كَبرت كُرة ثلج “التوقيتين”… وميقاتي مُعتكِف و”زعلان”!
لم يَجد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طريقة للخروج من المأزق الذي وَضَع نفسه فيه إلا… بالاعتكاف!
كَبرت كُرة ثلج “التوقيتين” إلى حدٍّ قد يقود ميقاتي، وفق مصدر مطّلع، إلى “الاعتكاف عن الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء إلى حين انتخاب رئيس جمهورية. قد تكون خطوة أولى أو نهائية بهذا الاتجاه. فالرجل عبّر عن زَعَلِه وقرّر الردّ على طريقته”.
ما هو موقف برّي؟
كان لافتاً في هذا السياق أنّ مقدّمة NBN المحسوبة على الرئيس نبيه برّي لم تشِر في مقدّمتها التلفزيونية مساء السبت إلى “إعصار التوقيت”، مؤكّدة في الوقت نفسه موعد “جلسة مجلس الوزراء اليوم حيث يفترض إقرار زيادات على مستوى التقديمات الاجتماعية”.
بالتزامن كشف وزير الثقافة محمد وسام مرتضى أنّ ميقاتي “قد يدعو إلى عقد جلسة للحكومة الخميس المقبل أو في وقت قريب، لبحث مسألة التوقيت الصيفي. وقد يشمّل ذلك المخرج للورطة التي أوقع ميقاتي نفسه فيها!
سريعاً قوطَبَ العونيون على القرار الضمنيّ لميقاتي، والذي وَصَفه قريبون منه بـ”تسجيل اعتراض”، من خلال تغريدة لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب قال فيها: “إذا كنت عم بتفكّر يا دولة الرئيس بما أظنّ أنّك تفكّر فيه، فحسناً تفعل، ومن الأفضل وقف هكذا تصريف للأعمال لم يأتِ إلا بالشرخ والبهدلة للّبنانيين”، متّهماً ميقاتي مع تحييد الرئيس برّي بـ”تقسيم البلد طائفياً”.
إلغاء الجلسة لا تأجيلها
بدت لافتةً في البيان الذي صدر عن رئاسة الحكومة الإشارة إلى إلغاء لا تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة اليوم وعلى جدول أعمالها بند شبه وحيد هو إقرار مشروعَيْ مرسوم يتناول أوّلهما تعويض إنتاجية لموظّفي الإدارات والمؤسّسات العامّة ومقدّمي الخدمات الفنّية والأسلاك العسكرية عن أيام العمل الفعلي وفق سعر منصة صيرفة، ويتضمّن الثاني تعديل بدل النقل الذي يُحتسب بليترات البنزين وفق معدّل وسطي شهري.
تجدر الإشارة إلى أنّ بعض الوزراء في حكومة ميقاتي عبّروا صراحة عن عدم التزامهم بالقرار الذي صدر عن الأمانة العامّة لمجلس الوزراء وينصّ على تمديد العمل بالتوقيت الشتوي، وهو ما كان سيؤدّي إلى مشهد غير مألوف في تاريخ الحكومات، إذ سيحضر وزراء إلى الجلسة “بِفَرق ساعة” عن الوقت المُحدّد، والأهمّ أنّ نصف الوزراء تقريباً لن يلتزموا أصلاً بتوقيت “ميقاتي- برّي” خلال عملهم في وزاراتهم. في هذا السياق تفيد المعطيات أنّ قرار إلغاء جلسة مجلس الوزراء قد صدر تفادياً لاحتمال عدم اكتمال النصاب.
وقد شكّل موقف وزير التربية عباس الحلبي المحسوب على النائب وليد جنبلاط الضربة الأقوى لقرار السراي إذ اعتبر في بيان أصدره أمس أنّ “قرار مجلس الوزراء المتعلّق باعتماد التوقيت الصيفي يبقى سارياً ما لم يتمّ تعديله في جلسة لمجلس الوزراء، وأنّ التوقيت الصيفي في المدارس والمهنيات والجامعات يبقى معتمداً على قاعدة شرعية القرار وتأكيد وحدة أهل التربية، فلا يجوز أن نترك المؤسسات التربوية والمهنية والجامعية في حيرة من أمرها، والأهل على غير هدى لجهة أي ساعة يتوجه أولادهم إلى المدارس”.
لكن وزير التربية وبعدما تبلّغ من الرئيس ميقاتي ليل أمس توجّهه للدعوة لجلسة لمجلس الوزراء للبحث بموضوع التوقيت الصيفي عاد وترك للمسؤولين عن المدارس والمهنيات والجامعات الرسمية والخاصة حرية اختيار وقت فتح مدارسهم ومؤسساتهم اليوم.
