السعودية تقاوم ارتفاع معدلات السمنة بالوجبات الصحية … ومطاعم الأكل الصحي!

عوضا عن تناول الكبسة بالأرز المشبع بالدهون مع زملائه في مقر العمل، بات السعودي عاصم الشمري يسير إلى مطعم قريب لتناول وجبة صحية، في توجّه جديد في المملكة التي تعاني من معدل سمنة ضمن الأعلى عالميا.

ولطالما عُرف عن السعوديين ولعهم بالأكل الدسم المصحوب بكميات كبيرة من الأرز، وهو ما تسبب في كون واحدا من كل خمسة سعوديين مصاب بالسمنة، بحسب دراسة متعمقة للبنك الدولي صدرت في 2022، وقد وصفت المشكلة بأنها “مقلقة”.

وقال الشمري (28 عاما)، وهو محلل مالي في مستشفى خاص وسط الرياض، لوكالة فرانس برس “كنت آكل البرغر أو الشاورما أو الكبسة أثناء وجودي في العمل (…)، ما كان يزيد من السمنة خصوصا مع العمل المكتبي لثماني ساعات وقلة الحركة”.

واليوم بات الشمري يتناول شرائح الدجاج المشوي أو السالمون مع كمية قليلة من الأرز والجزر والبروكلي المسلوق في وجبة الغداء.

وكان يتحدث في مطعم يقدم وجبات صحية ويعج بالعشرات من الموظفين أثناء استراحة الغداء في منتصف النهار.

وعلى مدى عقود كانت حياة السعوديين موزعة بين المطاعم والمراكز التجارية في حين كان الطعام أبرز أوجه الترفيه في المملكة، خاصة مع الخمول البدني في منطقة تعاني من الحرارة المرتفعة أغلب شهور العام.

وبحسب إحصاءات وزارة الصحة السعودية لعام 2020، يعاني 31 في المئة من السعوديين من زيادة في الوزن، فيما تخطى 28.7 في المئة الوزن المعتدل وأصبحوا بدناء فعليا.

وأطلقت الوزارة برنامجا وطنيا “لمكافحة السمنة”، كما ألزمت المطاعم في 2019 بوضع السعرات الحرارية على محتويات قوائم الطعام للتوعية بضرورة محاربة الوزن الزائد.

وفي السعودية تنتشر مطاعم الوجبات السريعة في كل مكان، حيث لم يكن من السهل قبل سنوات قليلة تناول وجبة صحية قليلة الدسم خارج المنزل.

لكنّ مطاعم الأكل الصحي باتت تزاحمها الآن، بل وأجبرت مطاعم الوجبات السريعة على تقديم وجبات “للرشاقة”.

ودأب الطبيب سعد الحاضر (25 عاما) على إحضار وجبته الصحية معه يوميا من المنزل لتفادي تناول وجبات دسمة في العمل، وهو نظام كان يعتريه بعض الصعوبات.

لكنه يقول وهو يشرع في تناول وجبة من السالمون والبطاطس المشوية “رواج هذه المطاعم وكونها قريبة من أماكن العمل يساعدان في المواظبة على الأكل الصحي”.

وانتشرت شركات ومطاعم تعد وجبات صحية وسلطة جاهزة ومشروبات دون سكر يمكن أن ترسلها إلى المشتركين في أماكن عملهم. وتبدأ أسعارها من 450 ريالاً (120 دولاراً) للوجبة الواحدة يوميا لمدة شهر إلى 2500 ريال (666 دولاراً) للوجبات اليومية الثلاث لمدة شهر، وتتفاوت الأسعار بحسب مكونات هذه الوجبات.

ويدفع الإقبال المكثف والمتزايد على الأكل الصحي المطاعم إلى توسيع نطاق عملها.

وقال اللبناني باسل شهيب الذي يدير مطعما للوجبات الصحية إنّ مطعمه فتح فرعين إضافيين خلال 18 شهرا لمجاراة الإقبال.

