معركة رئاسة الجمهورية هي معركة إقليمية: هل يمكن ان تتفاعل وتصبح اكثر عنفا ودموية؟
ما هو السّياق الإقليمي لترشيح “حزب الله ” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهوريّة؟
في أي سياق يمكن إدراج إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عن دعمه ترشيح رئيس “تيار المردة” اللبناني سليمان فرنجية؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم في ضوء الموقف الذي أطلقه الأمين العام في إطار ترشيح فرنجية الذي يعتبر جزءاً أصيلاً من قوى ما يسمى “ممانعة ” في لبنان. هذه القوى هي التي تقودها إيران إقليمياً و”حزب الله” لبنانياً.
الترشيح الحاسم لفرنجية يؤشر إلى بداية مرحلة من التصعيد في لبنان، تذكّر العديد من المراقبين بالمرحلة التي سبقت التمديد للرئيس الأسبق إميل لحود في شهر أيلول (سبتمبر) عام 2004، الأمر الذي استدعى قيام المجتمع الدولي باستصدار القرار 1559 عن مجلس الأمن الذي ترجم بمواجهة عنيفة بين النظام السوري وحلفائه، والقوى الاستقلالية المدعومة آنذاك من الدول الغربية وجزء من الدول العربية، في مقدمها المملكة العربية السعودية.
اشتعلت مواجهة سياسية كبيرة أدت إلى استخدام الحلف السوري – الإيراني مع الذراع اللبنانية لغة الدم. وكانت الذروة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
اليوم يمر لبنان بحالة مشابهة نوعاً ما. لم تشتعل بعد المواجهة السياسية العنيفة، لكنها قد تنتهي بالعنف الأمني أو العسكري. لكن إصرار الذراع الإيرانية في لبنان على السيطرة التامة على الموقع الرئاسي الأول في لبنان، عبر شخصية من صلب الفريق الذي تارة تطلق عليه تسمية “محور الممانعة” وطوراً “محور المقاومة”، يجب إدراجه في إطار أوسع من الإطار المحلي اللبناني. فبعدما انتهت ولاية حليف “حزب الله” الرئيس السابق ميشال عون الذي احتفت به يوم انتُخب، شخصيات إيرانية كبيرة ومعها الإعلام الرسمي للنظام، معتبرين أنه انتصار لـ”محور المقاومة”، يحاول “حزب الله” الممسك بالورقة اللبنانية داخلياً وإقليمياً أن يحتفظ بعناصر السيطرة، وأهمها مواصلة الإمساك بموقع رئاسة الجمهورية التي تعتبر نقطة التوازن والارتكاز الرئيسية في النظام اللبناني. وإلى جانب رئاسة مجلس النواب المتحكمة بالبرلمان، يمسك “حزب الله” بمفاصل السلطة الفعلية في البلد، ما يسهّل عليه مهمة تغيير وجه لبنان التاريخي لإقامة نظامه، وفي الوقت عينه أداء وظيفته الإقليمية في خدمة النظام الإيراني ومشروعه في الإقليم. إذ إن إيصال رئيس جديد للجمهورية من صلب الخط الذي يقوده “حزب الله” هو أساس في استكمال الحزب المشار إليه مشروعه، وهو عنصر من عناصر قوته يستمد منه حرية الحركة التي يتمتع بها على الأرض انطلاقاً من “المنصة اللبنانية”.
على مستوى آخر، قد تكون مسارعة نصر الله إلى إعلان ترشيح فرنجية بهذه اللهجة الحاسمة، والبعض يعتبرها عنيفة بالسياسة، أتت في توقيت إقليمي ودولي ضاغط على إيران التي تحتاج دائماً إلى تجميع أوراق القوة الإقليمية، في زمن قد يشهد اهتزازات خطيرة. فالخلاف الكبير بين إيران والمجتمع الدولي حول البرنامج النووي، وإمعان طهران في خرق التزاماتها بالقيود على البرنامج المنصوص عليها في الاتفاق لعام 2015، والأنباء التي كشفها الأميركيون والتي تشير إلى وجود عينات من اليورانيوم المخصب بنسبة 84 في المئة التي تعني عسكرة البرنامج النووي، أدت إلى وضع خيار الضربة العسكرية الإسرائيلية (بدعم أميركي) على الطاولة من أجل منع إيران من حيازة القنبلة النووية التي تعتبرها إسرائيل خطاً أحمر يستدعي القيام بعمل عسكري كبير لتدمير ما يمكن تدميره من المنشآت النووية الإيرانية، بهدف إعادة البرنامج أقله عشرة أعوام إلى الوراء. ولم يتراجع الخيار العسكري وإن قليلاً إلا بعدما دعت طهران المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة النووية” رافاييل غروسي للقدوم إلى إيران والتفاوض مع السلطات فيها لاستئناف العمل بقيود الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك تجنباً للانزلاق نحو حرب قد لا تكون إيران قادرة عليها. تمت الزيارة يوم الجمعة الماضي، وغادر غروسي معلناً عن اتفاق على معاودة طهران التعاون مع الوكالة على صعيدي المراقبة، وتقديم إجابات شافية عن عينات يورانيوم عالي التخصيب كان مفتشو الوكالة اكتشفوها قبل أعوام عدة في ثلاثة مواقع لم تعلن عنها طهران. هذا التطور استتبعه غروسي بطلب تأجيل اجتماع لمجلس محافظي الوكالة كان دُعي للانعقاد من أجل اتخاذ قرار إدانة لطهران، وربما تحويل الملف إلى مجلس الأمن، الأمر الذي كان من شأنه أن يرفع من مخاطر المواجهة العسكرية.
ابتعد شبح الحرب، لكن التشنج الإيراني واستتباعاً لدى “حزب الله” يفترض أن الأخير كان مدعواً إلى حسم الجدال والنقاش بسرعة حول ترشيح سليمان فرنجية، والذهاب بسرعة وإلى النهاية لتنصيبه رئيساً للجمهورية لمدة ستة أعوام.
بناءً على تقدم، لا يمكن عزل إصرار “حزب الله” على اسم من صلب تركيبة المحور الذي تقوده إيران عن تطورات المنطقة، لا سيما آخر فصولها المرتبطة ببلوغها مرحلة العتبة النووية. من هنا فإن معركة رئاسة الجمهورية في لبنان هي معركة إقليمية – دولية بامتياز، ويمكن أن تتفاعل على نحو أكثر عنفاً وربما دموية.
علي حماده- النهار العربي