قراءات في الشرارات الصاروخية من جنوب لبنان… هل تتكرر؟
هل تتحول الشرارات النارية الصاروخية التي عصفت بالأجواء الاقليمية بين غزّة والجنوب اللبناني والجولان في الأيام الماضية إلى نمط متكرّر؟ في السياق السردي للتصعيد “الصاروخي” الذي برز بين 5 نيسان (إبريل) الجاري و9 منه، انطلقت الشرارة الأولى للاشتباكات بعد إطلاق مجموعة من 8 صواريخ محلية من قطاع غزة باتجاه مستوطنات اسرائيلية تدخلت القبة الحديدية لاعتراضها.
وانطلقت الشرارة الثانية مع إطلاق أكثر من 30 صاروخاً من جنوب لبنان باتجاه الشمال الاسرائيلي ما أسفر عن وقوع جريح وأضرار مادية. وقد اتهمت تل أبيب مجموعات فلسطينية بالوقوف خلف هذه الهجمات، في وقت ردّ الجيش الإسرائيلي بقصفه ثلاثة أهداف من “البنى التحتية” لـ”حماس” في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين قرب صور.
أما الشرارة النارية الثالثة فانطلقت بُعَيد انطلاق صفّارات الإنذار في هضبة الجولان المحتلة على إثر إطلاق صواريخ من الأراضي السورية، في وقت أعلن الجناح العسكري لـ”حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية المدعومة من إيران مسؤوليته عن الهجمات. وردّ الجيش الاسرائيلي بضرب أهداف عسكرية داخل سوريا، مع إشارة إسرائيل إلى إنها استخدمت طائرة مسيرة والمدفعية لضرب مجمع عسكري ومنصات صواريخ.
ثمة ملاحظات متنوّعة في قراءة مراقبين ومحللين لهذه التطورات الجديدة من نوعها، أولها أن الاشتباكات الصاروخية أتت محدودة الأضرار وشكّلت “عاصفة” من دون تداعيات حقيقية على الأرض. وثانيها، هواجس معبَّر عنها لناحية التداعيات الممكنة لتطور كهذا يشكل مزيداً من الاستباحة من محور “حزب الله” للأراضي اللبنانية ويتيح استعمالها للأذرع الحليفة له. وثالثها، تساؤلات متخوفة من تكرار هذه الشرارات في مرحلة مقبلة.
نادر: إطلاق الصواريخ خدمة لإسرائيل
بحسب قراءة الخبير العسكري اللبناني العميد جورج نادر للاشتباك الصاروخيّ بين محور “الممانعة” وتل أبيب، فإن “حزب الله يُعتَبر مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ كخدمة صبّت لمصلحة رئاسة الحكومة الإسرائيلية في لحظة انقسام قائمة داخل الشارع الاسرائيلي، لكن ليس ثمة مفاعيل عملياتيّة للاشتباك الأمني على أرض الواقع باستثناء اعتباره اعتداءً خارجياً في الداخل الاسرائيلي بعد مرحلة شهدت اهتزازات سياسية؛ وهذا ما من شأنه أن يعيد وحدة القوى الاسرائيلية”.
ويلفت نادر في حديث لـ”النهار العربي” إلى أنه “لم يعد في الإمكان اعتبار حزب الله فصيلاً مقاوماً بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وتغيّر المعادلات التي أكدت بوضوح المصالح بين الجانبين. ومن جهة ثانية، يشكّل إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية فرصة قياسية لاستعادة شعارات “الممانعة” ضدّ اسرائيل وسط صمت مطبق للحكومة اللبنانية. إن ما حصل أشبه ببروباغندا أُدخِلت فيها “حماس” لكن الحدود الجنوبية ممسوكة من حزب الله… ولا حرب مرتقبة مع اسرائيل”.
حماده: مزيدٌ من تحلّل الدولة اللبنانية
بالنسبة إلى مدير “المنتدى الاقليمي للاستشارات والدراسات” العميد خالد حماده، فإن “طهران أدخلت “حماس” إلى الداخل اللبناني ولا أعتقد أنها ستكون المرة الأخيرة التي ستطلق فيها الصواريخ وتتبناها الحركة؛ وما حصل لم يزعج الإسرائيليين بل أنتج خطراً ما لتأكيد حال الاستثمار وثبات الحكومات في اسرائيل. ويرجَّح استمرار اللعبة السابقة من خلال اضطلاع حركة حماس بدور شبيه لأدوار حزب الله السابقة على أن يتحوّل جهد الأخير إلى داخلي”.
ويقول حماده لـ”النهار العربي” إن “المسألة تتّجه إلى مزيد من تحلّل الدولة في لبنان، على أن تتغذى إيران واسرائيل من ذلك ويحصل تعميم الأوضاع على الجبهة السورية بغية زيادة المردود الايراني والاسرائيلي. وتتمثل خطورة حماس لبنانياً في تحوّلها مكوّناً حاضراً يعمل لمصلحة إيران ويفتح البلاد على مزيد من التأزم، مع إبقاء الجنوب اللبناني ساحة مشرّعة للخدمة المتبادلة بين طهران وتل أبيب… وكلّما دعت الحاجة ستكون هناك أنماط أمنية متبادلة بين الطرفين”.
عبد القادر: الاشتباك الصاروخي بداية لما هو سيّئ
الباحث العسكري اللبناني العميد نزار عبد القادر يرى أن “التطور الأمني الأخير في الجنوب اللبناني بداية تذكّر بفترة نهاية ستينات القرن الماضي عندما دخلت قوات الثورة الفلسطينية وانطلقت أعمالها المسلحة في لبنان. اليوم، فرض علينا الأمين العام لحزب الله واقعاً جديداً أعطى “حماس” حرية العمل من لبنان خلال اجتماعه مع اسماعيل هنية. واللافت أن الدولة اللبنانية لم تتعامل مع التطور، وكأن ما حصل لا يخصّها، مع الاشارة إلى أن التمسّك بالقرار 1701 يعني ضرورة عدم تكرار ما حصل وتكريس المزيد من الانهاك اللبناني عبر سياسات الآخرين ومصالحهم”.
ويؤكد عبد القادر لـ”النهار العربي” أن “الاشتباك الصاروخي بداية لما هو سيّئ بما يشبه تحويل لبنان إلى الواقع الحاصل في قطاع غزّة، وسط مخاوف من أن يشكّل ذلك بداية لتجربة بشعة وسيئة جداً. ويتبدّى أن التطورات الحاصلة هي بمثابة اعتراض من حزب الله على الرياح الجديدة التي تهبّ في المنطقة بعد الاتفاق السعودي الايراني، والتي قد يستفيد منها لبنان بعدما بدأ الاتفاق يثمر في اليمن. فهل أراد حزب الله استباق التحوّلات ودفع الأمور إلى حالة جديدة لتخريب ما يمكن أن يحصل عليه لبنان من مفاعيل إيجابية بعد الاتفاق بين الرياض وطهران؟”.
مجد بو مجاهد- النهار العربي