تعثّر فرنجية… ونكسة للرئاسة على خطوط ثلاثة!
تحوّلت الجلسة التشريعية إلى حدثٍ أوّل، سواء عقدت أو لم تعقد، ومن خلال مفاعيلها سحب الثنائي الشيعي الرئاسيات من الواجهة. وفي مقابل توقف عدّ الأصوات المؤيدة لفرنجية عند نقطة سلبية، سُجّلت نكسة للاندفاعة الرئاسية على خطوط ثلاثة:
نجح الثنائي الشيعي في تحويل الجلسة التشريعية إلى حدثٍ يتعدّى بأهميته الانتخابات الرئاسية. عقدت الجلسة أو لم تعقد، وسواء حُدّد جدول أعمالها بتراتبية الأهمّ فالمهمّ، أو جرى اعتماد مخارج قانونية للتمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لم يعد الكلام عن الملف الرئاسي حاضراً بالزخم الذي كان عليه في الأسابيع الفائتة. ونجح الثنائي، بذلك، في تحويل خسارة الجلسة بسبب تضافر أصوات المعارضين لها، إلى اختبار للمعارضين والموالين على السواء، وفي وضع الملف الرئاسي في مرتبة ثانية، بعد خطوة تكريس اجتماعات مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية.
وما نجح الثنائي فيه، إثر فرملة عملية تجميع الأصوات لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، هو سحب ملف الرئاسة من يد الجميع بعدما استشعر خسارة أولى في تزخيم معركة فرنجية، إذ ثبت (حتى الآن) خسارة أصوات سنيّة كان الرهان كبيراً عليها.
في المقابل، توقفت الاندفاعة الرئاسية التي بدت ناشطة على خط بكركي ومحاولات البطريرك الماروني بشارة الراعي مع القيادات المارونية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وبدا الأطراف الثلاثة في موقع ابتلاع الخسارة الأولى التي مُنوا بها في تنشيط الملف الرئاسي.
لم تنجح بكركي في أن تدفع ملف الرئاسيات الى الأمام. فبعدما تمكّنت القوات اللبنانية من وقف مسار الاجتماعات النيابية التي كانت بكركي ترغب في استضافتها، وتمسّكها بحقّ تعهّد المشاركين بالتسليم بقرار الأكثرية، تراجع المسار البطريركي وبدأت محاولات إفرادية يقودها أساقفة في محاولة للقيام بدور سياسي، هي نسخة عن المداولات التي أجراها الراعي مع القيادات المارونية أو من يمثّلهم، أو تلك التي أوكلها الى أحد المقرّبين منه لاستكمالها وتوسيع الاتصالات مع غيرها من القوى السياسية. وتراجع بكركي بعد أسابيع من الضخّ الإعلامي والسياسي، يجعل من الصعب عليها بعدما حصرت دورها في إطار محدّد لا تستطيع تخطّيه والدخول في لعبة أسماء المرشحين، أن تعيد إطلاق أيّ مبادرة في المدى القريب تعيد الملف الرئاسي الى طاولة الحدث، وهذا يعني خسارة مزدوجة في الدور والسيناريو الذي كانت تأمل حصوله. وما نجحت به المعارضة أنها وقفت في وجه مسيحيّي الموالاة من دون أن تتمكن من كسر حلقة التضييق على الرئاسة.
بدوره، حارب جنبلاط على جبهتين في إطلاق معركة الرئاسة على قاعدة تقريب وجهات النظر: القوى السياسية المسيحية معارضة وموالاة من جهة، والرئيس نبيه بري وحزب الله من جهة ثانية. انطلق جنبلاط الذي كان أول المحذّرين من تسمية فرنجية من مواجهة داخل البيت ضد احتمال القبول بتسوية فرنجية، لينتقل الى تسميات رديفة. وبات من الصعب عليه تجاوز المعارضة الداخلية لفرنجية، ولو من أجل ترطيب العلاقة مع الحزب ومسايرة بري. فجنبلاط الواقع بين معارضة مسيحية حادة لفرنجية، وبين مصلحة الحزب والعائلة والجبل، حاول إيجاد مساحة مشتركة، لكن حركته تعثّرت نتيجة اصطدامه برفض متعدّد الجوانب. لا حزب الله في وارد التسليم بالانسحاب من معركة فرنجية التي لم يطلقها رسمياً بعد، ولا المعارضة المسيحية في وارد التخلي عن النائب ميشال معوض من دون ثمن مرتفع، ولا التيار الوطني سلّم بمساحة الاتفاق مع جنبلاط على قواسم رئاسية مشتركة. وتالياً، أصبح من الصعب على جنبلاط أن يخوض مغامرة ثانية من دون أن يكسر الجرّة مع أيٍّ من الجهتين. وهو في سعيه الى إيجاد حل وسط، بدأ يتلمّس حجم المعركة التي تخاض ضد الأسماء التي حاول تسويقها، كما أنه بات مقتنعاً، نتيجة ما خلص إليه اجتماع باريس، بأن لا انتخابات قريبة كي يمكن البناء على أيّ مبادرة جديدة جدية.
يبقى باسيل الذي حاول أن يقود حركة موسعة في كلّ الاتجاهات. لكن مشكلة باسيل أن علاقته مع حزب الله طغت كأولوية على ملف الرئاسة. وهو تحت سقف علاقته المتعثّرة بالحزب بات يربط كل شيء، الجلسة التشريعية واجتماعات الحكومة وانتخابات رئيس الجمهورية، بمدى تحسن علاقته بالحزب أو قطعها. وصار وضعه في المنطقة الرمادية أكثر صعوبة وهو يتلقّى رسائل حادّة خاصة ومباشرة، أو سياسية عبر تحديد جلسات مجلس الوزراء والتمسك بترشيح فرنجية. وتدريجاً، بات يفقد قدرة المناورة، علماً أن قراره عدم تغطية الجلسة التشريعية ليس منوطاً به وحده، بل يعود أيضاً الى نواب في التيار تحديداً كانوا مصرّين على رفض المشاركة. وحراجة وضعه حالياً أنه بإمساكه ملف الرئاسة يعتقد أن إدارته تشبه مرحلة إيصال الرئيس ميشال عون الى بعبدا. وهو بذلك يخطئ في تقدير حسابات حزب الله، لأن ظروف المنطقة وإيران وسوريا كانت مختلفة عن تلك التي تحيط اليوم بحزب الله. والحزب ليس في وضع يسمح فيه بزيادة في منسوب «دلال» باسيل الذي يخسر تدريجاً أوراق معاركه. ومجرد تكرار سيناريو إدارة معركة عون يعني خطأً في التكتيك والاستراتيجيا. فحتى الحزب نفسه المتمسك بفرنجية يترك مساحة الحوار مشرّعة وليس على طريقة تمسكه بعون. ومن المبكر احتفال التيار بوقوف الحزب ضد قائد الجيش، لأن الحزب لم يقل لا علنية، كما لم يقل نعم علنية لفرنجية، وباب التفاوض مفتوح ما دام قرار إجراء الانتخابات مؤجلاً حتى إشعار آخر.
هيام القصيفي- الاخبار