خاص : “درة التاج” طبق الفتوش في لبنان.. حلم الفقراء وترف الأغنياء!

من المعتاد سنويا في لبنان، ارتفاع أسعار الخضار بشكل ملحوظ عشية حلول شهر رمضان المبارك، حيث تستمر على هذا المنوال التصاعدي، إلى أنْ تحل نهاية الشهر، وتعود للانخفاض، لأن الطلب على “درة التاج” طبق الفتوش يتراجع بانتهاء الأيام المباركة.

لكن رمضان 2023 غير، فأينما حللت في أي سوق أو محل خضار، تسمع ململة الناس وعجزهم عن شراء ما يحلو لهم من الخضار والفاكهة في هذا الشهر الفضيل، فالأسعارها قاربت اللحوم، وعبارة “أرخص من الفجل” أو “تسوى قشرة بصلة”، لم تعد في محلها، لأن الفجل حلّقت أسعاره والبصل أصبح يعادل ثمار البحر.

المصيبة بتجمع
وبما أن “المصيبة بتجمع” حتى كبريات المؤسسات العلمية والأكاديمية في لبنان أفردت مؤشراً خاصاً بطبق الفتوش، الذي ارتفعت مؤشرات أضعافاُ مضاعفة، عادلت الـ200%، لذلك “موقع 24” جال بين محال الخضار وأسواقها من الجملة والمفرّق، لتصدمه الوجوه المثقلة بالهموم، وتراجع حيوية السوق، فلا صراخ باعة ولا حوارات نسائية، بل كاد الصمت أن يسيطر.

الريح تصفر في الدكان
“أبو سامي الخضرجي”، دكانه كان على مر الأيام عامراً بكل ألوان وأنواع الخضار والفاكهة، حتى البيض البلدي وبعض المربيات ومونة البيت اللبنانية اليدوية، التي تعدها زوجته مسبقاً، أما اليوم فتكاد تسمع الريح تصفر في الدكان، وعند سؤاله عن السبب، أجابنا بمن له المقدرة على شراء الفاكهة، التي معظمها مستوردة، وأحسنها أسعارها نارية.

ولفت وفي صوته غصة، إلى أنّ أسعار الخضار في تصاعد بشكل جنوني، فتكلفة صحن الفتوش منذ سنوات كانت 4000 ليرة لبنانية، أما اليوم فلا يمكن تحضيره بأقل من 500 ألف ليرة، أشتري يومياً من سوق الجملة ما تيسّر للدكان، كوني أعرف أن زبائني قادرون على شراء الحشائش وبعض اللوازم، فأبيعها أولاً بأول كي لا أقع في الخسارة”.

خضرجي 5 نجوم
ومن منطقة إلى أخرى، يختلف الناس ويختلف الزبائن، وباختلاف يضطر البائع إلى التبديل والتغيير، ليحافظ على زبائنه، فخضراوات “الدومري” و(هو محل خضار 5 نجوم) تراه شبه فارغ، ليس إلا من موظفيه الكثيرين، ليس لقلة حيلة، بل لأن زبائنه أيضاً “5 نجوم”، فلا يتوجهون إلى المحال لشراء الخضروات بل يطلبونها “دليفري” باتصال هاتفي تصل إلى منزلك، لذلك فهو يؤمن كل ما يعرف أن زبائنه سيطلبونه من الغالي إلى الرخيص، الذي لم يعد متوفراً أصلاً.

يد الله مع الجماعة
وبما أن “الحركة فيها بركة”، و”يد الله مع الجماعة”، توافقت أم جهاد شريف (ربة منزل خمسينية) مع عدد من جاراتها في العمارة حيث تقطن، على إعداد ما يشبه “الجمعية”، ولكن بدل أن تكون تجميعاً للمال، تحوّلت إلى تجميع من أجل إعداد طبق الفتوش، ولكن من سوق الخضار في حي “صبرا” البيروتي الشعبي، والمعروف بأسعاره المنخفضة عن سواه من المناطق.

