المسيحيون “في موقف العاجز”… يجتمعون على التعطيل!
يُستعاد الكلام حول أهمية التوافق المسيحي مع استمرار التعثر في انتخاب رئيس للجمهورية. وجاء انسحاب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب من جلسة اللجان النيابية المشتركة ليكثف الطروحات حول هذا “التوافق”.
فبعد تلاقي الأحزاب المسيحية وعدد من النواب المسيحيين المستقلين على رفض عقد جلسات لمجلس الوزراء، كما رفضهم عقد جلسات تشريعية، انسحب الأمر على اللجان المشتركة.
عندها علت أصوات تحذر من “الانقسام الطائفي”، فيما أصوات أخرى تشجع على التوافق والإجماع المسيحي. وفي الواقع، كل تلك الأصوات مفخخة بالأوهام والأحلام ومسكونة بالمخاوف والهواجس.
فلا هو انقسام طائفي، وإن لبس لبوسه، ولا هو إجماع مسيحي وإن تبدّى كذلك.
فقد سارعت القوات اللبنانية وحزب الكتائب إلى تمييز موقفهما عن التيار الوطني الحر، وبالتالي، وضع تقاطع النتيجة في موضوع اللجان المشتركة ضمن إطاره المحدد، لا ضمن منطلقات ورؤى مشتركة.
التوافق المستحيل
يصدف اليوم أيضاً أن تتوافق الأحزاب المسيحية وعدد من المستقلين المسيحيين على رفض سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية. هي محطة من محطات تقاطع المصالح التي يمكن الرهان عليها في استبعاد فرنجية عن المنصب الأول، لكن بالتأكيد لا يمكنها أن تؤسس لتحالف مسيحي يملك طرحاً مشتركاً لأزمات الجمهورية المتعددة من السياسة إلى الاقتصاد والمال وسائر الملفات الشائكة.
لذا، يبدو توافق المسيحيين اليوم وكأنه اجتماع سلبي على التعطيل. يلتقون على ما يرفضونه، لكنهم لا يملكون حداً أدنى من تصور لما قد يتفقون عليه.
هو موقف العاجز، في ألطف توصيف، القادر على التعطيل من دون إمكانية للمبادرة والاستقطاب أو ضخ أفكار وحلول.
بو نجم والسعي الشاق
وسط هذا الأفق المسدود تحاول بكركي المبادرة والوصول إلى حد معين من التوافقات يلتقي عليها المسؤولون المسيحيون، تسهّل انتخاب رئيس للجمهورية. فبكركي، التي لا توافق على أن الاختلاف المسيحي هو المانع الوحيد لانتخاب الرئيس، تعرف أنه معرقل ومساهم في تأزيم الموضوع.
لذا، أوفدت المطران انطوان بو نجم للقيام بجولاته على القيادات المسيحية. يحمل بو نجم على كتفيه إرث مطرانين سبقوه: يوسف بشارة، البطريرك غير المتوّج وشريك البطريرك نصرالله صفير في زمن “قرنة شهوان”، والمطران كميل زيدان، الإداري المتميّز والمؤسس لمركز الماروني للتوثيق والأبحاث.
يستخدم المطران بو نجم هدوءه وحسن إصغائه واندفاعه للوصول إلى مساحة مشتركة يلتقي عليها المسيحيون في فيء بكركي، علهم يخرجون بتوافق، إن لم يكن على اسم الرئيس، فأقله عدد من الاسماء.
لكن دون طموح المطران، وخلفه البطريرك والكنيسة ومساعيهم الشاقة، تاريخ من صعوبة التوافق بين الموارنة ليس فقط في التاريخ الحديث في ذاكرة اللبنانيين، إنما في التاريخ القديم كذلك.
شجرة التين اليابسة
فالروايات المتناقلة حول انقسامات الموارنة وخلافاتهم تعود لقرون مضت. ولعل أبرزها ما ورد عن البطريرك اسطفان الدويهي الذي تسلم سدّة البطريركية عام 1673.
فحسب كتاب الأب ناصر الجميّل: “..وإذ لم يكن للجبّة حاكم ثابت، كان الدويهي يجهد ليلاً ونهاراً ليقيم لها رأساً مارونياً واحداً. وكم مرّة جمع مشايخها وغضب عليهم! وكم مرّة بكّتهم وأهداهم إلى الصلاح بغير فائدة! وذات يوم دعاهم إلى اجتماع في بلدة أيطو، للتداول في شؤون البلاد، وكان ذلك تحت شجرة تين. وبسبب أنهم لم يتفقوا ولم يسمعوا كلامه طعنهم بالحرم ولعنهم وغضب عليهم. فللوقت يبست التينة وسقط ورقها”.
فهل يصل الراعي إلى الاقتداء بسلفه الدويهي؟
يبدو الأمر مستبعداً. فبالأمس دعا مجلس المطارنة الموارنة إلى يوم للصلاة على نية انتخاب رئيس للجمهورية في 10 آذار!
على الأرجح لن تصلي بكركي تحت شجرة التين الملعونة مرتين.
آخر الرؤساء
يصدف أن يكون اليوم عيد مار يوحنا مارون، أول بطريرك للكنيسة المارونية سنة 685، وقد كان أسقفاً وقائداً عسكرياً وروحياً، ومعه بدأ عهد البطاركة الموارنة، وهي حلقة لم تنكسر إلى اليوم مع البطريرك السابع والسبعين بشارة الراعي.
لكن رئيس الجمهورية شأن ماروني مختلف. فقد تناوب الرؤساء الموارنة على رئاسة الجمهورية منذ العام 1943 فقط؛ ومنذ ما بعد الطائف إلى اليوم يهمس كثيرون عند كل تغيير واستحقاق انتخابي متسائلين: هل يكون آخر الرؤساء الموارنة؟
دنيز عطالله- المدن