مواجهة شيعية مسيحية… وخطر “الانفصال”!
انكسرت العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله. سيكون للإنكسار تداعيات سياسية على المدى الأبعد. قد يذهب التيار إلى اتخاذ مواقف من شأنها أن ترفع سقف المطالب المسيحية، في إطار التنافس المستمر مع القوات اللبنانية على ذلك. في المقابل، فإن حزب الله يثبت لباسيل يوماً بعد يوم أن ما حققه الرجل كان بالاستناد إلى دعم الحزب، ولولا هذا الدعم لما نجح في فرض ما يريده سياسياً. لذلك، فإن القرار لدى الحزب بهذه المرحلة هو عدم التنازل لباسيل في أي ملف لا في رئاسة الجمهورية، ولا في ملف التمديد لموظفي الفئة الأولى أو المدراء العامين، والذين يشترط باسيل للموافقة على التمديد للواء عباس إبراهيم كمدير عام للأمن العام، أن يشمل التمديد في المقابل الكثير من المدراء العامين في مواقع إدارية مدنية.
سياسة التشدد
باسيل ليس في وارد التنازل، وكذلك بالنسبة إلى الحزب، فيما يستمر البحث عن مخرج للتمديد لإبراهيم من خلال الحكومة أو بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية. وهذا ما كان مدار بحث بين نجيب ميقاتي وابراهيم يوم الأحد. وحتى لو تعذر ذلك، فإن دور إبراهيم محفوظ سياسياً بالنسبة إلى حزب الله، إلا أن التداعيات التي ستنجم عن ذلك ستكون متوترة جداً على حدود العلاقة بين الحزب والتيار الوطني الحرّ. من شأن هذا التوتر والانقسام الذي سيأخذ بعداً مسيحياً شيعياً، فإن الحزب سيذهب إلى التشدد أكثر في مواقفه، خصوصاً في المجال السياسي وفي ملف الانتخابات الرئاسية. إذ أن المواقف المسيحية التصعيدية وحالة القطع معه وتكريس الانفصال والتوتر، سيدفع الحزب إلى التمسك أكثر بفرنجية وعدم التنازل.
التداعيات الأبعد هنا ستكون مرتبطة بأن يتقدم الثنائي الشيعي مشهد المواجهة مع القوى المسيحية. وفي مقابل ذلك، هناك غياب سنّي قاتل عن الساحة بفعل التشتت، بين مجموعة نواب متفرقة لا موقف لها، ومجموعة أخرى موالية لحزب الله. وهذا بحد ذاته خسارة السنّة لدور أساسي قد يشكل عناصر جمع وتخفيف للتوتر الطائفي. في مثل هذه الأجواء، تصبح الوقائع السياسية في البلاد على مشارف الخطر. هذا الخطر الذي كان قد استشرفه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، والذي يعتبر مقربون من الحزب أنه مبني على معطيات ومعلومات.
“خيبة” من الأميركيين
لم يكن تصعيد نصرالله من فراغ، حتى أن تلويحه بالذهاب إلى حرب في المنطقة ككل، أو مواجهة اسرائيل كردّ على أي فوضى ستتم إثارتها في لبنان، فإن الرجل لجأ إلى مخاطبة الغرب، لأنه يعتبر أن مواقف بعض القوى الداخلية قد تستمد إيحاءاتها من الخارج. هذا بالمعنى التفصيلي. أما بالمعنى الأوسع، فإن استرجاع نصرالله لملف ترسيم الحدود وحقل كاريش وتأخر التنقيب عن الغاز في لبنان، له هدف أساسي بمفعول رجعي، ينطلق من آمال كانت معلقة لدى حزب الله على إنجاز ملف الترسيم.
إذ كان الحزب يتوقع أنه ما بعد إنجاز هذا الملف لا بد من تقاضي ثمن سياسي وآخر اقتصادي. سياسياً، كان يتوقع الحزب أن يسهم إنجاز الترسيم في تعزيز حظوظ حليفه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية من جهة، ومن جهة ثانية فإن الموقف الدولي ولا سيما الأميركي قد يكون متساهلاً أكثر مع لبنان. لكن ذلك لم يحصل. أما اقتصادياً، فكان الحزب يعتبر أنه بتسهيل إنجاز الترسيم لا بد من تسهيل أميركي لإيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، بالإضافة إلى إمكانية غض النظر الأميركي عن الفيول الإيراني. وشيء من كل ذلك لم يحصل.
طروحات الانفصال
لذلك، وانطلاقاً من الصورة الأوسع جاء موقف أمين عام حزب الله تصعيدياً إلى هذه الحدود، ملوحاً باحتمال اللجوء إلى إشعال الوضع في المنطقة، كرد على هذه الضغوط المستمرة. أما المعنى غير الظاهر لعبارة “الفوضى في لبنان ستعني الحرب في المنطقة”، فإن حزب الله يعتبر أن كل محاولات إثارة الفوضى أو إشعال التحركات داخل البيئة الشيعية، أو حتى المواقف التي تنطوي على المطالبة بالتقسيم أو الفيدرالية أو اللامركزية، فهي تخفي في بواطنها استعداد قوى أخرى لتكريس الفصل الجغرافي بعد السياسي عن الحزب وبيئته. وهذه تعني التمهيد لحرب أهلية، لذلك بدا نصرالله رافعاً السقف.
الحملة على الجيش
من مؤشرات الخطورة في هذا المجال، هو تكثيف الحملة التي تشنّ على الجيش اللبناني من خلال الهجوم على قائد الجيش جوزيف عون. وبغض النظر عن الدخول في التفاصيل، إلا أن الهجوم على المؤسسة العسكرية، بعدما كان باسيل أول من أطلق الحملة على قائد الجيش متهماً إياه بالفساد، فإن ذلك يعني بدء معركة الضرب تحت الحزام، في محاولة لإحراق صورة قائد الجيش كمرشح لرئاسة الجمهورية.
ولكن خطورة هذه الحملة في إمكانية استمرارها، والتي ستقود إلى مشاكل ربما داخل المؤسسة العسكرية.
مكمن الخطورة هو بالنظر إلى انهيار كل القطاعات والمؤسسات التي تعتبر من أركان الدولة أو أركان الكيان، فبعد انهيار قطاعات التعليم، الاستشفاء، والقطاع المصرفي والمؤسسات الإستثمارية والمالية، وفي ظل الانهيار القضائي المشهود، ثمة من يتخوف من استمرار الحملات على المؤسسة العسكرية للتأثير في بنيتها المؤسساتية، فتصبح هي أيضاً مهددة، أو أن هناك خطراً يحدق بها. وهذا وحده كفيل لإعطاء صورة قاتمة.
منير الربيع- المدن