برامج المقالب الرمضانية تتراجع شعبيتها: “تمثيليات” لم تعد تقنع الجمهور !
أصبح برنامج المقالب “رامز نيفر إيند”، الذي يقدمه الفنان رامز جلال على فضائية “أم.بي.سي – مصر” هو الأكثر شهرة بين برامج المقالب التي بدأت تختفي من على الشاشات المصرية في موسم رمضان الحالي، بعد أن كانت تشهد ازدحاما في أعوام ماضية وتجذب قطاعات كبيرة من المشاهدين وتجلب إعلانات بنسب مرتفعة.
أخفقت القنوات المصرية في إنتاج محتوى كوميدي ترفيهي في صورة مقالب بعيدا عن التصنع والألفاظ التي تدور في فلك السب والشتم وافتعال الضحك، حتى الذي كان يُنتج منها سابقاعندما خالف الضوابط والمعايير الإعلامية جرى وقفه، مثل برنامج الكاميرا الخفية الذي ظل متربعا على عرش برامج المقالب سنوات طويلة.
لم تستغل الفضائيات المختلفة حب الجمهور المصري للبحث عن محتوى كوميدي يقنعه ويروح عنه ويخرجه من الكبت والإحباط والكآبة التي يعيشها الكثير من الناس، بسبب الضغوط المعيشية الصعبة وارتفاع معدلات الغلاء إلى مستويات قياسية، وهي النقطة التي لم يستغلها برنامج رامز جلال نفسه، وأخفق في ملء الفراغ وتكرار ثيمة فنية باتت مملة ونهايتها مكررة ومعروفة سلفا.
يمكن بسهولة اكتشاف تراجع نسب المشاهدة لبرنامج “رامز نيفر إيند” باعتباره الوحيد المقدم للجمهور والأكثر شهرة من خلال تدني التعليقات والنقاشات التي كانت حاضرة بقوة في سنوات مضت على شبكات التواصل الاجتماعي بعد كل حلقة، حيث يتجاذب المتابعون بين مؤيد ومعارض لما يقدمه البرنامج وطريقة خداع الضيوف.
كان الحراك على منصات التواصل دليلا على وجود نسب مشاهدة ومتابعة، لكن ما حدث في الموسم الحالي لا يرقى إلى مستوى الجدل أو الخلاف، كأن هناك تجاهلا مقصودا، وأصبحت متابعة الجمهور للمقلب محدودة للغاية، ما يعكس معاناة البرامج لأزمة عزوف في صفوف الشغوفين بها.
ولاحظ متابعون أن صناع برامج المقالب عموما أدركوا أخيرا أن قبول الجمهور بالخدعة لا يمكن استمراره طويلا أمام فقدان المصداقية التي يصعب ترميمها مهما تغير السيناريو والأسلوب، وحتى إن حدث ذلك وأعيد تقديم البرنامج بطريقة مختلفة تظل المعضلة في كونه يدور في فلك واحد لا يتغير، نفس الفكرة مع تغير الضيوف.
استعان الفنان رامز جلال بنجوم بارزين في مجالات مختلفة، على مستوى التمثيل والموسيقى والرياضة، وغالبيتهم مثيرون للجدل، لكن الجمهور لم يستهوه الأداء المفتعل الذي كرس القطيعة مع برامج المقالب أمام اختفاء الدور الترفيهي الذي يفترض أن تقوم به هذه النوعية من البرامج، ما جعل النتيجة مخيبة للآمال، من حيث معدلات التفاعل مع الحلقات السابقة، والتي تفرض على رامز إعادة النظر العام المقبل، فقد بدا البرنامج مستنفزا لجزء كبير من أدواته في الترفيه والتسلية.
يصعب فصل عزوف الجمهور عن برنامج رامز عما بات يعتبره تمثيليات من ضيوف البرنامج حتى إن بعضهم ممن ظهروا خلال موسم رمضان الماضي اعترفوا بأنهم كانوا على علم مسبق بتفاصيل المقلب، أو أجزاء منه على الأقل، أي إنهم لم يشعروا بتعرضهم لخديعة حقيقية، وتعاطوا مع الحدث بشكل تمثيلي عبر تجسيد مشاهد الصراخ للإيحاء بأن المقلب حقيقي.
