دائرة الانهيار تكتمل.. والفتنة تلعب في الساحات!
يردد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قصة مفادها، أن “مريضا تم ادخاله الى المستشفى بحالة خطر شديد وكان على وشك الموت، فسارع الطبيب الى انعاشه من دون ان يزيل عنه الخطر فبقيت حالته متأرجحة بين الحياة والموت.
عندما خرج الطبيب الى ذوي المريض ليخبرهم بحالته الصحية، فوجئ بأن البعض من اهله يقولون له: “كان عليك ان تتركه يموت فلماذا انقذته؟”، ويقول البعض الآخر : “لو مات كان افضل، الحق عليك في انقاذه!”، بينما كان آخرون من عائلته يقومون بحصر الارث تمهيدا لتوزيع التركة”.
غالبا ما يُسقط الرئيس ميقاتي هذه القصة على الواقع اللبناني، في ظل إمعان بعض التيارات السياسية في السعي الى اكتمال انهيار البلد واعلان وفاته او نهايته، فيما يسعى آخرون الى ما يمكن ان يجنوه من مكاسب ومصالح في حال تم هذا الانهيار، ويمنعون الطبيب المتمثل بالحكومة أو بمجلس النواب من الاجتماع ويعملون على عرقلة بنود جدول اعمالها والحؤول دون انعقاد جلسة لتشريع الضرورة بحجة مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية غير الموجود أصلا، والذي لا يريد هؤلاء انتخابه ولا الدخول في توافق او حوار حوله، ولا تسيير شؤون البلد والتعايش مع الشغور الحاصل الى حين اتمام هذا الاستحقاق ما يجعل البلاد والعباد يغرقون في مستنقع من الازمات التي باتت تهدد الكيان برمته.
يبدو واضحا أن دائرة الانهيار بدأت تكتمل في ظل قوى سياسية تصرّ على ضرب كل محاولات الانقاذ وتبدي استعدادا لاحراق البلاد من اجل تحقيق طموحاتها ومصالحها.
كما أن محاولات شل الحكومة التي بدأت منذ انتهاء عهد الرئيس ميشال عون تحولت اليوم الى ما يشبه المؤامرة التي ينفذها البعض لمنع تنفيذ اي قرار يصدر عن الحكومة او عن رئيسها ووزرائها، وضرب أية إيجابية يمكن ان تريح الاجواء او تعيد بعضا من الثقة الى المواطنين، وذلك في محاولة واضحة لتفريغ الدولة من اي نفوذ او حضور تمهيدا للفوضى الشاملة لاعادة خلط الاوراق التي يعتبر بعض الطامحين انها قد تساهم في تبدل الظروف لمصلحتهم.
بالرغم من تعليق إضراب المصارف واستجابة الجمعية لتمنيات الرئيس ميقاتي الا ان ذلك لم ينعكس على السوق السوداء التي استمرت في نشاطها في رفع سعر صرف الدولار الى اكثر من 85 الفا، في حين اشارت معلومات الى ان جمعية المصارف ستعقد اجتماعا الخميس المقبل لاتخاذ قرار جديد حول الاضراب في ظل انقسام مجلس ادارتها بين مؤيد له ومعارض، خصوصا ان لا حلول قضائية في الافق، فالقاضية غادة عون بالرغم من قرار منع الاجهزة الامنية من تسلم استنابات منها الا انها ما تزال تقود حملة على المصارف التي تتعرض لتشويه سمعة من شأنها ان تخفض مستوى تصنيفها، فضلا عن الادعاء على حاكم مصرف لبنان الذي رغم كل ما يصدر بحقه ما يزال يمارس عمله ويصدر التعاميم.
لا شك في ان شل القطاع المصرفي من شأنه ان يعطل القطاع العام وان يحول دون تنفيذ القرارات المالية المتخذة من قبل الحكومة والتي اقرت بعضها في جلسة امس وأجلت بعضها الآخر بانتظار إعداد تصور كامل لهذه التقديمات.
كل ذلك، يضاعف من المخاطر التي تتراكم حول لبنان، فالمؤسسات الدستورية مشلولة ومن يبادر منها للعمل يصار الى تعطيل قراراتها، والمصارف عائدة الى الاضراب الذي يكاد بلغ كل مؤسسات وادارات واجهزة الدولة، والدولار يكاد يصل الى 90 ألفا من دون اي تدخل من مصرف لبنان الذي يقف مجلسه المركزي عاجزا، فيما القضاء يتلهى بخلافاته وتصفية الحسابات السياسية من خلاله، والجرائم تتنامى والفتنة العطشى للدماء تلعب في الساحات اللبنانية من دون حسيب او رقيب ولعل حادثة خطف وقتل الشيخ احمد الرفاعي اكبر دليل على ذلك، لتقتصر مظاهر الدولة على حكومة مستهدفة وقوى عسكرية وأمنية متهالكة بفعل الازمة الاقتصادية.
غسان ريفي- سفير الشمال