هل يقف لبنان على أبواب شهابية جديدة تنتظر جوزيف عون؟

في ظل الانقسام السياسي الحاد بشأن المرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان، قد تدفع الفوضى المحتملة بقائد الجيش العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية رغم رفضه الانخراط في العملية السياسية، وهو سيناريو يذكّر بما حصل في أزمة 1952.

يرفض قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الانخراط في العملية السياسية أو تقديم نفسه مرشحا للرئاسة، رغم أن حظوظ القبول به أوفر من حظوظ المرشحين الآخرين. وهو يفعل ذلك على غرار الجنرال فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني السابق الذي وجد نفسه مضطرا، أمام أزمة مماثلة حدثت بين العامين 1952 و1958، إلى قبول الرئاسة.

وفي خضم التظاهرات والاحتجاجات التي تجتاح لبنان، قال رئيس وفد صندوق النقد الدولي أرنستو راميريز ريغو في مؤتمر صحفي عقده عقب الاجتماع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومسؤولين آخرين “إن لبنان في لحظة خطيرة للغاية… عند مفترق طرق”، مضيفاً أن “الستاتيكو القائم والتقاعس عن اتخاذ إجراءات مطلوبة من شأنهما إدخال البلاد في أزمة لا نهاية لها”.

وترتبط الأزمة، يوما بعد آخر، بما إذا كان يمكن للمصرف المركزي تمويل المصارف الحكومية والمحافظة على قيمة العملة اللبنانية حتى بعد تراجعها إلى مستويات غير مسبوقة.

ولا يملك المصرف المركزي أكثر من 10 مليارات دولار من الاحتياطات. وهي لا تكفي لبضعة أشهر. ما يعني أن كل يوم يمر، من دون التوصل إلى مخرج للأزمة، يحمل معه تأكيدا جديدا لموعد الانهيار الشامل، حيث تسقط المؤسسات من تلقاء نفسها وينهار النظام السياسي وتعم الاحتجاجات كل الشوارع.

انقسام
في الوقت الذي تمتنع فيه الأطراف المتنازعة عن تقديم مؤشرات على استعدادها للتوصل إلى حلول وسطى لإنهاء أزمة الفراغ الرئاسي، لا تتوقف المشكلة على أي من أسماء المرشحين المتداولة، وإنما على نوعية الإصلاحات التي يتعين تنفيذها.

والانقسام الظاهري الراهن يقوم بين مرشح فريق “الممانعة” زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الذي يدعمه حزب الله، ومرشح المعارضة النائب ميشال معوض. ولكن الانقسام الأشد وطأة يتعلق بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي والمانحون الآخرون، وهي تتضمن سلسلة إجراءات يرى حزب الله أنها تضر بنفوذه.

ويقول مراقبون إن الصدع القائم بين الأسماء والإصلاحات تتضح معالمه أكثر في موقف حزب الله من المرشح جهاد أزعور، فهو فضلا عن كونه خبيرا اقتصاديا عمل مديراً لمشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي، ووزيرا للمالية بين العامين 2005 و2008، فإنه قريب من حليف حزب الله جبران باسيل، إلى درجة أن حزب القوات اللبنانية يرفض فكرة ترشيحه، كما يرفضه آخرون في المعارضة.

وقدم أزعور تعهدا صريحا لحزب الله بأنه لن يمس سلاح المقاومة، ولن يطرح مشروعا لإستراتيجية دفاعية يعتبرها حزب الله تهديدا له، ويتكفل بحماية ظهر المقاومة، وأن برنامجه سوف يقتصر على إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية. ولكن حزب الله رفض العرض، وتمسك بدعم فرنجية قائلا إن الحل في لبنان ليس اقتصاديا فقط وإنما هو سياسي أيضا.

ومع تمسك المعارضة اللبنانية برفض ترشيح فرنجية، فإن هذا الأمر يكشف عن أن الأطراف السياسية تخوض، من حيث تدري أو لا تدري، معركة “كسر عظم” فيما بينها. وهي معركة لا تنظر إلى واقع البلاد الاقتصادي. فكل ما يريده حزب الله هو رئيس على غرار ميشال عون، يوفر ضمانات سياسية له، حتى ولو انساقت البلاد إلى جهنم، كما هو الحال الراهن.