وأصبح الجمهور نفسه مقتنعا بأن برامج المقالب عموما تعاني من الإفلاس الفني، والبحث عن النجاح السهل من خلال الاستخفاف بعقول الناس وجذبهم بسيناريوهات هابطة، فهناك رامز جلال يكرر هذا العام نفس الأسلوب المتبع منذ سنوات، حتى البرامج التي اختفت عن الشاشة في رمضان الجاري، يتذكرها الجمهور بالسلب، ولم يتأثر بغيابها أو يمتعض من عدم عرضها الموسم الحالي بنسخة جديدة.
وجرى تقديم خمسة برامج من نوعية المقالب في موسم رمضان من العام الماضي، وجميعها غابت عن رمضان الحالي، ولم يتبق سوى رامز، في إشارة واضحة تعكس عدم وجود أرضية ممهدة تسمح بتكرار الأفكار التي باتت مستهلكة، وتحولت إعادتها مرة أخرى إلى إهدار للمال والجهد وجني المزيد من الإخفاقات والتعليقات السلبية وتدني معدلات المشاهدة إلى مستويات قياسية.
وفسّر خبراء غياب شغف الجمهور ببرامج المقالب بأن الناس رغم تفضيلهم للبرامج الضاحكة فإنهم لا يقبلون الاستمرار في متابعة مقالب مصطنعة اعتادوا عليها أكثر من موسم، ثم إن السيناريوهات التي كانت، ولا تزال، تحدث في المقالب مرفوضة أسريا، لكونها تتسبب في ضغط نفسي على المشاهد بسبب إذلال الضيف الضحية.
ورأى الناقد الفني طارق الشناوي أن برامج المقالب لم تعد تترك بصمة عند الجمهور، ليكون هو حارسها من التغييب، ثم إنها تقدم بطريقة تقليدية محفوظة ومكررة من دون تفكير في سيناريوهات مفاجئة للمشاهدين، مع أن الجمهور الفكاهي بطبعه دائما ما يبحث عن التغيير ويصاب بالملل من التكرار وغياب الكوميديا في المقلب.
وأضاف لـ”العرب” أن جزءا من فقدان الشغف بأي برنامج مقالب أن مقدمه أو مقدمته يصر على التواصل بنفس الوتيرة معتمدا على رصيده السابق عند الجمهور لاستمرار الشعبية، كما أن ما يقدم من مقالب يتعارض كليا مع فن الكاميرا الخفية ويصعب وصف المواقف المخيفة بأنها فكاهية أو كوميدية، لأن الناس لا تنجذب لمثل هذه القوالب التي لم تعد مثيرة للضحك.
يتذكر الجمهور المصري في هذه الأيام الفنان الراحل إبراهيم نصر، الذي اخترع برنامج “الكاميرا الخفية”، وكانت الشرائح العمرية المختلفة تنتظر موعد عرضه، لأنه يعتمد على إضحاك المشاهدين من خلال تغيير فكرة المقلب كل حلقة.
ويلقي البعض من النقاد اللوم على منتجي برامج المقالب، ويضعون على عاتقهم المسؤولية الأكبر عن مسألة العزوف الجماهيري عنها، لأنهم لم يدركوا أن لكل فكرة برنامج عمرا افتراضيا مهما كانت شعبية الفنان الذي يقدمه، ولا يعني أن الناس ضحكوا في موسم أنهم وقعوا شيكا على بياض باستمرار المتابعة، ولو كانت الفكرة مكررة، لأن التعويل على جماهيرية الماضي تقتل النجاح في الحاضر والمستقبل.
ومن المفترض أن هذه البرامج تتشكل من قوالب فنية تحتاج لكي تستمر جماهيريتها إلى البعض من التغيير والتطوير والحرفية، لأن الناس يعادون العمل الفني الرتيب. أما أن يكون الاختلاف الوحيد تقريبا في تجديد لون شعر المذيع وملامحه وأماكن التصوير كل عام، فإن ذلك لا يغري الجمهور للإقبال على المشاهدة، وإذا كان المشاهد شغوفا بجرعة ترفيهية لن يقبل ببرامج فاقدة للحد الأدنى من الكوميديا والفكاهة.
العرب