اضطرابات في سوق الوظائف: استعدوا لفقدان 300 مليون وظيفة!

في الوقت الذي يحذّر فيه خبراء ودراسات من إمكانية خروج ثورة الذكاء الاصطناعي عن سيطرة الإنسان، تتسابق الشركات في تطوير برمجيات قادرة على أتمتة المهام التي يقوم بها البشر، غير عابئة بالأرقام التي تشير إلى فقدان العالم 300 مليون وظيفة في المستقبل القريب.

في الوقت الحالي، تزعزع أدوات الذكاء الاصطناعي مثل روبوت الدردشة “شات جي.بي.تي” عرش قطاع التكنولوجيا. فللمرة الأولى يواجه تفوق غوغل في عمليات البحث على شبكة الإنترنت تحديا خطيرا من جانب برنامج الذكاء الاصطناعي الجديد. ولكن ليس سيليكون فالي هو الوحيد الذي يشعر بهذا الزلزال التكنولوجي.

فالذكاء الاصطناعي سيغير بصورة جذرية العمل اليومي للكثيرين خارج مراكز التكنولوجيا في كاليفورنيا. وهذا نتيجة دراستين تتناولان تداعيات ثورة الذكاء الاصطناعي على عالم العمل.

وجاءت الدراسة الأولى من مبتكري شات جي.بي.تي أنفسهم، حيث اجتمع الباحثون من شركة “أوبن أي.آي” الناشئة مع علماء من جامعة بنسلفانيا لمعرفة الوظائف الأكثر تضررا من روبوت المحادثة شات جي.بي.تي.

ووفقا للدراسة، فإن المحاسبين كانوا ضمن المهن الأكثر تضررا من إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. حيث أنه يمكن القيام بما لا يقل عن نصف مهام المحاسبة بصورة أسرع باستخدام هذه التكنولوجيا.

وعلى الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ما زالت في الوقت الحالي “تهلوس” بحقائق غير صحيحة في إجابتها، فإنها تحقق بالفعل نتائج ملحوظة في مهام مثل الترجمة، والتصنيف، والكتابة الإبداعية وتوليد الأكواد.

ويفترض الباحثون من شركة “أوبن أي.آي” وجامعة بنسلفانيا أن معظم أماكن العمل سوف تتغير بصورة ما من خلال نماذج لغة الذكاء الاصطناعي. وهناك نحو 80 في المئة من العاملين في الولايات المتحدة يعملون في وظائف يمكن القيام بمهمة واحدة منها على الأقل بشكل أسرع من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع ذلك هناك أيضا مهن لن يقوم فيها الذكاء الاصطناعي سوى بدور ثانوي وهي تشمل الطهي، وتصليح السيارات والوظائف المتعلقة بإنتاج النفط والغاز، وأيضا الحراجة والزراعة.

وفي دراسة، قامت إدارة أبحاث في بنك غولدمان ساكس الاستثماري بتحليل ما قد يعنيه هذا التطور بالنسبة إلى سوق العمل بصورة ملموسة. وخلصت إلى أنه إذا نجح الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحقيق قدراته الموعودة، فإنه يمكن أن يؤدي هذا إلى “اضطرابات كبيرة في سوق الوظائف”.

ومن المفهوم أن “الذكاء الاصطناعي التوليدي” يعني أن برامج الكمبيوتر يمكن أن تولد أفكارا أو محتوى أو حلولا جديدة بدلا من العمل فقط وفقا لقواعد أو معلومات محددة مسبقا.

ويقدر بنك غولدمان ساكس أن نحو ثلثي الوظائف الحالية سوف تتعرض لمستوى معين من أتمتة الذكاء الاصطناعي. ويمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي التوليدي محل ربع العمل الحالي. وقال البنك “إذا تم تطبيق تقديراتنا في أنحاء العالم، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يعرض ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل إلى الأتمتة”.

ويرى هينرش شوتز مدير مركز معالجة المعلومات واللغة في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ، أن تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي ثورة يمكن مقارنتها تكنولوجيا بالإنترنت أو الهواتف الذكية. مع ذلك، ما زال أمام أنظمة الذكاء الاصطناعي طريق طويل للتوصل إلى فهم حقيقي لمحتوى الموضوعات “فالتكنولوجيا الأساسية لأنماط اللغة هي ببساطة التوقع الدائم للكلمة التالية، بلا تفكير، دائما توقع الكلمة التالية”. مع ذلك، فإن التداعيات كبيرة للغاية بالفعل “فسوف تكون هناك تغيرات كبيرة في كيفية الكتابة وكيفية البرمجة وسوف يكون لهذا أيضا تداعيات كبيرة على الأعمال اليومية. وسوف تختفي الكثير من الوظائف التي تتضمن جمع المعرفة وتكثيفها وكتابة الملخصات”.

مع ذلك، حذر شوتز من منح الذكاء الاصطناعي نطاقا كبيرا للغاية عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار، على سبيل المثال في مجالات القضاء أو الطب أو المشورة الضريبية أو إدارة الأصول. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي ينتج الكثير من البيانات التي تبدو مقنعة، حتى إذا كانت الحقائق غير صحيحة غالبا، مضيفا “يعتقد الناس أنه لا بد أن تكون البيانات صحيحة طالما كان النموذج مؤكدا تماما. ولكن في الحقيقة، نموذج اللغة لا يستطيع تقييم مدى تأكده. وهذه واحدة من أكبر المشكلات التي نواجهها”.

ويرى أستاذ علوم الكمبيوتر كريستوفر مينيل أن هناك عقبة أخرى أمام انتشار الذكاء الاصطناعي في عالم العمل، لأن الأنظمة تتطلب قدرات حسابية ضخمة، وبذلك تتطلب كميات كبيرة من الطاقة.

ويقول مينيل مدير معهد هاسو بلاتنير في ألمانيا “يبدو لي أن الكثير من التوقعات المنتظرة من الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها، كما أنها غير واقعية في ما يتعلق باستهلاك الطاقة”، إذ أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي الناجحة تعتمد على ما يطلق عليه التعلم العميق، أي التدريب بكميات كبيرة من البيانات.

وأوضح “وهذا يتطلب الكثير من الطاقة”. وأشار مينيل إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع سوف يكون كارثيا بالنسبة إلى المناخ وتحقيق أهداف المناخ. وقال “علينا أولا أن نطور أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة في ما يتعلق باستهلاك الطاقة”.

وأشار مينيل إلى أن هناك تحديا ليس فقط في البصمة الكربونية المرتفعة للذكاء الاصطناعي، ولكن أيضا عندما يتعلق الأمر بحماية البيانات. وقال “إذا كنت تقوم بتجربة أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي على شبكة الإنترنت، يتعين أن تتوخى الحرص بشأن الإفصاح عن بيانات حساسة”.

يجب أن يعي الجميع أن استفساراتهم والبيانات تساعد في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وجعلها أكثر ذكاء مجانا. على سبيل المثال، أي شخص يقوم بتحميل بيانات مالية سريعة على منصات معينة من أجل إعداد عرض تقديمي، يجب أن يعلم أن هذا ربما ينتج عنه الكشف عن أسرار تتعلق بعمله.

العرب

مقالات ذات صلة