معلومات استخباراتية من قلب البنتاغون: تسريبات موسكو توجه ضربة لواشنطن!
واشنطن تتجسس على حلفائها ولا تحفظ أسرارهم، ولديها ثقب أسود مجهول يسرب الأسرار إلى روسيا.
هذه هي الخلاصة لتي انتهى إليها حلفاء واشنطن في بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وكوريا الجنوبية، فضلا عن أوكرانيا وباقي الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، وذلك من جراء تسريب وثائق تصنف على أنها “سرية للغاية” تكشف بالتفصيل القدرات القتالية لأوكرانيا، ونقاط الضعف المحتملة، وجهود حلف شمال الأطلسي (ناتو) الواسعة، لمساعدة كييف على صد الهجوم الروسي المتوقع، والخطط المتعلقة بالهجوم الأوكراني المضاد.
واعترف مسؤولون أميركيون لصحيفة وول ستريت جورنال “أن تسريب وثائق سرية من البنتاغون تضم تفاصيل جزئية عن الحرب في أوكرانيا قد يؤثر على الأمن القومي الأميركي عالميا”. وذلك في إشارة إلى ما قد يُوضع من عراقيل أمام أجهزة الاستخبارات الأميركية من جانب حلفائها بالذات.
وستضطر أوكرانيا، حسب بعض الإشارات التي أوردتها كييف، إلى إجراء تعديلات على خططها العسكرية، كما أنها أرجأت هجومها المضاد المنتظر إلى حين إتمام تدقيق ما نشر عن هذه الخطط، وما إذا كانت توفر للقوات الروسية فرصة التصدي لها.
ويعترف مسؤولون في البنتاغون بأن تسريب الوثائق يضر علاقة جهاز المخابرات الأميركية بنظرائه في الدول الغربية الأخرى، ليس لأنه يكشف أن الولايات المتحدة تتجسس عليهم فحسب، بل لأنها لا تحافظ على ما يقدمونه لها من أسرار أيضا.
وتفيد الانطباعات لدى هذه الأجهزة بأن هذه التسريبات ما كانت لتصل إلى روسيا لو لم يكن هناك “ثقب أسود” داخل أعلى مراتب البنتاغون يسمح بوصول وثائق عالية السرية إلى موسكو لتتولى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتسع دائرة الضرر لتشمل مصادر المعلومات داخل روسيا نفسها أيضا. إذ أن كل ما يتعلق بالقدرات الروسية مستمد من مصادر محلية باتت الآن داخل دائرة الخطر. وفي الحد الأدنى فإن وكالات الاستخبارات الأميركية سوف تخسر الصلات بتلك المصادر لأمد غير معلوم، لاسيما وأن الوثائق تقدم تلميحات حول الأساليب الأميركية لجمع المعلومات المتعلقة بالخطط الروسية.
ونقلت نيويورك تايمز عن مسؤول استخباراتي غربي كبير قوله إن الإفراج عن المواد كان “ضربة مؤلمة” لأنه يمكن أن يحد من تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الحلفاء. وقال أيضا “إن قيام الوكالات الاستخباراتية المختلفة بتوفير المواد لبعضها البعض يتطلب ثقة وتأكيدات بأن بعض المعلومات الحساسة ستبقى سرية”.
ويتضمن أحد التسريبات “خطة سرية لإعداد وتجهيز تسعة ألوية من القوات المسلحة الأوكرانية من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لهجوم الربيع”. كما تتضمن التسريبات الأخرى صورا تظهر وثائق سرية، يعود تاريخها إلى أواخر فبراير وأوائل مارس، تتراوح بين إحاطات استخباراتية في جميع أنحاء العالم وتحديثات ميدانية على المستوى التكتيكي وتقييمات القدرات الدفاعية لأوكرانيا ومعلومات حول الجيشين الأوكراني والروسي وتحليلات أميركية شديدة الحساسية حول الصين ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وتكشف الوثائق أيضا عن كمية الأسلحة العسكرية الغربية وغيرها من المعدات التي وصلت إلى ساحة المعركة، وعدد الجنود الأوكرانيين الذين تم تدريبهم على استخدامها، وكيف نظمت أوكرانيا طائراتها ودفاعاتها الجوية لوقف هجوم بالصواريخ الروسية. كما قدمت معلومات قد تكون حساسة عن معدل إطلاق قذائف مدافع “هاوتزر” وسرعة نفادها وتدفق الشحنات، وتقييمات عن ساحة المعركة، بما في ذلك في مدينة باخموت الأوكرانية، حيث تخوض القوات الروسية والأوكرانية معارك شرسة منذ أشهر.
وعلى الرغم من الفوائد التي تقدمها التسريبات لروسيا إلا أنه، كأي عمل من أعمال الغرف المظلمة، ينظر إليها بمقدار من التشكيك، ريثما تتطابق المعلومات الواردة فيها مع المعلومات التي تجمعها الأجهزة الروسية.
وقالت مصادر تابعة لمجموعة فاغنر إنه من المحتمل أن تتضمن الوثائق “معلومات مضللة، من أجل تضليل قيادتنا لتحديد إستراتيجية العدو في الهجوم المضاد المقبل”.
وقابلت كييف التسريبات بالتشكيك أيضا، حيث قال ميخائيلو بودولياك مستشار الرئيس إن “ما تناولته بشأن استعدادات بلاده لشن هجوم مضاد، مزيف وعمل من أعمال التضليل”.
ووصف بودولياك حال أجهزة الاستخبارات الروسية بأنه تدهورَ منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى حدّ العجز عن إعادة تأهيل نفسها إلا ببرامج تزييف الصور ومقالب المعلومات المزيفة.
وكان قيام روسيا بعرض التسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تيلغرام وتويتر، بمثابة انتقام من تسريبات نشرتها أجهزة الاستخبارات الأميركية حول كشف خطط الجيش الروسي قبل وبعد وخلال الهجوم المستمر على أوكرانيا منذ 24 فبراير العام الماضي.
ويقول خبراء أمنيون إن روسيا حاولت بنشر التسريبات أن تثبت قدرتها على الحصول على معلومات استخباراتية من قلب البنتاغون. ولكنها ضربت عصفورا آخر بالحجر نفسه، وهي أنها ضربت علاقات الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها. فالمعلومات التي قدموها لأجهزة الاستخبارات الأميركية، التي يمكنهم تدقيقها بأنفسهم، لا تبقي سبيلا للشك في أنها معلوماتهم من جهة، وفي أن الطرف الآخر لا يؤتمن عليها من جهة أخرى. وأن لدى روسيا أعينا تستطيع أن تراهم ليس من نافذة في موسكو أو من نافذة في عواصمهم، ولكن من نافذة في البنتاغون نفسه أيضا.
العرب