المفاعيل المستقبليّة لخطوات التطبيع العربي مع النظام السوري !
الخطوات المتلاحقة على صعيد تطبيع العلاقات العربيّة مع النظام السوري تؤكد أن “الانفراجات” التي سوف يشهدها هذا الملف لن تكون تفصيليّة أو عابرة، بل هي ستكون بمثابة افتتاح لحقبة سياسيّة جديدة في المنطقة العربيّة مختلفة تماماً وسيحصل فيها خلط أوراق على العديد من المستويات.
من نافل القول إن السياسات والمصالح بين الدول قلّما تعير أي اهتمام فعلي لمسألة حقوق الإنسان، إلّا في البيانات الرسميّة التي غالباً ما تكون مناقضة تماماً للوقائع الميدانيّة. كلّ حركة التطبيع السياسي والاقتصادي مع نظام دمشق إنما تدوس على كلّ المعاناة والمرارات والعذابات التي عاشها الشعب السوري من النظام منذ اندلاع الثورة سنة 2011، دون تسجيل أي اكتراث حقيقي لمصالح السوريين وحقوقهم.
قريباً، تستعيد دمشق مقعدها الذي فقدته في جامعة الدول العربيّة وسط تزايد المعلومات عن دعوة ستوجّه لها من الرياض للمشاركة في القمّة العربيّة. بمعزل عن الدور شبه المفقود للجامعة وعدم تمكّنها على مدى عقود من تلبية الحدّ الأدنى من طموحات الشعوب العربيّة، إلّا أن المكاسب التي يُمكن أن تُحققها دمشق من هذه الخطوة لها معانيها المعنويّة الكبيرة.
إذا كانت الرهانات العربيّة لا تزال تحتسب أن إمكانيّات الانفكاك السوري عن طهران هي احتمالات مرتفعة، فإنّ هذه المقاربة برمّتها باتت بحاجة لإعادة تقييم على ضوء التفاهم السعودي – الإيراني الذي عُقد برعاية صينيّة، وهو يشهد خطوات متلاحقة وتصاعديّة في مجال تنفيس الاحتقان الإقليمي وإعادة ترتيب ملفات المنطقة وفق سلّم أولويات جديد وعلى أُسس وقواعد مغايرة تماماً لاشتباكات الحقبة الماضية. هذا ما هو متوقع حصوله، أقلّه في “الفترة التجريبيّة” للاتفاق.
السؤال الأساسي يتعلّق بالمفاعيل المستقبليّة لخطوات التطبيع العربي مع النظام السوري على ضوء المتغيّرات التي تشهدها الساحة الدوليّة، لا سيّما مع اقتحام الصين للمرّة الأولى المشهد المضطرب في منطقة الشرق الأوسط بأسلوب مغاير تماماً لسياسة الديبلوماسيّة الهادئة التي كانت تعتمدها بكين لعقود، بحيث أنها كانت تنأى بنفسها عن الكثير من القضايا الخلافيّة المتفجّرة، ولو أن مواقفها كانت واضحة على أكثر من صعيد.
السؤال الثاني يتّصل بإسرائيل التي تُكثّف هجماتها الجوّية على الداخل السوري بوتيرة كبيرة وتستهدف قيادات إيرانيّة وسوريّة وأخرى من “حزب الله”، وما تقوم به يحظى بغطاء روسي واضح كأنه يرمي إلى تقليم أظافر إيران في سوريا. إن التغاضي الروسي عن القصف الإسرائيلي المتواصل ليس تفصيلاً بسيطاً في سياق قراءة وتحليل المشهد السوري بشكل خاص والمشهد الإقليمي بشكل عام.
أما على الصعيد التركي، فمن الواضح أن أنقرة تسعى بدورها لإعادة إنعاش العلاقات ولكن ليس على حساب أمنها القومي. وإذا كانت بعض التفسيرات توحي بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستعجل للقيام بخطوات التطبيع قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسيّة في بلاده (ولو أن هذه النظريّة تحتمل النقاش)، إلّا أن ذلك لا يُمكن أن يكون على حساب الأمن القومي التركي الذي لطالما كان أولويّة عند الحكم التركي.
مهما يكن من أمر، فإنّ الشعوب هي التي تدفع الأثمان الباهظة في نهاية المطاف. إذا كانت المصالح السياسيّة تفترض إشاحة النظر عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين النازحين والمهجرين في الداخل والخارج، فإنّ ذلك لا يلغي الاعتبارات الأخلاقيّة التي غالباً ما تُرمى إلى قعر الاهتمامات السياسيّة.
في المحصلة، فتح الصفحات الجديدة لا “يُبيّض” الصفحات القديمة التي سُجّلت في دفاتر التاريخ.
رامي الريس