طريق بعبدا لا يبدأ في الضاحية: “فرنجية”…القصر من أمامه ونصرالله و”الخطّ” من ورائه!
ماذا يفيد رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية أن يكون مرشح “حزب الله” ورئيس حركة “أمل” نبيه بري لرئاسة الجمهورية؟ هل الجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية مطلوب ومرغوب مهما كان الثمن؟ هل الرئاسة أهمّ من الإنسجام مع الهواجس المسيحية التي تزداد كلما زاد التوغّل في الفراغ؟ وهل إذا صار فرنجية رئيساً للجمهورية يستطيع أن يمثّل بحقّ هذه الهواجس أم أنّه يفاقم من خطورتها؟
تعتقد مصادر مراقبة أنّ الطريق إلى قصر بعبدا لا يمكن أن يبدأ من حارة حريك أو من عين التينة. وأنّ من يرغب بأن يكون رئيساً للجمهورية لا يمكنه أن يستهلّ المشوار باستدعائه إلى فطور الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، ولا من خلال المناداة المستمرّة بالعلاقة الدائمة والمميزة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. فالرئيس يجب أن يمثّل الحضور المسيحي في الدولة وفي السلطة وكرامة الرئاسة يجب أن تكون فوق أي اعتبار آخر. والرئيس الذي يبدأ من تحت لا يمكنه أن يرتقي بالرئاسة إلى المستوى الذي يجب أن تكون عليه خصوصاً في هذه المرحلة التي تتطلّب رئيساً إنقاذياً لا رئيساً معيَّناً أو مفروضاً فرضاً. فالكرامة يجب أن تكون أهمّ من الرئاسة ولا رئاسة من دون الحفاظ على الكرامة والفروسية والمصداقية، والجرأة يجب أن تبدأ من هذه النقطة.
هل من مسار مختلف؟
تعتبر هذه المصادر أنّ فرنجية يمكنه أن يبدأ مساراً مختلفاً في الطريق للوصول إلى قصر بعبدا بالعودة إلى محور التلاقي مع المطالب التي يرفعها البطريرك الماروني بشارة الراعي ويتحدّث فيها كلّها عن تحرير موقع الرئاسة من سيطرة «حزب الله» وتحرير قرار السلطة الشرعية واستعادة الهوية اللبنانية. وتعطي هذه المصادر مثلاً حيّاً هو ما يحصل اليوم بين «التيار الوطني الحر» والرئيس السابق ميشال عون، وبين «حزب الله». تعتبر هذه المصادر أنّ ما يفعله عون ورئيس «التيار» النائب جبران باسيل، بعد خروج عون من قصر بعبدا، كان يجب عليهما أن يفعلاه منذ تبوّأ عون سدّة رئاسة الجمهورية.
لا يستطيع عون وباسيل اليوم، بعد خراب البلد، أن يتحدّثا عن التمثيل المسيحي وأن يعترضا على طريقة عمل «حزب الله» وادّعاء التحرر من تبعيته وقراره. يُقال مثلاً إنّ عون عندما استقبل وفد «الحزب» الذي ترأّسه رئيس كتلة الحزب النيابية النائب محمد رعد، قال له إنّه لا يمشي وراء المرشح الذي يريد «الحزب» أن يفرضه ليكون رئيساً للجمهورية بل على «الحزب» أن يمشي وراء عون بالمرشح الذي يقترحه أو يسمّيه عون. حتى هذا الطرح لا يعبّر عن روحية ومنهجية اختيار الرئيس، لأنّه يمكن أن يعود إلى نقطة الصفر من خلال التفاهم الذي حكم العلاقة بين عون والسيد حسن نصرالله وأدّى إلى التبعية الكاملة للحزب.
أضاع عون ستة أعوام في الرئاسة، وعندما خرج من قصر بعبدا تذكّر أنّ «الحزب» لم يساعده في حربه المفترضة على الفساد، وهي مقاربة بعيدة عن الواقع، إذ أنّه كيف «للحزب» أن يشارك في حرب ضد الفساد بينما هو الراعي والحامي لهذه المنظومة وهو يدرك أنه يستفيد منها ولا يوجد غيرها. وبدل أن يخرج عون على هذه المنظومة وعلى «الحزب» انخرط فيها وبات جزءاً منها وراح يبكي على سنوات عهد أضاعه وضيّع كل الفرص فيه. ولذلك لا تجد هذه المصادر حجّة مقنعة لدى عون وباسيل عندما يتحدّثان عن عدم أحقية فرنجية بالرئاسة طالما أنّهما يتّهمانه بأنه «فاسد» و»ليس عليه القدر والقيمة» ويختلفان مع «حزب الله» لأنّه يمنع انتخاب رئيس غيره.
