لا أرضية لتجدد الحرب بين اللبنانيين ولكن… لغة “13 نيسان” مستمرّة!

مرّت الذكرى الـ48 لاندلاع الحرب الأهلية، واللبنانيون يحيونها كل سنة على قاعدة «تنذكر ما تنعاد»، لكن مفرداتها تعود لتتردد كل يوم في المشهد السياسي الداخلي على رغم أن أياً من الطوائف لا يريد السقوط في التجربة مرة أخرى.

حجة الذين يستبعدون تكرار الإقتتال الداخلي أن أياً من فرقائه المفترضين لا يملك كلفة أي حرب، وأن ليس هناك أي دولة في الخارج مستعدة لتمويل خيار كهذا، وأن المحيط الإقليمي الذي ذاق طعم الحروب في العقدين الأخيرين يتجه على الأغلب، نحو الخروج من أتونها عبر تسويات داخلية في كل دولة، أو بين الدول نفسها التي تدعم من ينوب عنها في الحروب الأهلية التي أنهكت الإقليم… كما أن من الحجج التي لا ترى أفقاً لعودة التقاتل اللبناني الداخلي، أن اللبنانيين سئموا القتال، فضلاً عن أنهم يعيشون المآسي التي تجلبها الحروب على معيشتهم وحياتهم اليومية كبشر، من دون الانزلاق إلى التقاتل جرّاء الخلافات السياسية. فالأزمة الاقتصادية السياسية التي انفجرت قبل زهاء أربع سنوات، تكفّلت بإيصالهم إلى الحضيض من دون دماء وقذائف ورصاص، وإذا لجأوا إلى العنف لن يصل أي فريق يشحن جمهوره طائفياً أو إيديولوجياً، إلى مبتغاه.

إلا أنّ المأزق الذي يغرق فيه اللبنانيون بلغ ذروة إلى درجة باتت أكثريتهم تترحم على فترة الحرب، لأن بعضهم تأخذه الذاكرة إلى أوضاع اجتماعية واقتصادية، لم يقاسوا خلالها ما يعانونه اليوم، على الصعيد المعيشي، من دون أن يعني ذلك أنهم يفضلون أيام الحرب على الوضع الراهن المسدود الأفق.

مع نبذ فكرة الحرب، فإن الفئة الوحيدة المسلحة في البلد، «حزب الله» القادر على الانخراط في الحرب إذا توفرت ظروفها الخارجية والتمويلية، والتسليحية، عند الفرقاء الآخرين، لا يكف عن تذكير اللبنانيين بتلك الحرب. تقتضي الحقائق التذكير بأن «حزب الله» لم ينخرط في الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان 1975، لأنه لم يكن موجوداً أصلاً، بل أن راعيته إيران لم تكن موجودة كما هي الآن، إلا أن «الحزب» يقحم اللبنانيين بلغة الحرب الأهلية كلما شعر بأن الاعتراض على سلاحه ودويلته، وعلى مصادرته قرار الحرب والسلم وعلى هيمنته على مؤسسات دستورية، يتوسع ويتصاعد من قبل قادة طوائف أخرى، وأحزاب تتعارض رؤيتها مع رؤيته لموقع لبنان الإقليمي، ولنهجه في تسخير طائفته للأهداف الإيرانية، فيهدد بأن هذا الاعتراض يقود إلى الحرب الأهلية. وهذا يتم على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله في أكثر من خطاب، مثلما يردده بعض الرموز الموالية له من رجال سياسة ودين، ناهيك عن مريديه على مواقع التواصل الاجتماعي. الذريعة السهلة لهذا التهديد هي اتهام المعترضين بتنفيذ مخطط أميركي إسرائيلي. أليس هكذا انغمس بعض اللبنانيين في الحرب الأهلية، فيما الخلاف بينهم على السلاح الفلسطيني وقتها، في حين أن سببه الأصلي صراعهم على طبيعة الحكم والنقص في الشراكة وشعور فريق منهم بالغبن والتحاق بعضهم بالخارج رداً على التصاق بعضهم الآخر بدول وسياسات أكبر من قدرتهم على الاستقلال عن مخططاتها…؟

لغة 13 نيسان هذه مستمرة بحيث تجعل الكثيرين يرددون بأن الحرب الأهلية متواصلة على رغم تسليم الجميع بأن اتفاق الطائف أوقفها. تفاقم التعبئة الطائفية والمذهبية في السنوات الماضية، أنتج عاملاً آخر من عوامل استمرار لغة الحرب متفرعاً عن مسألة سطوة السلاح على تركيبة الحكم، هو ردة الفعل في أوساط مسيحية أخذت تدعو إلى التقسيم والفدرالية، وتعمل عليها لدى مراكز القرار الدولي. فهذا النوع من الحلول يذكر بأنه كان أحد شعارات الحرب، وإن لم يكن سبباً لها، لكنه قد يكون مبرراً لعودتها، سواء بين طوائف ومناطق، أو بين قوى سياسية متنابذة داخل بعض الطوائف، في مقدمها الطائفة المسيحية، حيث التنازع على الأولية فيها سيد الموقف. والدليل إلى مدى التباعد بين فرقاء الطائف هو عجزهم عن التوحد ضمن برنامج سياسي يُخرج لبنان من ربط الحلول بأزمات الإقليم وصراعاته.

على رغم أن لا أرضية لتجدد الحرب بين اللبنانيين، فإن لغتها مستمرة ولم تتراجع، وتبقي شبحها فوق رؤوسهم وتحول دون أي تسوية بينهم وتترك مصيرهم معلقاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً… من الخارج. وخلافاً لطبيعة الأمور يصعب القول إن بعضهم اتعظ من أخطاء الانزلاق إلى الاقتتال.

وليد شقير

مقالات ذات صلة