انطلقت معركة فرنجية: لا «خطة ب» ولا «خطة ج»… والشغور طويل جدا!
في البحث عن حيثيات توقيت اندفاعة رئيس مجلس النواب نبيه بري لترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، لا يجوز إهمال الواقع الاستفزازي الذي كان يتعرّض له رئيس المجلس من جانب الكتل المعارضة، من باب حشره في زاوية فكّ أسر البرلمان والدفع باتجاه عقد جلسات انتخابية بعدما توقّف عدّادها عند الرقم 11.
بري أطلق المعركة. الأكيد أنّها ليست من باب حرق سليمان فرنجية أو إنهاكه. فالرجل لم يُسقط اسمه في الصندوقة الرئاسية ولم يعلن بعد أنّه مرشح، ولو أنّه كذلك منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ويتصرف الثنائي الشيعي مع هذا الواقع على أنّ رئيس «تيار المردة» هو الأكثر الأسماء جدية، وقرباً من نصاب الـ65 صوتاً. ولكن الأكيد أيضاً، أنّه بحدفة رئيس المجلس، من خلال الإشهار الواضع والصريح لورقة القطب الزغرتاوي، أصاب أكثر من عصفور بحجره.
والأرجح أنّ واحداً من تلك العصافير المستهدفة بحجر بري، هو حماية موقعه من تصويب المعارضين الذين يحمّلونه مسؤولية إقفال البرلمان والإحجام عن استئناف الجلسات الانتخابية. نجح رئيس المجلس في استفزاز الآخرين من خلال تسريع وتيرة عمل ماكينة سليمان فرنجية والدفع باتجاه تأمين الـ65 صوتاً «حتى من دون مشاركة الكتلتين المسيحيتين» كما قال مساعده النائب علي حسن خليل.
وبالفعل، ما كادت أصداء مساعي بري في استقطاب الكتل والنواب المترددين، لضمّهم إلى ضفّة مؤيدي فرنجية، تصل إلى مسامع الآخرين حتى سارعت الكتل المسيحية إلى إشهار سلاح التعطيل. رئيس حزب الكتائب سامي الجميل كان أول من لوّح باستخدام هذا السلاح، ثم انضم رئيس حزب القوات سمير جعجع إلى الجبهة المقاطعة… هكذا، باتت كرة التعطيل في ملعب الكتل المسيحية، ومع إطلاق سراح ترشيح فرنجية، يقول بري لمتهميه بإقفال المجلس: نحن جاهزون، وأنتم تعطلون!
ومع ذلك، يحتلّ هذا الاعتبار واحداً من جدول أعمال العوامل التي سرّعت في إعلان بري ترشيح فرنجية خصوصاً وأنّ الاتفاق بين الثلاثي أي بري، فرنجية و»الحزب» محسوم ومبرم ولا تراجع عنه أو حوله. ثمة اتفاق مسبق لكيفية إدارة المعركة، لكن يبدو أنّ بري هو الذي تحكّم بالتوقيت. ومع ذلك، لم تعد الأسباب أو حيثيات هذا التوقيت مهمة لأنّ الإعلان من جانب الثنائي فرض أيقاعاً جديداً وواقعاً جديداً، له تبعاته وتداعياته.
بالتوازي، يقوم فرنجية بـDevoir من دون ضجيج أو ضوضاء. هو بالأساس ليس من متقني فن الاستعراضات ولا يحبها، وهو من عاشقي الوقوف خلف الكاميرات وليس أمامها. ولهذا يخوض معركته على طريقته الخاصة. ولا يشغل باله بأي لقب سيقدم نفسه: «مطروح للرئاسة» أم «مرشح طبيعي» أم مرشح فقط؟ لا يهم. المهم بنظره النتيجة، وبأنّ معركته تقوم على أساس مشروع انقاذي لا لإدارة الأزمة وانهياراتها. وعلى هذا الأساس يسعى لتسوية تأتي به رئيساً ضمن جلسة ميثاقية يؤمنها أكثر من 86 نائباً، سيشارك فيها بالحدّ الأدنى 22 نائباً مسيحياً، ما يعني تمتعها بغطاء الميثاقية.
قد تكون مبادرة الثنائي أضرّت «في الشكل» بالمعركة، خصوصاً وأنّها كانت موضع انتقاد في الأوساط المسيحية، لكن في المضمون، جاءت لتؤكد المؤكد: سليمان فرنجية مرشّح جدي، ولتقطع الشك باليقين، ولو أنّه يتصرف منذ مدّة على أنّ دعم الثنائي له مطلق، لا التباس حوله.
فعلياً، ليست المرة الأولى التي يكون فرنجية أكثر المرشحين جدية. في العام 2004 بلغت الرئاسة حلقه قبل ان يسحبها التمديد للرئيس اميل لحود. في العام 2014، بدا «رئيساً غير منتخب» لكنه رفض المشاركة في الجلسة الانتخابية انسجاماً مع موقف «حزب الله» فآلت الرئاسة إلى العماد ميشال عون. وفي كلا المرتين، لم تقارب ردة فعله حافة التمرّد على حلفائه أو الخروج من «خطّه» السياسي. هذه المرة مقتنع أنّه لا يُفترض أن تحول موانع حلفائه دون دعمه المطلق.
بهذا المعنى، لا تراه يترك للانفعال مطرحاً. ترك للإعلان المتتالي من جانب بري ونصر الله يأخذ مداه. له توقيته واعتباراته التي تملي عليه تحديد ساعة الاعلان.
هذا لا يعني أبداً أنه يترك خطاً لاحتمال الانسحاب ربطاً بالسيناريوات المشككة التي وضعت مبادرة الثنائي في إطار حرقه بحثاً عن مرشح ثالث. على ما يبدو، هذا الاحتمال ليس وارداً في حسابات فرنجية، فهو بالأساس لم يعلن بعد ترشيحه ليعلن انسحابه، وليس على استعداد لوضع هذه الورقة على الطاولة، واذا تأمن النصاب القانوني ونجحت أكثرية 65 نائباً في الاتفاق على انتخاب رئيس، فأهلاً بالرئيس الجديد. كما أنّ حيثية فرنجية النيابية لا تسمح له بأن يكون معطلاً لهكذا اتفاق. ما يعني أنّ كرة التعطيل ليست عنده، فلماذا يمنحهم ورقة الانسحاب؟
رسمياً، انطلقت معركة فرنجية حتى لو لم يقف بعد على المنبر ليعلنها. لا «خطة ب»، ولا «خطة ج». راهناً هو الشغور الطويل، والطويل جداً. ومن بعدها لكل حادث حديث.
كلير شكر- نداء الوطن