ويقدّم مطعم شهيب بفروعه الثلاثة يوميا وجبات صحية لنحو 500 مشترك غالبيتهم من السعوديين. وقال إنّ “السعوديين غيروا نمط حياتهم وباتوا يرتادون الأندية الرياضية ويأكلون الأطعمة الصحية”.

وتحتلّ دول الخليج عموما مواقع متقدّمة في مؤشّرات البدانة العالمية. وأظهرت دراسة أجريت سنة 2020 في الكويت أنّ بدانة الأطفال في الدولة الخليجية تتراوح بين 35 و40 في المئة.

وحلت السعودية في المرتبة الـ17 لجهة تفشي السمنة حسب التصنيف الدولي لمرصد السمنة العالمي، مباشرة بعد جارتيها الكويت وقطر.

وبدءاً من العام الدراسي الحالي، قررت وزارة الصحة السعودية منع بيع المشروبات الغازية في المدارس.

وأقرّت استشارية الصحة العامة لمياء البراهيم بأنّ “السمنة مشكلة صحية عالية” في السعودية، لكنّها أشارت إلى أنه “ملاحظ جدا حاليا زيادة الوعي الصحي بالنسبة إلى جيل الشباب” لجهة الطعام والرياضة.

وفي عام 2019 شرعت السلطات في تشييد مسار رياضي يقطع العاصمة الرياض من شرقها إلى غربها بطول 135 كيلومتراً، في مسعى لتشجيع رياضة المشي وركوب الدراجات الهوائية، فيما أطلقت الهيئة العامة للرياضة للجميع في 2022 ماراثوناً شارك المئات من السعوديين والأجانب في نسخته الثانية مطلع فبراير الماضي.

كما تضاعفت أعداد أندية اللياقة البدنية للرجال والنساء في مختلف أحياء الرياض، وعادة ما تجاورها مطاعم للأكل الصحي تستهدف الشباب المهتمين بنمط الحياة الصحي.

وقالت البراهيم إنّ “تغييرات سلوك المجتمع تحتاج إلى وقت طويل وهي جهود تبدأ من داخل المنزل ثم المدرسة ثم الجهات الحكومية”.

وتعتبر السمنة مصدر قلق صحي في السعودية، حيث تفيد التقارير الصحية بأن السمنة تعد أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في المملكة العربية السعودية. ووفقاً لمجلة فوربس يعاني حوالي 68.3 في المئة من السعوديين من زيادة الوزن.

وتعتبر المملكة العربية السعودية أحد أسرع البلدان نمواً اقتصادياً. وقد صاحب هذا النمو المطرد تغير ملحوظ في الأنماط والعادات الحياتية، وعلى وجه الخصوص التغير في طبيعة الغذاء ومستوى النشاط البدني للأفراد.

فما هو ملحوظ أن كمية الغذاء المستهلك قد ازدادت بصورة واضحة، وخاصة الوجبات السريعة والمشروبات الغازية ذات السعرات الحرارية العالية.

وبالرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة حول السمنة على مستوى المملكة، إلا أن العديد من الدراسات الحديثة أثبتت أن نسبة السمنة في المجتمع السعودي قد ازدادت بصورة تثير القلق، حيث أن 23.6 في المئة من النساء و14 في المئة من الرجال يعانون من السمنة، بينما بلغت نسبة الزيادة في الوزن 30.7 في المئة بين الرجال و 28.4 في المئة بين النساء.

وتعرّف السمنة بأنها تراكم مفرط أو غير طبيعي للدهون، وهو ما يلحق الضرر بصحة الفرد. ويعدّ اختلال توازن الطاقة بين السعرات الحرارية التي تدخل الجسم والسعرات الحرارية التي يحرقها، السبب الرئيسي لزيادة الوزن والسمنة.

العرب

مقالات ذات صلة