ألزهايمر إلى غياهب النسيان… بفضل “ليكانيماب”؟

حتى يعد الدواء مثالياً ينبغي أن يكون فعالاً، وخالياً من الآثار الجانبية، ورخيصاً، وسهل التناول. بناء على ذلك، يمكننا اعتبار عقار “ليكانيماب”، الذي حصل على موافقة سريعة من “هيئة الغذاء والدواء الأميركية” لعلاج المراحل المبكرة من مرض ألزهايمر، مستوفياً أحد هذه المعايير.. إلى حد ما.

تكلفة ومخاطر
فالعقار لا يوقف التدهور المرتبط بحالة التنكس العصبي (أي الأمراض التي تتضمن موت أجزاء معينة من المخ) والتي تؤدي إلى تقويض الذاكرة واللغة والقدرة على العيش من دون الاعتماد على الآخرين، أو يعكسه، ولكنه أول دواء لمرض ألزهايمر يحقق دلالات إحصائية، وإن كانت متواضعة، في إبطاء معدل ذلك التدهور؛ وهي خطوة متقدمة على الأدوية الحالية التي تعالج الأعراض فقط، أي أنه حقق نجاحاً تاريخياً في مجال مليء بالفشل الدوائي.

لكن تُعدّ الآثار الجانبية والتكلفة والراحة، من الآثار السلبية لهذا الدواء. فقد تم ربط عقار “ليكانيماب”، وهو ثمرة تعاون بين شركة “إيساي” في طوكيو وشركة “بيوجن” الأميركية، وسيتم بيعه تحت اسم “ليكيمبي”، بنزيف المخ والنوبات، إلى جانب تسببه في ثلاث وفيات خلال تجربة سريرية مطولة، شملت نحو 1800 شخص. وتبلغ تكلفة العلاج بهذا الدواء إلى 26500 دولار في العام، وهو يتطلب الحقن في الوريد والمراقبة المنتظمة للآثار الجانبية الخطيرة المحتملة. إن مجموعات المرضى وشركة “إيساي” متفائلون، لكن كثيراً من الأطباء لا يزالون غير مقتنعين، فيما يقيد مقدمو الرعاية الصحية استرداد تكلفته. وقد ينتهي الأمر بهذا العقار، على الرغم من أنه يعد تطوراً مهماً، إلى تمثيل انتصار الأمل على الأدلة.

استراتيجية علاجية
مثله مثل عقار “أدوهيلم”، من شركة بيوجن، والذي تم تسريع الموافقة عليه باعتباره علاجاً لمرض ألزهايمر العام الماضي، ولكنه فشل تجارياً لاحقاً، فإن “ليكانيماب” هو علاج بالأجسام المضادة مصمم لإزالة لويحات الدماغ المكونة من مادة تسمى “بيتا أميلويد”. تعد اللويحات أجساماً دقيقة جداً تقضي مهمتها بتخريب مادة الميالين (المادة التي تغلِّفُ معظم الألياف العصبية) والألياف العصبية التحتية في الدماغ والأعصاب البصرية والحبل الشوكي.

ويشتبه في أن تكون هذه اللويحات عاملاً مسبباً لمرض ألزهايمر، ولطالما بدت إزالتها استراتيجية علاجية معقولة. بينما فشل كثير من عقاقير كسر اللويحات المرشحة القائمة على “فرضية الأميلويد”، فإن “ليكانيماب” يعد تطوراً حتى عن “أدوهيلم”، ما ينتج عنه فرق سريري قابل للقياس. تم إعطاء الدواء لزهاء 900 مريض، فلوحظ تباطؤ نسبته 27 بالمئة في تطور المرض لديهم على مدار 18 شهراً، مقارنة بمجموعة أخذت دواء وهمياً، تم تقييمها استناداً إلى مقاييس إدراكية ووظيفية. وتدعي “إيساي” أن النتائج تشير إلى أن مجموعة “ليكانيماب” ستستغرق نحو 25 شهراً لإظهار التراجع نفسه الذي أظهرته المجموعة الضابطة على مدار 18 شهراً. ونشر التحليل في مجلة “نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن” في تشرين الثاني.

شكوك طبية
رغم ذلك، لا تزال هناك حقيقة شائكة: يمكن أن يكون تباطؤ التدهور الإدراكي ذا دلالة إحصائية مهمة وصغيرة للغاية. يقول روبرت هوارد، أستاذ الطب النفسي لكبار السن في كلية لندن الجامعية، إن الاختلاف في الدرجات الإجمالية بين مجموعات العلاج ومجموعات العلاج الوهمي، لم يرق إلى ما يعده معظم المتخصصين مهما سريرياً. تؤدي إزالة اللويحات إلى إضعاف الأوعية الدموية لدى بعض المرضى، ما يزيد من فرصة حدوث نزيف، لذا فإنه “لا ينصح باستخدام ليكانيماب للمرضى الذين يتناولون أدوية مسيلة للدم”، كما لم ينصح هوارد مرضاه بتناوله “لأن الفوائد لا تبرر المخاطر”.

ويقول جيفري براوندايك، الأستاذ المساعد في الطب النفسي والجراحة لدى المركز الطبي بجامعة ديوك في نورث كارولينا، إنه لا يستبعد العقار، ولكن “لا يزال من غير الواضح لكثيرين إن كان ثمة فاعلية سريرية تحسن الأداء بشكل كبير”. يضيف براوندايك أنه يتوقع زيادة في الحوادث السلبية، بما فيها الوفيات، لو تم استخدام “ليكانيماب” على نطاق أوسع.

إلى أين يقودنا ذلك؟ أحد الاستنتاجات هو مدى اختلاف رؤية المرضى وشركات التأمين والأطباء لعقار “ليكانيماب”. فقد رحبت “جمعية ألزهايمر” بموافقة هيئة الغذاء والدواء، لكنها قالت إنه من الخطأ ألا تنفق شركات التأمين الطبي كثيراً من المال من أجله. يعتقد براوندايك أن الموافقة تعكس جزئياً الضغط من جانب قطاع الصناعة والمرضى. ويخشى هوارد من أن الآمال المبالغ فيها ستعمي بصر المرضى اليائسين عن المخاطر. وبينما ينبغي للموافقة على دواء جديد أن تشير إلى “لحظة سعيدة” في علاج مرض يمثل معظم حالات الخرف في العالم، البالغ عددها 55 مليوناً، إلا أنها الآن تؤجج اختلافاً في الرأي.

الاستنتاج الثاني هو أن عقار “ليكانيماب” لا يثبت تماماً فرضية الأميلويد، التي تدعي أن اللويحات تسبب المرض. فكما أشار المدون الصيدلاني ديريك لوي، فإن العقار يزيل اللويحات، لكنه لا يبطئ المرض كثيراً. الأسوأ من ذلك أن إزالة اللويحات تنطوي على مخاطر، وقد نحتاج إلى البحث عن الجذور المسببة لمرض ألزهايمر في مكان آخر.

قد يؤدي الاختيار الدقيق للمرضى إلى إلقاء مزيد من الضوء على عقار “ليكانيماب” بشكل أفضل، ولكن في الوقت الحالي، يتأرجح العقار في تلك المساحة غير المُرضية بين النجاح والفشل؛ يبدو ذلك متناسباً إلى حد ما مع مرض لا يزال شائعاً وغامضاً.

المدن

مقالات ذات صلة