بعد أن “خلعه” حليفَه وحليف حليفِه: جبران “الفاضي”… بيعمل قاضي!
بعد أن “خلعه” حليفَه وحليف حليفِه، وقضيا على آماله الرئاسية، يبدو أن رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل بات “فاضي” الأشغال، وهو يؤكد ما كان يقوله عنه بعض “الخبثاء”، من أنه مجرد بيدق من بيادق اللعبة السياسية التي يديرها حليفه في تفاهم مار مخايل “حزب الله”، وأن دوره قد إنتهى بخروج ولي نعمته من قصر بعبدا، ليكون بذلك الحزب قد أوفى بإلتزاماته معه مقابل الخدمات السياسية التي قدمها طيلة السنين الماضية.
المهم ومهما يكن من أمر، يحضرني في هذه الظروف مثل شعبي طريف ومعروف، ينطبق اليوم أكثر ما ينطبق على جبران باسيل وتصرفاته، ويقول إن “الفاضي بيعمل قاضي”، وكأني اليوم بجبران باسيل يطبِّق هذا المثل بحذافيره من خلال تصريحاته المسموعة و”تغريداته” المكتوبة، إذ لم يعد يجد من أحد أمامه ليمارس دور القاضي عليه سوى الرئيس نجيب ميقاتي، بصفته رئيس الحكومة التي لا يعترف بها جبران أصلاً، ومع ذلك يصر على محاكمتها ورئيسها يومياً. فالحكومة في نظره فاقدة للشرعية وممنوع عليها الاجتماع لتسيير شؤون الناس، ورئيسها منتحل صفة ويسطو على صلاحيات رئيس الجمهورية التي كان دائم الشكوى هو و”ولي نعمته”، من أنها غير موجودة أصلاً أو ضعيفة، لذلك “ما خلوه” يشتغل طوال ست سنوات ضاعت من عمر البلد والناس وأوصلتهم إلى جهنم.
جبران هذا “ما غيرو”، يطالب رئيس الحكومة الذي هو من وجهة نظره السياسية الثاقبة “منتحل الصفة”، على الرغم من إستقبال البطريرك بشارة الراعي له مؤخراً، ولقائه بابا روما قريباً – وهذا ما أدخله في نوبة هستيريا جديدة على ما يبدو – يطالبه بضرورة توقيع مرسوم التجنيس الذي “أنجزه” ولي نعمته قبل خروجه من القصر، ويتهمه برفض التوقيع من منطلق طائفي، لأن المرسوم يضم عدداً من المسيحيين يفوق أعداد المسلمين. جبران هذا ينسى أو يتناسى، أنه وولي نعمته رفضا توقيع قرارات التعيين لعشرات المواطنين ممن نجحوا للعمل في وظائف عادية كحراس أحراج مثلاً، وظائف ليست من الفئة الأولى ولا يشملها التوزيع الطائفي غير العادل أصلاً، فقط لأن المسلمين في قرارات التعيين هذه كانوا أكثر من المسيحيين، وبهذا يكون جبران باسيل يحمِّل المواطن المسلم الفقير والبسيط الساعي وراء لقمة عيشه، وزر عدم تقدم المواطن المسيحي لشغل هذه الوظائف والتي قد لا تكون من طموحات هذا المواطن أصلاً. نقول هذا ليس دفاعاً عن المواطنين المسلمين كمسلمين، لأننا أصلاً ضد هذا المنطق الطائفي سواء في التوظيف أو حتى في المناصب السياسية والسيادية، فطموحنا وأحلامنا تتخطى هذا الهراء الطائفي، إلى دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون أمام القانون بغض النظر عن طائفتهم ومذهبهم الديني أو السياسي، إنما نقول هذا لنفنِّد ترهات هذا الرجل الذي لا يجد اليوم في عزلته سوى لغة التحريض الطائفي والنفخ في نار الفتنة، سبيلاً للعودة إلى الأضواء، وآخر ما تفتقت عنه عبقريته الفتنوية هو إعادة الحديث عن تقسيم بلدية بيروت، تمهيداً ربما لتقسيم البلد تحت شعار الفديرالية، في إستعادة وإستنهاض لأفكار وأوهام قادت المسيحيين قبل غيرهم إلى جحيم الحروب، يحاول اليوم إستعادتها لتعويم نفسه، ولو أدى هذا الأمر إلى “شق قلب” بيروت إلى شطرين.
يحدث هذا والبلد يسقط أكثر وأكثر في لجة الفراغ، والليرة تتهاوى بسرعة فائقة بحيث دخلت اليوم مرحلة الأصفار الخمسة، والمواطن بات يجد “راحته” الوحيدة في الانتحار، والجمود القاتل يسيطر على الحياة السياسية في البلد، ترجمة لفشل هذه الطبقة السياسية التي ينتمي إليها ويرى في نفسه ويسعى دائماً ليكون على رأسها، فشلها في إستنباط الحلول اللازمة، حيث لا مبادرات خلاقة ولا جهود تُبذل للمعالجة، هناك فقط هروب إلى الأمام خصوصاً منه هو المعاقب دولياً بتهم الفساد، والمنبوذ داخلياً بحيث لم يترك لنفسه صاحباً كما يقال، نتيجة غروره وعنجهيته، هروب عبر التجييش والتحريض الطائفي البغيض في مواجهة خصومه وشركائه في الوطن، وعبر التضليل السياسي وقلب الحقائق في داخل بيئته الطائفية، تحريض وتضليل لا ينِّمان إلا عن فشل وفراغ فكري وسياسي وأخلاقي بالدرجة الأولى، يقوم به شخص يرى الوطن والدولة من خلال نفسه فقط، على طريقة أنا الدولة والدولة أنا.
ويحدث هذا أيضاً في وقت يتجه الوضع في المنطقة نحو الانفراج النسبي، وهو ما ظهرت بوادره في الاتفاق الايراني – السعودي الذي يؤمل أن يكون فاتحة خير للبلدين وللمنطقة إذا ما خلُصت النيات، وهو تطور قد لا يكون وقعه حسناً عليه، لأنه سيُظهر حجمه الحقيقي الذي تضخَّم في السنوات الماضية، جراء اللعب على التناقضات والاستغلال الرخيص للخلافات بين مكوِّنين من مكونات الوطن، ولأنه كذلك يثبت أنه يسير في الاتجاه المعاكس لتطورات المنطقة، ولمنطق العقل والحوار والاعتدال البنَّاء، كما سار ولي نعمته قبل أكثر من 30 عاماً، على رأس نصف حكومة عسكرية فكانت النتيجة مأساة خلَّفت خراباً ودماراً على لبنان عموماً والمسيحيين خصوصاً، قادا بعدها إلى وصاية ظالمة على لبنان، لم تنتهِ إلا بثمن غالٍ دفعه البلد من دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الأبرار. فهل يعيد التاريخ نفسه، ولكن هذه المرة على شكل مهزلة على يد شخص إسمه جبران باسيل يترأس حالة إسمها “التيار الوطني الحر”؟
ياسين شبلي- لبنان الكبير