية التي ينتظرونها بفارغ الصبر ومن ثم يتنقلون من الكبير في العائلة وصولا للأصغر سنا». وألمحت، «العيدية هذا العام ستكون مقتصرة على الأطفال بسبب الأوضاع الاقتصادية والازمة المعيشية التي أخذت بطوفانها هذه العادة وحفرت اوجاعا في قلوب العائلات المتعففة او تلك التي تعاني من وضع مادي عسير».

وكشفت لـ «الديار»، «عن عائلات لم تستطع شراء ملابس جديدة لأطفالها حتى من محلات «الباليه» بسبب عدم قدرتهم على ذلك».

العيد

بداية، «يذهب الاهل الى المقابر «الجبانة» لزيارة قبور الأقارب من الاسرة والعائلة، الوالدين او الأجداد وتوزع الحلوى وتُقرأ بعض آيات القرآن، وإخراج ما تيسر من الأموال كصدقة عن ارواحهم. وبعدها يعودون الى منازلهم ليجتمعوا على المائدة التي تحضر بعناية زائدة في هذا اليوم وتضم ما لذ وطاب من المأكولات المجهزة يدويا مثل مناسف «الاوزي» وهي اكلة تطبخ في المناسبات كناية عن ارز ولحم وتزين بالقلوبات واللوز والصنوبر وقطع من اللحم، والبعض يفضل الفطور التقليدي المكوّن من الالبان والاجبان والفول المدمس الخ… وهذا ما يمنح الإفطار الصباحي في العيد وقعا مميزا حيث يجتمع افراد العائلة لأول مرة منذ شهر».

اما في طرابلس فالسيدة ام محمد أخبرت «الديار»، «انها تحضر ورق العنب كطبق مميز صبيحة يوم عيد الفطر الى جانب أنواع أخرى من المحاشي كالفلفل الأخضر، البصل، البطاطا، الكوسا، والباذنجان وتدعو اصهرها وأولادها جميعا الى جانب الاحفاد ليتحلقوا حول المائدة التي تحتــوي اطايب حرموا منها في هذا الــشهر. الى جانب معمول العيد الذي احــضره في المنزل، وغمزت الى ارتفاع تكلفة صنعه بسبب غلاء الأدوات. وهذا الامر دفعني الى الاقتصاد هذا العام في المقادير حتى لا أحرم أولادي منها».

القهوة المرّة

تعتبر القهوة المرّة عاملا مشتركا في كل المناطق وعنصر رئيسي في الافراح وحتى الاطراح الا ان المميز في تحضير القهوة في عيد الفطر انها تجهّز يدويا وتغلى في قدر واسع على نار هادئة بإضافة كميات من الهال والزعفران والقرنفل والبعض يثقّلها ببودرة النسكافيه وتقدم مع معمول وكعك العيد او الى جانب التمر.

وقالت الحاجة آمنة، «اعدّها بشكل مختلف في هذا اليوم الذي يعتبر مهما لنا والقهوة أساسية لأنها تضفي على المجتمعين الالفة والمشاركة في الأحاديث ما يولد جوّا عائليا بامتياز».

ندى عبد الرزاق- الديار

مقالات ذات صلة