في المقابل علم “أساس” أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون أصدر يوم السبت تعميماً داخلياً طلب فيه من القطاعات العسكرية “الالتزام بتعميم رئاسة مجلس الوزراء في ما يتعلق بتحديد التوقيت الصيفي بحيث يبقى التوقيت كما هو عليه”.
جمّع ميقاتي مآخذه المتراكمة نتيجة مواقف القوى المسيحية الرافضة لانعقاد جلسة مجلس الوزراء والتي تتّهمه بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال إصدار مراسيم بثلاثة تواقيع لرئيس الحكومة، وأضافَ إليها ما سمّاه “محاولة جرّ البلاد إلى انقسام طائفي لتأجيج الصراعات، وإعطاء إجراء إداري بحت منحى طائفياً بغيضاً”، ليذهب باتّجاه إعلان أول عصيان وزاري منذ صدور مراسيم تشكيل حكومته في أيلول 2021.
إلى ذلك اتّهم ميقاتي “قيادات وطنية وسياسية بجرّ البلاد نحو انقسام طائفي بدلاً من أخذ المواقف والتحذيرات الدولية من خطورة الأوضاع بالاعتبار والتوحُّد على إتمام المعالجات المطلوبة، وتفعيل اجتماعات الطوارئ ومناقشة كيفية الخروج من المخاطر التي عبّر عنها صندوق النقد الدولي”، قائلاً: “أمام النواب والقيادات السياسية والروحية المَعنيّة مسؤولية انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة. فليتحمّل كلّ طرف مسؤوليّته. وللبحث صلة”.
فعليّاً صبّ ميقاتي، المغضوب عليه أصلاً، الزيت على “نار” حكومته حين ارتضى أن يكون المُنفّذ لرغبة صديقه الرئيس نبيه برّي، في جلسة دردشة في عين التينة تقصّد الرجلان تسريبها “لايف”، بإخراج لبنان بشحطة قلم من نظام التوقيت العالمي بعد خروجه منذ سنوات من النظام العالمي الماليّ، وعبر الإصرار على اتّخاذ بعض القرارات بمنطق “الدكّانة”.
الأرجح أنّه لم يكن أحد من اللبنانيين ليُجادل في حقّ الصائم أن يستفيد من ساعة بالناقص في “النقلة” بين التوقيتين الشتوي والصيفي لو اتُّخذ القرار بروح من المسؤولية تفترض الأخذ بالاعتبار حساسية القرار و”طبخه” قبل أشهر من إصدار القرار النهائي بالإبقاء على التوقيت الشتوي طوال شهر رمضان، واتّباع الأصول القانونية التي تجنِّب لبنان المُنهار مزيداً من “الجرصة” الدولية التي تتجاوز الإرباكات على مستوى الطيران العالمي ومطار بيروت إلى إرباك وضياع في كل تفصيل مرتبط بتوقيت الساعة وصولاً إلى “مدارس الأولاد” وحضور الموظفين إلى مكاتبهم وساعات تشغيل وإطفاء الموتورات والتعدّي على النظم العالمية الموصولة بأجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية. حتى السفارات العربية والأجنبية العاملة في لبنان والبعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج لم تتمكّن من الالتزام بقرار تمديد العمل بالتوقيت الشتوي.
حصار ميقاتي
هكذا حوصر ميقاتي خلال ساعات من جميع الجهات: الأحزاب المسيحية، والرأي العامّ بكلّ طوائفه، وبكركي ومطرانية الروم الأرثوذكس، والمدارس الكاثوليكية، ومعظم وسائل الإعلام، وانفرزت النقابات والقطاعات والجمعيات والمؤسّسات بين مؤيّد ورافض لقرار رئيس مجلس الوزراء الذي صدر قبل أن يقطع ميقاتي المسافة بين عين التينة والسراي.
هذا وكانت لكلام النائب جبران باسيل أمس خلال عشاء التيار الوطني الحر ارتداداته بعد قوله: “نحن منمشي على توقيتنا وعلى التوقيت العالمي ووقت المتطوّرين وليس على وقت المتخلّفين والرجعيين”، إذ أجّج السجال الطائفي أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع العلم أنّ باسيل أكّد أنّ “المَشكَل غير طائفي، لكنّ سياسة العنجهية والتسلّط هي التي تريد فَصلنا حتى عن محيطنا العربي الذي يعتمد التوقيت الصيفي”.
وليلاً انتشرت أخبار عن احتمال توجيه ميقاتي دعوة اليوم لعقد جلسة مجلس الوزراء، بعد الخلاف حول التوقيت الصيفي والشتوي، الذي أخذ منحىً طائفياً حادّاً.
ملاك عقيل – اساس