ترشيح الحزب لفرنجيّة مع تفاقم الاحتقان الأميركي – الإيراني: اللعب على حافة الهاوية!
مهما ازداد الكلام عن أنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو رهن التفاهمات الداخلية، فمن المستحيل عزل الأزمة الرئاسية عن التأزّم الدولي والإقليمي، الذي أخذ مساراً تصاعدياً منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما يجعل الأزمة اللبنانية جزءاً من أزمة أكبر.
والحال فقد شكّل دخول إيران ساحة الحرب تلك عبر تزويدها الجيش الروسي بالطائرات المسيّرة منعطفاً مفصليّاً في مسار المقاربة الأميركية والأوروبية للملف الإيراني، باعتبار أنّ التهديد الأمني والعسكري الإيراني لم يعد موجّهاً وحسب ضدّ حلفاء الغرب في المنطقة وضدّ القوّات والمصالح الأميركية فيها، بل انتقل إلى قلب أوروبا.
هذا أمرٌ جعل التعاطي الغربي مع طهران ينحو نحو مزيد من التشدّد، خصوصاً في ظلّ التطوّر المطّرد للتعاون العسكري بينها وبين موسكو، وهو ما يخلق تحدّياً استراتيجياً أساسياً للغرب، وبالأخص لأميركا كما عبّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال زيارته العراق الثلاثاء.
تشدّد أميركيّ
والحال فإنّ هذا التشدّد يُترجَمُ في تكثيف المسؤولين الأميركيين زياراتهم للمنطقة، وآخرهم وزير الدفاع الذي سيبحث دور إيران في مساعدة روسيا بما له من ارتباط بملفّها النووي، بحسب ما أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية. هذا فضلاً عن توسيع واشنطن تنسيقها العسكري مع حلفائها التقليديين في المنطقة لمواجهة التهديدات الإيرانية. وكان الجيشان الأميركي والإسرائيلي قد أجريا تدريبات مشتركة في كانون الثاني الماضي اعتُبرت الأهمّ بينهما، وسيُجري الجيشان السعودي والأميركي تدريبات مشتركة في الأسبوع الأخير من آذار. ويعمل البنتاغون على وضع خطة طارئة للحرب ضدّ طهران.
تأتي هذه الدينامية الأميركية الجديدة في التعامل مع الملفّ الإيراني في وقت تواصل طهران تصعيدها النووي بعد اكتشاف جزيئات من اليورانيوم المخصّب بنسبة تدنو من 84 في المئة في منشأة فوردو، وهو ما يعني أنّ إيران اقتربت كثيراً من نسبة التسعين في المئة التي تمكّنها من إنتاج سلاح نووي، حتّى إنّ مسؤولاً أميركياً قال إنّها تحتاج إلى 12 يوماً وحسب لإنتاجه.
حافة الهاوية
من الواضح أنّ إيران تنتهج سياسة حافة الهاوية في الملف النووي، وتواصل تحدّي الخطوط الحمر الغربية والإسرائيلية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى القول إنّ هناك ضرورة لتغيير المعادلات في التعامل معها وتنفيذ ضربة عسكرية لها. وإذا كان من المستبعد حتّى الآن أن تقدم واشنطن على ضرب أهداف إيرانية بصورة مباشرة، فإنّ هذا الواقع الجديد يؤمّن غطاء أميركياً أكبر للضربات الإسرائيلية ضدّ طهران، سواء في سوريا أو في الداخل الإيراني، وهو ما جعل طهران تنفّذ أخيراً مناورات دفاعية تحسّباً لأيّ هجومٍ على مواقع داخلها.
لكن في المقابل فإنّ إيران تجنّبت إدانة دولية لها بسبب تصعيدها النووي من قبل مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي انعقد الإثنين، وذلك بعد إبرامها مع الأمين العام للوكالة رافائيل غروسي نهاية الأسبوع الماضي اتفاقاً أحاط لغطٌ بطبيعته بعد نفي طهران تصريحات غروسي بشأنه، وهو ما يشير في نهاية الأمر إلى استمرار إيران في المناورة بشأن برنامجها النووي.
تأزّم مزدوج
يفاقم كلّ ذلك من تأزّم الوضع الإقليمي ويعزّز اليقين بتعذّر عزل الاستحقاق الرئاسي المتعثّر عن تعقيدات التطوّرات في المنطقة. وهنا ثمّة سؤال أساسي عن احتمالات انسحاب سياسة حافة الهاوية النووية التي تعتمدها إيران على مقاربتها للملف الرئاسي اللبناني. بعبارات أخرى، هل إعلان حزب الله دعمه ترشيح سليمان فرنجية يعكس اتجاه الحزب إلى اللعب على حافة الهاوية رئاسياً كارتداد مباشر للعب إيران على حافة الهاوية النووية؟
من حيث التوقيت لا يمكن تجاهل تزامن ترشيح الحزب لرئيس تيار المردة مع تفاقم الاحتقان الأميركي – الإيراني في المنطقة الذي لاقى صدى في واشنطن من خلال دفعها باتجاه فرملة بوادر الانفتاح العربي تجاه النظام السوري الحليف الوثيق لطهران، سواء بزيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي للقاعدة العسكرية لبلاده في شرق سوريا أو باتهام نظام بشار الأسد بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. وهو انفتاح كان أفرقاء 8 آذار، ولا سيّما الرئيس نبيه برّي، قد بدأوا بالرهان عليه باعتبار أنّ “النهج الجديد” في العلاقات العربية مع سوريا يمكن أن ينعكس على مقاربة العرب، وبالأخص المملكة السعودية، للملف الرئاسي اللبناني.
