اهتمام شخصي من الأسد بلبنان: “نوستالجيا” الوصاية وأحلام النفوذ!
تحاول قوى الثامن من آذار والفريق الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية تعزيز رجحان ميزانها، بالاستناد إلى ما يحكى عن تطورات على خطً العلاقات بين دول خليجية وسوريا. وآخرها ما جرى تسريبه عن معطيات حول إعادة فتح السفارات بين البلدين. إلا أن مصادر متابعة تكشف أن ما تم التوصل إليه، يتعلق بإعادة فتح مكاتب تمثيلية في القنصليات، لتسهيل شؤون المواطنين ومواكبة موسم الحج.
اختبار المخدرات
لا شك أن هذا يمثل تطوراً في العلاقة، ويؤشر إلى وجود مسار سياسي مفتوح. وتشير المصادر المتابعة إلى أن هذا المسار لا يزال عند الشروط الواضحة التي كانت “المدن” أول من نشرها قبل فترة، تحت عنوان: “عشرة شروط سعودية للأسد”. وتؤكد المعلومات، أن خطوة الاتفاق على فتح القنصليات جاءت بعد لقاءات عديدة حصلت بين مسؤولين سوريين وسعوديين في الفترة الأخيرة. كما تكشف مصادر متابعة أن إيران كانت مطلعة ومشاركة في جزء منها.
وتضيف المصادر المتابعة، أن هذا التطور يندرج في سياق الاختبار أيضاً لتعهدات قدمها النظام السوري بوقف ومنع تهريب المخدرات إلى الأردن، ومنه إلى الدول العربية ولا سيما السعودية. وتؤكد المصادر أن مسألة عودة العلاقات السياسية بشكل كامل لا تزال معقدة، وهي لا بد أن تمر من الاتفاق على حلّ سياسي للأزمة السورية. وتفيد المصادر أن هناك توافقاً سعودياً قطرياً حول هذا الأمر وكذلك مع الدول العربية الأخرى. وحتى خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، كان رئيس دولة الإمارات واضحاً في موقفه حول ضرورة حلّ الأزمة ومعالجة ملف اللاجئين وعودتهم. وتشدد المصادر المتابعة أن أي حل لا بد له أن يكون منسجماً مع بيان اجتماع مجلس التعاون الخليجي، الذي نص على ضرورة إيجاد حلّ سياسي وفق القرارات الدولية والذهاب إلى مرحلة إنتقالية.
هنا تعتبر المصادر أن ما يجري هو جزء من عودة السعودية إلى المسرح السوري عبر هذه البوابة والتي ستكون بحاجة إلى مسار طويل.
في هذا السياق، لا تزال الرهانات لدى أطراف لبنانية قائمة على انعكاس هذه التطورات على الواقع الداخلي وخصوصاً انتخابات رئاسة الجمهورية، وهنا تبرز مواقف لأربع قوى داخلية وخارجية تدعم بمواقفها ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. داخلياً، فإن المعركة فتحها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ودعمها ودفعها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. أما خارجياً، فإن الموقف الفرنسي يمثّل دفعاً قوياً لصالح موقف الثنائي الشيعي، فيما الطرف الرابع، على حدّ قول قوى الثامن من آذار، هو الرئيس السوري بشار الأسد، نظراً للعلاقة التاريخية والشخصية والثقة المطلقة برئيس تيار المردة.
أسباب برّي الكثيرة
لكل طرف من هذه الأطراف مقاربته، وخلفيته في دعم فرنجية رئاسياً.
لرئيس مجلس النواب مواقف معلنة ومعروفة، تتعلق بتمسك فرنجية باتفاق الطائف، وبأنه عروبي قادر على تحسين العلاقات داخلياً وخارجياً، وقادر على الجمع بدلاً من التفريق، وقادر على التخفيف من حدة التوتر السياسي والطائفي في البلاد. ولذلك، يخوض برّي معركة رئيس تيار المردة، ويقول إنه لا يريد الذهاب إلى أي تسوية من دون الاتفاق مع السعودية، ومن دون رضاها، على الرغم من إشارته إلى عدم الاتفاق مع السفير السعودي وليد البخاري حول المقاربة الرئاسية. كلام بري يؤكد ما كانت قد نشرته “المدن” عن اللقاء بين رئيس المجلس والسفير السعودي تحت عنوان: “برّي للبخاري: لا أرضى بتسوية بلا موافقة سعودية”. خصوم رئيس المجلس يعتبرون أن تمسكه بفرنجية له مجموعة أسباب. أولها، مفعول رجعي لترشيح العام 2015. وثانيها، لإعادة تثبيت آلية تكوين السلطة، وثالثها، تثبيت خطّ الدفاع عن المنظومة كردّ على كل الهجمات التي تعرض لها رئيس حركة أمل.
حسابات حزب الله
أما لدى حزب الله، فهناك حسابات أخرى، أهمها ما قاله نصرالله علانية بأن الحزب لا يريد رئيساً يطعن ظهر المقاومة. وهذا يعني أن الحزب لا يريد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان. كما أن الحزب لديه علاقة تحالفية مبنية على الثقة مع فرنجية. وبالتالي، هو لا يريد تقديم أي تنازل في هذا المجال، لا سيما أن كل المكاسب التي حققها سابقاً في المنطقة وفي لبنان لن يكون من السهل التخلي عنها.
