“تأخروا كثيراً”: «نبهناهم كثيراً ومنذ زمن»!
«سامحهم الله»، قالها أحد السياسيين المواكبين لعلاقة «حزب الله» التحالفية مع «التيار الوطني الحر» ومن ثم للخلاف الكبير القائم راهناً بين الجانبين، في تعليقه على ما اعتبره الوسط السياسي نوعاً من الإنذار أو التنبيه، الذي ساقه الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله في كلمته أول من أمس عن استعداده للمكاشفة والتحاور في شأن الخلاف حول ما يثيره «إخواننا في التيار» حول نقطتي «بناء الدولة… ومكافحة الفساد».
فبعض الأوساط السياسية والمراقبين رأى في هذا الكلام نوعاً من الاستعداد لدى نصرالله لكشف المستور في هاتين النقطتين، هو أقرب إلى التهديد، إذ قال في معرض تفنيده ما يتضمنه تفاهم مار مخايل، وخلوه من أي اتفاق على اختيار رئيس الجمهورية: «لا أنت تطعنني ولا أنا أطعنك، لا أنت تخونني ولا أنا أخونك… نحن عندنا كلام طويل عريض وعندنا رؤية وعندنا ملاحظات وعندنا تقييم لأدائنا ولأدائكم» (في شأن موضوعي بناء الدولة ومكافحة الفساد). فلدى قادة «الحزب» ونوابه ووزرائه الكثير من المعطيات في هذا الصدد عايشوها بالتفصيل خلال السنوات الست الماضية، سواء في البرلمان أو في الحكومات أو في الغرف المغلقة.
أردف السياسي نفسه الذي أسف لكلام السيد نصرالله، بشرح ما قصده بالقول: «تأخروا كثيراً» إلى درجة أنه فات الأوان، في الحديث الذي يوحي أن لدى قادة «الحزب» مماسك على «التيار الحر» في هذين العنوانين، إذ «نبهناهم كثيراً ومنذ زمن»، إلى الآثار السلبية لاستقواء رئيس «التيار الحر» النائب جبران باسيل بدعمهم له». فباسيل ذهب إلى درجة أنّه أخذ يوظّف هذا الدعم بممارساته المخالفة لمنطق «بناء الدولة» من تقويض للمؤسسات، عبر السياسات الكيدية ولمصلحة المكاسب الفئوية تحت عنوان حقوق المسيحيين، وبسلوكه الهادف إلى تحقيق المنافع المصلحية الشخصية والحزبية في مجال «مكافحة الفساد»… فالبلد وقع في آتون تلك الآثار على الأصعدة كافة الاقتصادية والمالية والمعيشية، فضلاً عما سببه من استقطاب طائفي بغيض، على الصعيد السياسي ومن عزلة للبلد عن محيطه العربي، يدفع ثمنه الآن.
ما من شك بأن لدى «الحزب» الكثير من المعطيات في هذا الشأن، سكت عنها في السابق. وإن كان نصرالله حدد سبب سكوته المفترض بأنه كان يفضّل إثارتها في «الاجتماعات الداخلية»، فإنّه ليس بعيداً عن الواقع الاستنتاج بأنّ سكوته هذا كان ثمناً مقابل انسجام «التيار» والقيادة العونية، مع حرص «الحزب» على مسايرة قمة السلطة في لبنان للمحور الذي ينتمي إليه. بل إنّ سكوت «الحزب» سبب له وجع الرأس حتى لدى جزء من جمهوره والنخب في بيئته الشيعية والسياسية، التي كانت وفي هذه الحال تصدق اتهام خصوم «الحزب» له بأنه أخذ من عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون انضمام الرئاسة الأولى إلى المحور الإيراني، مقابل السكوت عن الاستئثار من خلالها بالمنافع والمكاسب في مؤسسات الدولة…
إذا كان لخطاب نصرالله الأخير من وظيفة رئيسية هي استكمال ما بدأه رئيس البرلمان نبيه بري، بإعلانه دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فإنّ لديه وظائف أخرى منها التمهيد لتحقيق ما يروج له مؤيدو هذا الخيار الرئاسي وأوساط فرنجية نفسه، بأنّ اتصالات «الحزب» انتهت إلى ضمان أكثرية النصف زائداً واحداً لمصلحته، وأن العمل جارٍ خلال الفترة المقبلة على تأمين نصاب الثلثين. وهذا يتطلب، حسب قول هؤلاء، جذب نواب تكتل «لبنان القوي» إلى حضور جلسة الانتخاب التي يأمل في أن يفوز فرنجية خلالها، إذا صحت حساباتهم. والإنذار أو التنبيه المبطن الذي أطلقه نصرالله، هو من لوازم التمهيدات من أجل تأمين نصاب الثلثين، لعل باسيل يستدرك قبل أن يضطر «الحزب» إلى أن يكشف ما لديه رداً على ما يعيبه باسيل عليه.
بصرف النظر عما إذا كانت مراهنة الرئيس بري و»الحزب»على ضمان أكثرية الـ65 صوتاً لصالح رئيس «المردة» أم لا، (لأن معارضي خيارهما يشككون بذلك ولهذا حديث آخر) وعلى إمكان تأمين نصاب الثلثين، فإنّ حجتهما برفض معارضيهما الحوار حول الاستحقاق الرئاسي، وتصعيد الحملات عليهما، قد تفسر التشدد بموقفهما. إلا أن السؤال الذي تطرحه أوساط عديدة ومنها أوساط دبلوماسية تنصح خصوم «الحزب» بالتفاهم معه على الرئاسة، تطرح السؤال حول ما إذا كان مستعداً لأن يقوم بمراجعة لأسباب تلاقي الأضداد والرأي العام في الوسط المسيحي ضد سياسته، وتصاعد النقمة ضد إلحاق البلد بالقوة، بصراعات المنطقة من دون أي ضوابط تسمح له باستعادة بعض من عافيته.
وليد شقير