فالرئيس السابق سبق له واستفاد من هذا الدعم الذي أمّنه له السيد حسن نصرالله وساهم في الفراغ الذي دام طوال عامين وخمسة أشهر قبل أن يتمّ فرضه رئيساً على قصر بعبدا. وبدل أن يبدأ من هناك مسار الخروج من التفاهم مع «الحزب» والتحرّر منه والإستفادة من الدعم الذي حصل عليه من خلال اتفاق معراب مع «القوات اللبنانية» ومن خلال تأييد الرئيس سعد الحريري وتصويت الحزب التقدمي الإشتراكي له، اختار أن ينقلب على «القوات» وأن يبقى تحت دائرة سيطرة «الحزب» وأن يرهن قرار الجمهورية له. يحقّ له سياسياً أن يتحالف مع من يريد ولكن عندما يصل إلى موقع رئاسة الجمهورية لا يعود هذا الموقع ملكاً له ولسياساته الشخصية لأنّه يتحوّل فيه إلى ممثل للموقع المسيحي الأوّل في الدولة وإلى الرجل الأول في السلطة، وعليه أن يحافظ على مهابته وروحيته.
لو رشّح نصر الله باسيل
خلاف باسيل وعون مع «الحزب» اليوم ليس على المبادئ بل على المواقع والمصالح. لو كان «الحزب» رشّح مثلاً جبران باسيل للرئاسة هل كان اختلف معه عون وباسيل؟ واليوم إذا تخلّى نصر الله عن تبنّي ترشيح فرنجية وعاد إلى خيار باسيل هل يستمر الخلاف بينه وبين عون وباسيل؟ وهل إذا صار مثلاً باسيل رئيساً يمكنه أن يتحرّر من أعباء عهد عون ومن أعباء التحالف مع «حزب الله»؟ وهل يَنقُض ما فعله عون ويعارض مثلاً «الحزب»؟ أي عملية إنقاذ يمكنه أن يقوم بها؟ وهل الرئاسة هي مجرد وظيفة كسائر الوظائف في الدولة؟ والسؤال نفسه يطرح على فرنجية: إذا صار رئيساً كيف يمكنه أن يتصرف مع «حزب الله»؟ هل يستطيع أن يقول لا لنصر الله؟ وهل يكون رئيساً مرتهناً بقراره له ولـ»حزب الله»؟ وإذا كان لا يستطيع الخروج من تحت عباءته فكيف يكون رئيساً للجمهورية؟ ماذا يستطيع أن يقدّم للبلد؟
ثمة من يعتبر أنّ فرنجية قادر على التواصل مع «حزب الله» وحلفائه ومع خصومه في الوقت نفسه، وهو يقول إنًه منفتح على الحوار مع الجميع وأنه يريد أن يحافظ على علاقات لبنان مع العالم العربي وأن يعيد تصحيح الخلل الذي اعتراها، وفي الوقت نفسه يتابع التأكيد على بقائه في الخط الذي يجمعه مع «الحزب» ومع النظام السوري في سوريا. حسناً. إذا تمّ التسليم بهذا الأمر، ما هي خطة فرنجية لتصحيح هذه العلاقة؟
لا لبْس في هذا الموضوع ولا يمكن اللعب على الكلام وعلى تفسيراته. هل يستطيع فرنجية أن يُقنع «حزب الله» وأمينه العام بعدم التعرّض للمملكة العربية السعودية ودول الخليج؟ وهل يستطيع أن يرفض مثل هذا التعرّض وأن يتصدّى للحزب؟ هل مواقف «الحزب» من السعودية ظرفية وموضعية أم هي استراتيجية وغير قابلة للتبديل؟ تصحيح هذه العلاقة يبدأ من هذه النقطة وليس من سواها. ولا يمكن الإكتفاء فقط بالنوايا الحسنة إذا وُجِدَت فعلاً. هل يستطيع فرنجية أن يوازن في تشكيلات الحكومات ويمثّل مختلف الأطراف مثلاً؟ وهل يعترض على التشكيلات التي تُقدَّم إليه قبل إعلان الحكومات بدقائق في قصر بعبدا؟ هل يستطيع أن يسمّي وزيراً للمال؟ وهل يمكنه أن يناقش في كل اسماء الوزراء؟ هل لديه خطط مسبقة للخروج من الأزمات غير طرح العناوين العامة لها؟
طالما أنّه يبدأ الطريق من زاوية ضيقة جدّاً بقبوله بأن يكون مرشح «الحزب» فهذا يعني حكماً أنّه لن يكون بمقدوره أن يعترض على ما لا يريده «الحزب»؟ وبالتالي يمكن أن يتحوّل إلى غطاء كامل له في كل الأمور حتى في القضايا المتعلّقة بالأطراف المعارضة للحزب التي حرص فرنجية على القول في أكثر من مناسبة إنّه على مسافة واحدة من الجميع وأنّه يريد أن يكون على علاقة مع الجميع وأنه ليس مرشح تحدٍّ.