فأبلغتنا أم جهاد، وهي تتجول في السوق بحثا عمّا تستطيع شراءه بأن موائد الإفطار كانت تمتلئ بأنواع مختلفة من الطعام والحلويات، وباتت اليوم تكتفي بصنف واحد إذا وجد، رافقت انطلاقة الشهر واشترت مع التشاور مع الجارات كل لوازن “الطبق”، بأسعار توزعت على الكل، وحتى التحضير يتوزع على الكل، على أن تكفي الكمية لاستهلاك الأسبوع الأول من الشهر.

وداعاً للفتوش
حنان السيد (أم لفتيين) كان حالها أسوأ، فأشارت إلى أن كل المواطنين يقفون عاجزين أمام هستيريا سعر صرف الدولار، ويتخلون تباعا عن العديد من المكونات، وبما أن زوجها عسكري، وراتبه بالليرة اللبنانية، فإنها تنازلت وأسرتها عن طبق الفتوش كاملاً، فأسعار الخضار التي يحتويها، ولو توجهت إلى “سوق الجملة” ستكلف مبلغاً كبيراً.

وكشفت عن أنه بعدما تنازلت أسرتها عن اللحوم والدجاج، آن أوان الاكتفاء بطبق من سلطة الخس مثلاً، أو سلطة البندورة مع الزيت والحامض، إلى جانب طبق رئيسي يتراوح بين أنواع البقوليات، ليس أكثر، وفي أحسن الأحوال المعكرونة بالصلصة الحمراء مع القليل جداً من اللحم المفروم.

من الموجود
أما وداد قطيش (الأربعينية التي تعيش مع زوجها وابنيها وأمها وحماتها) فكان شعارها “جود من الموجود”، بما يعنيه ذلك أن طبق الفتوش لم يعد كما كان في الأعوام الماضية، قوس قزح وباقة مزركشة من الألوان، بل تحوّل إلى ما توفر في برّادها من خضار مع القليل من الخبز المحمص، فإن تواجدت الطماطم مع الخيار والنعنع، كان الحمد لله، وإن تواجد أكثر يكون “ألف بركة”.

وذكرت أنّ شراء كل مستلزمات الفتوش أصبح “يكسر الظهر”، لذلك من الأولى شراء ما تيسر، حتى ولو كانت النوعية وسط، عندها تكون “الجيبة” قادرة على تأمين القيمة المادية، أما شراء خضراوات الباب أوّل فمن الصعب جداً أو ضرب من الأحلام، فأسعارها تقارب الذهب.

بالأرقام
ولتوثيق انهيار الليرة في سوق الخضار اللبناني، قصدنا “مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية ببيروت” الذي تابعنا عبر صفحته على “فايسبوك” مؤشراً خاصاً بـ”صحن الفتوش اللبناني”، قام باحثون متخصصون وكما كل عام منذ بدء الإنهيار المالي والإقتصادي والمعيشي في لبنان، بدراسة مؤشر الفتوش، الذي يتضمن أسعار 13 مادة تكوّن سلطة الفتوش.

وأوضحت البيانات ارتفاعاً حادّاً في مؤشر كلفة الفتوش “بالمفرق”، أي ما يشتريه المستهلك النهائي لرمضان 2023 مقارنة بنظيره من 2022، بنسبة تبلغ 187%، ليسجل مؤشر الفتوش 95000 ليرة لبنانية للشخص الواحد مع بدء أولى أيام الشهر الفضيل، مقارنة مع 33 ألفاً و100 ليرة في 2022، وقد ارتفع مؤشر الفتوش بنحو 534% خلال سنتين.

وبالتوازي، تخطّت قيمة الإفطار اليومي للفرد مبلغ 1 مليون و200 ألف ليرة لبنانية، وهي تشكل حوالى ضعف قيمة الإفطار اليومي لعام 2022، بحيث أصبحت كلفة الإفطار لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص تتجاوز الـ6 ملايين ليرة يومياً، أي ما يوزاي راتب موظف خلال شهر، في ظل حد أدنى للأجور يبلغ 2 مليون و500 ألف ليرة.

إعداد مصطفى شريف- مدير التحرير

مقالات ذات صلة