لكنّ التساؤلات الكثيرة عن احتمالات الربط بين ملفّي سوريا ولبنان في المقاربة السعودية لأوضاع المنطقة باعتبار أنّ البلدين خاضعان لنفوذ إيران المباشر، تقابلها تساؤلات عن مدى ربط طهران بين الملفّات الإقليمية وبين ملفّها النووي، وهو الربط الذي لطالما نفاه حزب الله، لكنّه نفيٌ في معرض التأكيد كما يُقال، لأنّ هذا الربط هو ببساطة ربط بديهي. فحتّى التهدئة النسبية التي تلتزمها إيران في اليمن والعراق تندرج ضمن استراتيجيتها الكبرى لإدارة ملفّاتها التي تراوح بين التهدئة والتصعيد، ولا تعبّر عن فصل إيراني بين هذه الملفّات.
ارتباك الحزب
هذا ما يحيل إلى صيغة أخرى للسؤال عن دوافع حزب الله إلى إعلان ترشيح فرنجية الآن، فهل هو عنوان اشتباك مع العرب والغرب، وبالتحديد مع دول اللقاء الباريسي الخماسي، أم هو سقف للتفاوض معهم؟
في الواقع لا يمكن قراءة موقف حزب الله على قاعدة قدرته المطلقة على السيطرة على الوضع اللبناني، وبالتالي بناء حركته السياسية وفق خطّة ممنهجة وواضحة. فإذا كان الحزب هو الأكثر قدرة بين الأفرقاء الآخرين على المناورة واللعب على حافة الهاوية فهذا لا ينفي إرباكه في التعاطي مع الأزمة الداخلية، وخصوصاً بعدما طالت فناءه الخلفي لناحية خلافه مع جبران باسيل على الملف الرئاسي.
وقبل ذلك وبعدَه فإنّ الانهيار الإقتصادي هو بحدّ ذاته عامل إرباك للحزب ولو كانت دفاعاته إزاءه أقوى من دفاعات سواه، لكنّ التحدّيات التي يفرضها عليه مختلفة عن تلك التي يفرضها على خصومه المحلّيين باعتبار أنّه يدير منظومة اجتماعية وتعبوية متماسكة تجعله مضطرّاً إلى تحمّل أعباء الانهيار عنها وإلّا أظهر ضعفه.
والحال فإنّ التعقيدات السياسيّة والاقتصادية الداخلية تقتضي الحذر في اعتبار ترشيح الحزب لفرنجية خياراً للتصعيد المفتوح ضدّ خصومه في الداخل والخارج، خصوصاً أنّ الحزب لا يواجه عمليّاً ضغوطاً “نوعيّة” ضدّه من الداخل أو الخارج، وقد ظهر ذلك من فحوى لقاء باريس الخماسي، مع العلم أنّه تتردّد معلومات في بيروت مفادها أنّ الرياض غير متحمّسة للقاء جديد باعتبار أنّ موقفها من الملف اللبناني واضحٌ في “الورقة الكويتية” وفي بيان نيويورك الثلاثي الذي صدر في أيلول الماضي، وبالتالي لا مبرّر لخطوات جديدة ما دامت الأوضاع اللبنانية على حالها وما دامت السعودية غير راغبة في الدخول ببورصة الأسماء الرئاسية.
تفاوض شاقّ
بيد أنّ ذلك لا يعني أنّ التفاوض الداخلي والخارجي لانتخاب رئيس جديد أمرٌ سهلٌ، خصوصاً أنّ الحلّ ما عاد مقتصراً على انتخابه، بل إنّ المحكّ الأساسي هو في قدرته على تأمين غطاء داخلي وخارجي كافٍ لعهده لكي لا يتحوّل إلى مجرّد رئيس شاهدٍ على الانهيار. فحتّى لو اعتبرنا أنّ فرنجية قادرٌ إلى هذا الحدّ أو ذاك على تأمين غطاء خارجي لعهده في لحظة “تسامح” عربي ودولي مع إيران، فإنّه لا يمكن تجاوز الفيتو على ترشيحه من قبل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وهو فيتو يراه وليد جنبلاط عائقاً أساسياً أمام انتخابه.
هذا يعزّز اليقين أنّ إعلان برّي والحزب دعم ترشيح “الزعيم الزغرتاوي” ليس الخطوة الأخيرة في الطريق إلى انتخابه، بل الخطوة الأولى في مسار التفاوض الجدّي بشأن الاستحقاق الرئاسي. لكنّه مسارٌ شاقٌّ وطويلٌ ومتعرّج يبدأ عند الأعتاب النووية في إيران ولا ينتهي عند الأعتاب العونية في ميرنا الشالوحي، إذ أصبح من الصعب توقّع إنتاج رئيس جديد خارج إطار التفاوض بين الحزب والتيار في شأنه، وهو أيضاً تفاوضٌ صعبٌ ومعقّدٌ. والأهمّ أنّ مسار التفاوض الإجمالي في الداخل وبينه وبين والخارج لا يستبعد السخونة على أنواعها.
ايلي القصيفي- اساس