حالة إنتحار ثانية في الجنوب والدوافع مجهولة: هل يتحوّل الإنتحار إلى ظاهرة؟
هي حالة الإنتحار الثانية في أقلّ من أسبوع، بمنطقة النبطية. شباب ينهون حياتهم بطلقة. قرّروا الرحيل، على مواجهة الظروف القاسية. عادة ما تكون الأسباب المادية هي السبب، ولكن ربما هناك دوافع أخرى، فهل لألعاب المقامرة صلة في الإنتحار؟
ترك موسى الشّامي ابن بلدة جرجوع خلفه عائلة بلا مُعيل، وهو كان يعرف أنهم بحاجة إليه. وضع حدّاً لحياته بطلقة من «كلاشنيكوف» أمام منزله في دير الزهراني، تاركاً رسالة صوتية تُخبر حالته الماديّة الصعبة، مؤكّداً أنه بات عاجزاً عن تأمين قوت ولديه. مثله فعل حسين مروّة في بلدة الزرارية. أطلق النار على نفسه بهدوء. أوقف حياته بإرادته. سبق فعلته، تجوّله في البلدة برفقة بندقية صيد. ظنّ الكلّ أنه يتجه نحو البرية للصيّد، ليفاجئ الكل أنّه اصطاد حياته. حتى الساعة لم تكشف التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية السبب الكامن خلف انتحاره. ينفي شقيقه محمد أن «تكون الدوافع ماديّة على الإطلاق. آخر همّه المال»، بل يجزم أنه «كان يتعاطى بإيجابية مع كلّ الظروف، يدعونا للتفاؤل وعدم الإستسلام. وحين يقع في ضيقة مالية، يردّد: «بتهون».
آخر شيء كان يُفكّر به محمد أن شقيقه حسين سينتحر، «كان مبتسماً، محبوباً من الكل. يحثّ الجميع على مقاومة الأزمات، لأنه لا مكان لليأس بيننا». لا يزال محمّد تحت تأثير الصدمة. لم يصدّق بعد أن الشخص الذي كان يردعه عن اليأس، هو نفسه قد انتحر. يرى في القضية «لغزاً»، «ربما تعرّض للتهديد، ولكن لماذا؟ لا نعرف». يعمل في مجال الهواتف والسيارات، متأهل ويعيش حياة عاطفية مستقرّة، آخر اتصال أجراه مع زوجته قبل إنهاء حياته.
يلفّ الغموض قضايا الإنتحار. في العادة يتمّ ربطها بالأزمة المالية والاقتصادية كونها السبب الأقرب إلى الواقع، لكن في الحقيقة الأسباب متعدّدة. هل بات الإنتحار موضة؟
ما زالت أعداد الإنتحار ضمن المعدّل الطبيعي. عام 2018 كانت النسبة أعلى بكثير من 2022، هذا ما يشير إليه استشاري الصحّة النفسية مصطفى ركين، مؤكّداً أنّ لا أسباب واضحة حول دوافع الإنتحار، ولا يمكن ربطها حصراً بالأزمة الاقتصادية، فهناك دوافع أخرى، لعلّ أبرزها الإضطراب النفسي الحاد، ألعاب الميسر التي يعتبرها ركين أحد أهمّ الاسباب، إذ إنها تضع الشخص أمام مفترق طرق، لا يجد أمامه سوى السفر إلى الخارج، أو قتل نفسه هرباً من المواجهة. أما السبب الآخر وفق ركين هو الدواء، فالمريض الذي يفقد دواءه أو يعجز عن شرائه قد يصل به الأمر إلى الإنتحار. ما يخشاه أن يصبح الإنتحار موضة، نتيجة التعامل الخاطئ مع الحدث. ولفت ركين إلى أنّ «التناقض في المزاج عند الشخص، والتي تجعل أفكاره سوداوية تدفع به نحو هذا الجرم بحقّ النفس، فضلاً عن الجو العائلي الذي يسوده أحياناً أجواء تشاؤمية».
طغت أخبار الإنتحار على ما عداها. كانت حديث الرأي العام، خصوصاً أنها تخطف الشباب، في ظروف معيشيّة قاسية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أنه إذا كان الوضع المالي هو السبب، أليس الأجدى بمن قتل نفسه بسلاح سعره ألف دولار أن يبيعه بدل أن يضيع حياته؟ يستمرّ البحث عن دوافع الإنتحار. لا يستبعد كثيرون أن يكون لألعاب القمار التي تُدمّر حياة الشباب أحد الأسباب الجوهرية.
رمال جوني