الزلزال والفساد… والدرس الكبير !

بعدما استوعب الجميع كوارث الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة في تركيا وسوريا، بدأت المساءلة!

بطبيعة الحال، غياب الدولة في سوريا، يبعد “أنظمتها” عن كأس الحساب المرّة، ولكن هذه الحال تختلف في تركيا، حيث الحضور الوازن للدولة، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.

وتظهر المعطيات الأوّلية أنّ نسبة الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدها “ضحايا الزلزال” أفظع ممّا يفترض، بسبب الفسادين الرسمي والخاص، اذ إنّ المتعهّدين الذين جنوا الثروات من الأبنية التي شيّدوها وباعوها، لم يلتزموا بمعايير السلامة الواجبة في وقت تغاضت السلطات المختصة عن هذه التجاوزات الخطرة، على الرغم من وضوح القوانين المرعية الاجراء.

ولا يبدو، في ظل تصاعد الغضب الشعبي، أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان سوف يخرج من هذه الكارثة التي نتجت عن الطلاق العنيف بين غضب الأرض وفساد البنّائين، من دون إضرار فادحة، خصوصًا وأنّ الانتخابات الرئاسيّة تطرق الأبواب.

ولن يكون أمام أردوغان وإدارته سوى إطلاق أكبر عملية مطاردة لمتعهّدي البناء والمتواطئين معهم، داخل إدارات الدولة.

وثمّة قناعة واسعة بدأت تترسّخ في تركيا بأنّ أجهزة الدولة، لو لم “تتقاعس” عن القيام بواجباتها، لكان عدد الضحايا أقلّ بكثير، اذ إنّ قوة الزلزال الاساسي وهزّاته الارتدادية، لا تبرر، بذاتها، هذا الحجم المرعب للخسائر المادية والبشرية.

ووفق قناعة الخبراء، فإنّه تمّ السماح، ومن أجل تكديس الأرباح المالية، بتشييد أبنية كثيرة في نقاط غير آمنة جيولوجيًا، كما جرى التغاضي عن تفلّت المتعهدين من الضوابط التي جرى وضعها، في ضوء زلزال العام 1999.
ويقول خبراء الجيولوجيا الأتراك إن كارثة السادس من شباط (فبراير) الجاري سببت دمارًا أكثر من أيّ زلزال ذي حجم مماثل بسبب الاستيطان في مواقع خاطئة، اذ إنّ مناطق الاستيطان في المنطقة المنكوبة تم اختيارها بشكل غير صحيح، كما أنّ الأبنية التي تمّ تشييدها لم تلتزم بالمعايير الواجبة.

ويقول هؤلاء إن الزلزال الذي شهدته تركيا، الإثنين الماضي، لم يكن غير مسبوق من حيث الشدة، مستشهدين بزلزال ضرب مدينة كايكورا النيوزيلندية عام 2016 والذي بلغت قوته 7.8 درجة وأدى إلى مقتل شخصين وإصابة 57 آخرين.

واذا كان أهل تركيا “أدرى بشعابها”، فإنّ ما يثير اهتمام شعوب الدول الأخرى التي تقع أوطانها في مناطق خطرة جيولوجيًا، كما هي عليه حال لبنان، هو ضرورة المسارعة الى سدّ الثغرات التي دفع ثمنها الاتراك غاليًا.

ولتفادي الشرب من الكأس نفسها، لا بدّ من أن تكون هناك دولة، وأن تتمتّع هذه الدولة بالحد الأدنى من النزاهة والاستقامة، حتى لا تقف بوجه “تجّار البشر” الذين يتوخّون الربح السريع فحسب، بل تسارع، أيضًا الى تنظيم حملة دولية، من أجل توفير الموارد اللازمة لمعالجة عاجلة لموضوع المباني المتصدّعة، وما أكثرها!

إنّ بناء الدولة من جهة أولى، واستيفاء المسؤولين فيها لمواصفات الكفاءة والنزاهة، من جهة ثانية، والانكباب على معالجة الاختلالات البنيوية، من جهة ثالثة وحده كفيل بالحدّ من الخسائر الناجمة عن غضب الطبيعة الذي لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه أو توقع ساعته.

إنّ العلماء والخبراء ليسوا منجّمين، حتى يتم الركون الى نبوءاتهم الزمنية، بل هم قرّاء “كلمات الارض” التي تخبرهم عما هو واجب القيام به لتفادي وقوع الانسانية ضحية لغضب الطبيعة.

وعليه، فإنّ تداعيات الفساد لا تقتصر على استنزاف المال العام وهدم الاقتصاد وافقار المواطنين، بل تؤدي الى تدمير المدن وابادة سكانها، أيضًا!

إنّ الدرس الكبير الذي أوصله زلزال تركيا وسوريا، يتمحور حول نقطتين لا بدّ من أن تدفع “غريزة البقاء” في اتجاه احترامهما: قيام الدولة، من جهة ومكافحة الفساد، من جهة ثانية.

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة