سلامة ولغز الـ16.5 مليار دولار… وتساؤلات عن دور وزير المال!
عملًا بالمادّة 124 من النظام الداخلي لمجلس النوّاب، التي تتيح لنائب أو أكثر توجيه الأسئلة الشفويّة أو الخطيّة للحكومة، كجزء من دور النائب الرقابي، وجّه تسعة نوّاب “تغييريون” سؤالًا إلى وزير الماليّة، بخصوص ملف 16.5 مليار دولار التي أضافها حاكم مصرف لبنان كدين على الدولة اللبنانيّة لحساب المصرف المركزي. هذا السؤال يفترض أن يكون بابًا لمواجهة برلمانيّة أكبر تحت قبّة المجلس النيابي، نظرًا لاتصال مسألة الـ16.5 مليار دولار بتقديرات خسائر مصرف لبنان والقطاع المصرفي. وهو ما سيؤثّر بدوره على مستقبل خطة التعافي الماليّة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي .
مع الإشارة إلى أنّ السؤال تم توقيعه من قبل النوّاب: إبراهيم منيمنة وفراس حمدان وسينتيا زرازير وحليمة القعقور وبولا يعقوبيان والياس جراده ونجاة صليبا وملحم خلف وياسين ياسين.
تحايل غير مفهوم
السؤال يبدأ بالإشارة إلى ما قام به حاكم مصرف لبنان بتاريخ 17 شباط 2023، حين لحظت الميزانيّة النصف الشهريّة الصادرة عن المصرف المركزي زيادة بقيمة 16.5 مليار دولار، تم إدراجها كدين متوجّب على الدولة اللبنانيّة بالعملة الصعبة لمصلحة مصرف لبنان، وهي ما تبيّن أنها احتساب لقيمة الدولارات التي باعها المصرف للدولة اللبنانيّة منذ العام 2007 وتسجيلها كدين على الدولة. ويشير السؤال إلى أثر هذه الخطوة على ماليّة الدولة، من خلال مفاقمة عجزها، على الرغم من أنّ هذه الأموال ليست “ديون جديدة” بل “بدعة جديدة من بدع الحاكم والمصرف المركزي”. كما يلحظ السؤال أنّ هذا النوع من الممارسات يمثّل مخالفة قانونيّة ترتّب تبعات إداريّة ومسلكيّة وجزائيّة بحق الحاكم.
على أنّ الجديد في السؤال الموجّه من قبل النوّاب، والذي لم تلحظه سابقًا أي من التغطيات التي تناولت الموضوع، هو إشارتهم إلى أنّ الدولة قامت خلال السنوات نفسها –بين أعوام 2009 و2019- برسملة المصرف المركزي بالعملة الصعبة، بقيمة توازي حدود 17.5 مليار دولار. وهذه العمليّة تمّت من خلال إصدار الدولة لسندات يوروبوند –بالعملات الأجنبيّة- ومن ثم تبديلها بسندات بالليرة اللبنانيّة مع مصرف لبنان، وهو ما مكّن المصرف المركزي من الحصول على سيولة دولاريّة بالعملة الصعبة، من خلال بيع سندات اليوروبوند في السوق.
بمعنى آخر، حصل المصرف المركزي على 17.5 مليار دولار بالعملات الأجنبيّة، على حساب الدولة اللبنانيّة التي راكمت على نفسها ديوناً بهذه القيمة بين عامي 2009 و2019. وهذا تحديدًا ما يدفع اليوم للسؤال عن المنطق الذي يسمح لمصرف لبنان بقيد قيمة الدولارات التي باعها للدولة كديون جديدة على الدولة، بينما استفاد المصرف خلال السنوات نفسها من قيمة أكبر من الدولارات على حساب الدولة. وبذلك، يكون المصرف المركزي قد عامل ماليّة الدولة –أي مصالح دافعي الضرائب- وفق قاعدة: ما لكم هو لي، وما لي هو لي وحدي.
تساؤلات عن دور وزير المال
يشرع سؤال النوّاب في تعداد بعض الاستفسارات على ترتبط بدور وزير المال في هذه القضيّة، والذي يفترض أن يمثّل خط الدفاع الأوّل لحماية مصالح ماليّة الدولة اللبنانيّة. ومن هذه الاستفسارات مثلًا:
– “هل كانت وزارة الماليّة على علم بهذه المبالغ؟ وهل دققت الوزارة بالأرقام التي صرّح عنها حاكم مصرف لبنان؟ وهل سبق أن تتبعت هذه الأموال؟” مع الإشارة إلى أنّ القاصي والداني يعلمون أنّ حاكم مصرف لبنان حاولت في عهود سابقة التحايل لتمرير وقيد هذه الأموال كالتزامات على الدولة، قبل أن يواجَه برفض من جانب السلطة التنفيذيّة.
– “هل تأكّدت وزارة الماليّة من وجهة استعمال هذه المبالغ؟ وهل ساءلت المصرف المركزي ممثلًا بالحاكم حول سبب إدراج هذه المبالغ تحت خانة الديون المتوجّبة على الدولة؟”
– “هل أخذت الدولة أية إجراء حول محاولات مصرف لبنان تغطية خسائره والمصارف من أموال الدولة بهندسة من حاكم المصرف المركزي؟”
– “ما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لمساءلة وزير المال عن تجاوزات حاكم مصرف لبنان، وعدم متابعة مثل هكذا موضوع قد يرتب على الدولة خسائر فادحة ويعفي المصارف والمركزي من أية مسؤوليّة؟”
وعلى هذا الأساس، يُفترض أن يقدّم وزير الماليّة –خلال مهلة 15 يومّا كحد أقصى بحسب القانون- الإجابات الوافية حول نوعيّة الإلتزامات التي قرّر سلامة قيدها كديون على الدولة، لتخفيض خسائر القطاع المصرفي. كما من المفترض أن تتحوّل المسألة لاحقًا، خلال مناقشات لجنة المال والموازنة، إلى موضوع مواجهة يرتبط بحجم الخسائر التي ستتحمّلها الدولة اللبنانيّة لاحقًا. مع العلم أن وزارة الماليّة تبدو حتّى اللحظة غائبًا كليًّا عن مشهد الـ16.5 مليار دولار، إذ لم تقدم على تقديم أيّة إيضاحات متصلة بنوعيّة هذه الإلتزامات، وسبب إضافتها على ميزانيّة مصرف لبنان في هذه المرحلة بالتحديد. كما لم يقدّم الوزير رأيه الواضح بخصوص هذه الخطوة التي قام بها حاكم مصرف لبنان.
علي نور الدين- اللمدن