رحيل جيرار افيدسيان… متعدد المواهب الذي خسرته مسارح بيروت
رحل المخرج المسرحي والفنان التشكيلي، جيرار افاديسيان، عن 79 عاماً، بعد صراع مع المرض، تاركاً خلفه الأعمال المسرحية التي مثّل فيها وأخرجها، بالإضافة الى أعمال تشكيلية بعضها محفوظ في متحف سرسق.
الفنان متعدّد المواهب، ولد في عين المريسة في 7 آذار العام 1944 في المبنى الواقع خلف مبنى مسرح بيروت الذي تأسس العام 1965، وهو المسرح الذي سينطلق منه افاديسيان عام 1970. والداه من الناجين من المجازر الأرمنية، عاشا في ميتم غزير قبل ان يتزوجا ويقطنا في أحد أحياء عين المريسة. والده عازف ساكسفون وموظف في الإذاعة اللبنانية. وكان جيرار الشاب يرغب في السفر الى باريس لدراسة الإخراج السينمائي، ثم لأسباب عائلية ومالية استفاد من منحة دراسية إلى الإتحاد السوفياتي لدراسة الإخراج المسرحي. تخرج في معهد يريفان العام 1969 وحصل على شهادة دكتوراه في الاخراج المسرحي.
البدايات
بعد عودته الى لبنان، لعب الدور الرئيسي في مسرحية “ذكرى علاء الدين” لغابرييل بستاني باللغة الفرنسية. وبموازاة ذلك عمل مع مجموعة من الهواة في رأس بيروت باللغة العربية، واختار نص “أوبو ملكا” لألفرد جاري، وترجمه ونقله الى المحكية اللبنانية، وأضاف إليه الكثير من الارتجالات، قبل أن يتبلور هذا المشروع ويختار الأسلوب والطريق الذي سيسلكه في المسرح. وكانت “حكاية خرابيا وملكها اويو”، أول الأعمال التي قدمها في بيروت كمُخرج بعدما عمل على النص وأرجعه الى مسرحية “ماكبث” الشكسبيرية وأضاف إليه الحكواتي والأمثال والأغنيات والموسيقى الشعبية.
هكذا قدم أفاديسيان عمله الأول بصفته فناناً شاملاً متعدّد المواهب والأساليب الفنية. كُتبت مقالات كثيرة عن هذا العمل، بعضها عن المشهدية في المسرحية، ومنها ما اعتبره عودة إلى مسرح القوّالين وجذور المسرح العربي.
في العمل الثاني، خاض غمار التأليف المسرحي مع “حياة وآلام شفيقة القبطية”، وفيها تناول القصة المعروفة حول الغانية التي تتوب، لكنه بنى عليها قصتين متوازيتين متداخلتين. الأولى عن حياة الغانية وتحولاتها، والثانية عن شخصية عصابية مصابة بأوهام ميتافيزيقية تصل الى كوادر حزب لبنان وتُهيأ لرئاسة الحزب.
أدى أفيديسيان أدواراً مميزة على الخشبة اللبنانية. منها الخنزير الطاغي في مسرحية “جمهورية الحيوانات” لشكيب خوري عن رواية جورج أورويل الشهيرة. ودور المغترب في مسرحية “سوق الفعالة” لجلال خوري. ودور الأبله في مسرحية “أخت الرجال” لجان ماري مشاقة.
في العام 1972، قدم جيرار افاديسيان مسرحية باللغة الأرمنية بعنوان “يحيا الملك”، كانتْ عملاً استعراضياً في الهواء الطلق، على خشبة دائرية، تخللته ألعاب نارية ومجموعة كبيرة من الدمى الضخمة كما تخلله الرقص والغناء والإيماء. ليكمل بعدها مسيرته ويتنوع في أعماله المسرحية والاستعراضية، ونذكر منها تعاونه مع نبيه أبو الحسن في مسرحية “أخوت لبنان” ومع المغنية الاستعراضية مادونا في “سفرة الأحلام”.
بعد الحرب
في العام 1994، كان أفيديسيان مخرج العمل الأول في افتتاح مسرح “المدينة” بعد الحرب، اقتبس “صخرة طانيوس” عن رواية أمين معلوف، مستعيناً بـ22 ممثلاً، تكتلوا على حلبة المسرح وتفردوا على ايقاعات من الهزيمة والثورة في ملابس صممها جان بيار دوليفر. قدّم افيديسيان عرضاً متيناً من شخصيات مأسوية وقدرية، فيها الفكاهة والحذاقة واستمد من شاعرية النص الأصلي عرضاً جذاباً مع ممثلين من خامة رفعت طربية والياس الياس وسليمان باشا وأسماء عرفتها بيروت في مسرح ستيناتها.
في العام 2005 اختار افاديسيان الانطلاق في مسيرته التشكيلية عندما اختيرت إحدى لوحاته “الجندي الصغير من سميرنا” لمعرض الخريف الذي ينظمّه متحف سرسق. ثم في في 2010 وتحت عنوان “فانتازيات شرقيّة”، ثم ضمن معرض صالون الخريف من تنظيم متحف سرسق، قدم ثلاثيّة “راقصات السلطان”. وتُعرض ابتكارات أفديسيان حالياً في معرض “أحلام شرقية” في صالة “سوق النجارين” في صيفي فيلاج، بيروت. هذا المعرض يجمع آخر أعماله الجديدة المستوحاة من ماضيه الأرمني وأحلامه عن الشرق الساحر والجامح بالمغريات. لوحاته موجودة ضمن مجموعات خاصة في بيروت، الكويت، أثينا، لندن ودمشق.
في العام 2015 كشف أفيديسيان عن عدوله عن عرض مسرحية “الطاووس البرتقالي” لأسامة العارف “بسبب الإنتاج الضخم الذي تتطلبه والخوف من المغامرة في هذا الإنتاج في ظل عدم وجود نشاط في صفوف الجمهور المسرحي من جهة وعدم تنظيم المسارح في لبنان التي باتت تتطلب مبالغ خيالية لقاء عرض عمل مسرحي يستغرق التحضير له شهوراً ويعرض في مدة أقصاها ثلاثة أسابيع”. خلال الفترة نفسها قدّم “أسرار الست بديعة”، مع ندى بو فرحات في شخصية امرأة مسنّة، للمرة الأولى، مُجسِّدة فيها بيروت التي هرمت كما يبدو ولم يعد حتى جسدها العاري مثيراً.
ولا ننسى أنّه قدم “آه يا غضنفر”، مع أنطوان كرباج ورفعت طربية وحنان الحاج علي، ومسرحيات أخرى إلى جانب أعمال تلفزيونية.
المدن