كذلك، يعتبر الحزب أن له حصة أساسية في عملية تكوين السلطة. وبالتالي، لا يمكن له الموافقة على مجيء رئيس للجمهورية يتعارض مع توجهاته أو لا يكون حاملاً لضمانة. لذا، يخوض نصرالله معركته على قاعدة ضرورة حلّ الأزمة الرئاسية داخلياً، وعدم الرهان على الخارج. ولذلك هو يؤكد أن الاتفاق السعودي الإيراني لم يأت على مناقشة الملف اللبناني. يحاول بذلك أن يتحكم بقواعد اللعبة داخلياً، على قاعدة الأخذ والعطاء. وهو لا يزال يخوض هذه المعركة بهدوء وواقعية، منذ ما قبل الإعلان عن الاتفاق وإلى ما بعده، على قاعدة ضرورة التحاور والتفاهم الداخلي. فبذلك يحاول قطع الطريق على أي متغير خارجي. على الرغم من إدراك الحزب لمسألتين أساسيتين، الأولى صعوبة وصول فرنجية، والثانية الموقف السعودي في رفض وصوله. وهو ما أدى إلى خلاف سعودي فرنسي.
مقايضات فرنسا
فرنسياً، فإن الأسباب التي تدفع باريس إلى الاستمرار في تبني خيار رئيس تيار المردة أصبحت معروفة. منها ما له علاقة سياسياً بحرص باريس على التواصل مع كل القوى، وإنتاج تسوية متوازنة على قاعدة المقايضة. وبعضها الآخر امتدادات داخلية وخارجية لهذا الموقف، ربطاً بمصالح داخل لبنان وامتداداً إلى سوريا مستقبلاً. ولا يزال الموقف الفرنسي مستمراً على حاله بعد الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني.
موقف سوريا
بقي موقف الطرف الرابع، والذي يبدو أنه ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار وإلى فرنجية بالذات، وهو موقف سوريا من هذه المسألة. قراءة الطالع تقود إلى أن ارتياح فرنجية وفريقه لمسار الأمور، يرتبط بالتطورات الحاصلة تجاه سوريا، تحت سقف الاتفاق السعودي الإيراني، وإنطلاقاً من الرهان على تغير الأحوال وانقلاب الأوضاع في المنطقة، من خلال الانفتاح العربي ولا سيما الخليجي على دمشق، وباعتبار أن هذا الامر سيصب في صالح فرنجية. خصوصاً أن العرب العائدين إلى الشام يريدون تسليف مواقف ومكاسب سياسية للنظام السوري. وهو أمر يخالفه خصوم دمشق وخصوم فرنجية.
بالاستناد إلى هذه القراءة، فإن مبعث الإطمئنان يعود إلى جملة مواقف- حسب ما يعتبر المؤيدون لفرنجية- منها أن روسيا تؤيد انتخابه، وكذلك إيران وبطبيعة الحال النظام السوري. ويعول هؤلاء على أدوار سيلعبها الأسد في ضوء تطورات علاقاته العربية والخليجية. لا سيما بعد زيارته إلى سلطنة عمان وإلى دولة الإمارات، كما بعد زيارته إلى روسيا. ولا ينفصل ذلك عن الحديث المتكاثر حول التطورات في العلاقات السعودية السورية.
دفع ثمن أم تلقي هدايا
يعزز هؤلاء وجهة نظرهم بما ينقلونه عن اهتمام الأسد الشخصي بمتابعة الملف اللبناني ومواكبته بشكل تفصيلي. كما يستندون على ما ينقل عن تشكيل الأسد لفريق عمل ثلاثي لمواكبة الملف اللبناني واتخاذ القرار بشأنه. إذ أن الأسد كلف إلى جانب اللواء علي مملوك في متابعة ملف لبنان السفير السابق علي عبد الكريم علي، والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان. يشبه فريق العمل هذا بفريق العمل السابق الذي كان يدير الملف اللبناني أيام الوصاية السورية، والذي كان يضم غازي كنعان، اللواء حكمت الشهابي ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.
ولكن بخلاف وجهة النظر هذه، هناك من يعتبر أن سعي الأسد لتطبيع علاقاته الثنائية مع دول عربية أو للعودة إلى الجامعة العربية، لا بد له أن ينطوي على دفع ثمن سياسي وليس تقاضي الأثمان أو الهدايا. هنا، يراهن هؤلاء على أن الأسد قد يطلب من فرنجية بدافع العلاقة الشخصية أن ينسحب من السباق الرئاسي. في كل الأحوال تبقى كل هذه القراءات والمواقف تنطوي على مزيج من القراءة السياسية والتمنيات. فيما المخرج الرئاسي لا بد له أن يتوفر من مسألتين. نجاح بكركي بالقدرة على الخروج بموقف مسيحي داعم لشخصية معينة يمكن للآخرين أن يوافقوا عليها. أو حصول تطورات خارجية تدفع الساحة الداخلية إلى السير بشكل جدي نحو إنتاج تسوية. في كل الحالات، فهذا سيكون بحاجة إلى توافق مع حزب الله وحركة أمل، سواء كان على فرنجية أو غيره.
منير الربيع – المدن