ماذا يعطيه الأسد؟
أبعد من ذلك. هل النظام السوري مستعدّ ليعطي الرئيس سليمان فرنجية ما لم يعطه لأيّ رئيس غيره؟ وهل هذا النظام يعطي أصلاً في العلاقة مع لبنان أم يأخذ فقط؟ لقد رفض هذا النظام تحديد موعد لوفد لبناني اقترحه الرئيس السابق ميشال عون قبل أيام من انتهاء ولايته للبحث في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بعد ترسيم الحدود البحرية مع «دولة إسرائيل». فهل يمكن لهذا النظام أن يحدّد موعداً لوفد يشكّله «رئيس الجمهورية» سليمان فرنجية؟ ما موقف فرنجية مثلاً ممّا قيل عن عرض السيد حسن نصر الله على باسيل أنه مستعدّ أن يتعهّد له خطّياً بأن تكون له الحصة الوازنة في العهد الجديد إذا وافق على انتخاب فرنجية؟ هل يتعهّد السيد باسمه أم باسم فرنجية؟ وهل يمكن لفرنجية أن يخلّ بهذا التعهد إذا اتفق باسيل مع نصرالله؟ وهل يقبل الرئيس العتيد بقيدٍ من هذا النوع؟ وإذا قبل من يكون الرئيس؟ هو أم نصرالله؟
تجارب سابقة وعِبَر
لقد كان لفرنجية تجربة سابقة طويلة مع «حزب الله» ومع النظام السوري طوال مرحلة عهد الوصاية السورية على لبنان منذ العام 1990.
كان هذا النظام يريد أن يخــترع قيادات مسيحية في ظلّ إلغاء القيادات الممثِّلة للشارع المسيحي. في العام 2005 بعــد خروج الجيـش السوري من لبنـان سقطت معظم هذه القيادات المصنّعة سورياً واستعاد المسيحيون حضورهم السياسي قبل أن يعود عون ويبيع هذا الحضور لـ»حزب الله».
لقد اختبر فرنجية أنّه في انتخابات أيّار 2022 بدأت معالم تغيير في رؤية الشارع المسيحي للمشكلة الداخلية ولأزمة الكيان والمصير التي تتهدّد المسيحيين، وهي أدّت إلى انحسار تمثيله الشعبي بشكل كبير.
في العام 2005 فقد مقعده النيابي بفعل قانون الإنتخابات واعتبر أنّه بقي وفيّاً للخط الذي يمثّله وأنّ الناس سيبقون أوفياء له. وقد استعاد تمثيل زغرتا في العام 2009 ثم فقد احتكار هذا التمثيل في انتخابات 2018 قبل أن يعتبر بعد انتخابات 2022 أنّه نجا من السقوط الكامل.
من يقرأ النتائج بهذه الطريقة لا بدّ من أن يعيد حساباته وسياساته ويرسم خطاً جديداً لها. ليس المهم أن ترتفع صورة الرئيس في قصر بعبدا بل في وجدان الناس. صورة عون كانت المثل الحي الباقي. رفعت في بعبدا وسقطت في الوجدان.
نجم الهاشم- نداء الوطن