أزمة 1952
إحدى المقاربات تضمن أن يتولى فرنجية الرئاسة كضمانة لحزب الله، بينما يتولى تمام سلام رئاسة الحكومة كضمانة لتنفيذ الإصلاحات. ويقول مراقبون إن خلية متابعة الأزمة في الإليزيه هي التي طرحت الفكرة على السعودية لكن الرياض رفضتها “تمسكا منها بعدم الخوض في الملف اللبناني”.

وهذه الأجواء تشير إلى أن البلاد سائرة إلى الانهيار التام باعتباره نتيجة طبيعية للاستعصاء السياسي من ناحية، وللإفلاس الاقتصادي من ناحية ثانية، وللاحتجاجات الشعبية من ناحية ثالثة.

وهو ما لا يُبقي إلا قوة واحدة هي الجيش، يمكنها أن تعيد البلاد إلى الوقوف على قدميها من جديد، باستعادة المؤسسات الدستورية واستعادة سلطة القانون ووقف الفوضى.

وهناك أزمة أقل حدة من الأزمة الراهنة حدثت في العام 1952 بعد استقالة الرئيس بشارة الخوري، الذي كلف الجنرال فؤاد شهاب بقيادة حكومة عسكرية مؤقتة. وعلى الرغم من أن الجنرال شهاب انسحب سريعا بعد انتخاب الرئيس كميل شمعون للرئاسة، ثم استقال من وزارة الدفاع ليبقى متفرغا لقيادة الجيش، إلا أن الأزمة الإقليمية التي اندلعت في العام 1958 مع سقوط الملكية في العراق وانقسام اللبنانيين بين مؤيد للأميركيين ومؤيد لجمال عبدالناصر، دفعت إلى استقالة شمعون، ليتم انتخاب شهاب رئيسا، فبدأ ببرنامج إصلاحات اقتصادية واجتماعية، وتبنى موقف وسطا في السياسات الإقليمية، مهد له السبيل ليعيد البلاد إلى نصاب الاستقرار، وآثر أن يستقيل في العام 1962 ليُعيد المنصب إلى أهل السياسة، إلا أنه أجبر من قبل الغالبية النيابية على أن يستكمل ولايته. ورفض تجديدها.

ويخشى حزب الله الذي يدفع البلاد إلى حافة الهاوية، في الوقت نفسه، لأنها يمكن أن تسهم في خلق الظروف لـ”شهابية” جديدة.

ودعا نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله علي دعموش الأميركيين في خطبة الجمعة الماضية إلى رفع أيديهم عن لبنان، قائلا “إذا كنتم تريدون الحض على الفوضى والفتنة بين اللبنانيين مُجددا لتتمكنوا من فرض شروطكم السياسية على اللبنانيين فأنتم واهمون وستفشلون كما فشلتم فيما مضى ولن نسمح بالفتنة ويجب أن تيأسوا من أخذ البلد إلى الفوضى أو تأخذوا شيئًا من اللبنانيين تحت الضغط”.

وأطلق دعموش العنان لمخاوفه بمناسبة الزيارة التي قامت بها مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف إلى لبنان.

واجتمعت ليف مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وعدد آخر من المسؤولين اللبنانيين. وغادرت من دون الإدلاء بتصريحات، لأن الأفق السياسي بدا لها منسدّا، على نحو لن ترثه إلا الفوضى.

ولم تعد الأجواء المحمومة في البلاد تقتصر على 90 في المئة من الذين شملهم الفقر، وإنما وصلت إلى الجيش نفسه، عندما قرر المصرف المركزي الأسبوع الماضي تغيير أسعار الصرف، فانخفضت قيمة رواتب العسكريين وقوى الأمن الداخلي ومتقاعديهم بمقدار الثلثين تقريبا. وهو ما يعني أن الجيش أصبح في قلب الأزمة، وأحد آخر ضحاياها.

ولكن في خضم عاصفة الفوضى العارمة المقبلة، قد لا يجد قائد الجيش العماد جوزيف عون مفرا من تحمل المسؤولية، راغبا كان أم متوجّسا.

العرب

مقالات ذات صلة