هذا ما يحتاجه لبنان لنجاح أي تحرك خارجي تجاهه..!

صحيح أن اللقاء الخماسي الذي انعقد في باريس لأجل لبنان حرص على تبيان أن الدول المشاركة في هذا اللقاء ليست في صدد الدخول في سراديب السياسة اللبنانية والانتخابات الرئاسية على وجه التحديد، والتحذير من تداعيات استمرار الفراغات الدستورية، والحث على القيام بالاصلاحات الأساسية لمنع الانهيار، إلا أن مجرد انعقاد هذا اللقاء هو مؤشر إيجابي على أن هناك من هو مهتم بالوضع اللبناني وأن هذا البلد غير متروك لمصيره كما يُخال للبعض.

 

وما من شك أن أصحاب فكرة انعقاد هذا اللقاء في العاصمة الفرنسية، أرادوه أن يكون نقطة انطلاق عربية ودولية للضغط على المسؤولين اللبنانيين للانصراف الى التفاهم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتأليف حكومة جديدة كمدخل أساسي لولوج الاصلاحات التي تعد بدورها ممراً إلزامياً لمساعدة لبنان للخروج من أزمته.

 

وإذا كان من المعروف سلفاً بأن هذا الاجتماع لن يخرج بأي قرارات حاسمة تجاه الوضع في لبنان، لكن من الممكن أن يعول عليه لأن يكون مقدمة لاجتماعات مماثلة في المرحلة المقبلة إنما هذه المرة على مستوى أرفع تمثيلاً، أي على مستوى وزراء خارجية، باعتبار ان الجميع في الداخل والخارج بات يدرك كامل الإدراك بأن الحل للأزمة الرئاسية من المستحيل أن يكون داخلياً نظراً لموازين القوى الموجودة داخل البرلمان، وكذلك بفعل التصلب الحاصل في المواقف السياسية والذي يمنع على المسؤولين الجلوس على الطاولة وجهاً لوجه للتفاهم على صيغة توافقية تزيح عن المشهد السياسي كل العوائق التي تحول دون انتخاب رئيس للبلاد. وقد عكس رفض «القوات اللبنانية» فكرة اجتماع القوى المسيحية تحت مظلة بكركي وطرح الشروط لذلك عمق الهوة السحيقة التي تفصل بين القوى المعنية اكثر من غيرها بالملف الرئاسي وفق التركيبة السياسية الموجودة في لبنان.

 

وبما أن المشهد السياسي على هذا النحو من «الاهتراء» فإن الآمال معقودة على أن يفعل العامل الاقليمي والدولي فعله بالأزمة اللبنانية للعمل على فكفكة عقدها، وهذا العامل إلى الآن وعلى الرغم من الحراك الذي حصل في باريس ما زال غير متوافر على المستوى المطلوب، حيث ان اسنداد شرايين التواصل بين الدول التي يفترض بها أن تساعد على حل الأزمة ما زال يحول دون بلورة مبادرة عربية أو دولية تجاه لبنان، حيث أن القريب والبعيد يعلم علم اليقين بأن أحد أهم عناصر نجاح أي مسعى خارجي تجاه حل مشاكل لبنان يحتاج الى وجود طهران والرياض، وما دام هذا الأمر غير متوافر فإنه من العبث انتظار الحل الخارجي، هذا اضافة الى ان باقي الدول المعنية بالملف اللبناني منكفئون عن ذلك بفعل التطورات الدولية التي تعتبر بالنسبة إليهم أهم بكثير من إيصال مسؤول لبناني الى كرسي الرئاسة أو تأليف حكومة غير قائمة على حجر أساس سليم هو الاصلاحات ووضع حد للفساد المسبب الرئيسي لما وصل اليه هذا البلد من انهيار.

 

وعليه فإن الآمال تبقى معقودة على الدور الفرنسي في إمكانية إحداث خرق في جدار العلاقة بين الدول الفاعلة في الوضع اللبناني، وكذلك في امكانية التخفيف من حدة الاحتقان السياسي الداخلي الذي يولد يومياً المزيد من الأزمات على كل الصعد.

 

انسداد شرايين التواصل الداخلي يُدخل الاستحقاق الرئاسي مرحلة الانتظار السريري
وتؤكد مصادر سياسية في هذا البلد، بأن لا فرنسا ولا غيرها قادر على اجتراح الحلول للبنان، ما لم يكن هناك استعداد داخلي للتعامل مع اي مبادرة او دور خارجي، وبالتالي فان امد الأزمة طويل، وأنه من العبث التفكير للحظة واحد بأن ما يعانيه لبنان هو فقط ناجم عن خلاف هذا الفريق السياسي مع ذاك، بل القصة اعمق من ذلك بكثير، فهي تتعلق أيضاً بالعلاقات المتوترة بين الدول ذات الصلة بالوضع اللبناني، وكذلك بما يحدث من تطورات على مساحة العالم.

 

وتلفت المصادر النظر الى انه في حال تمت الدعوة للقاء جديد في العاصمة الفرنسية أو غيرها للدول التي شاركت في اجتماع باريس وعلى مستوى أرفع، ساعتئذ من الممكن ان نقول ان هناك حراكاً جدياً تجاه لبنان، على ان يترافق هذا الحراك مع تواصل مع ايران والمملكة العربية السعودية، لكي يأخذ أي بيان او قرار يصدر الطابع الجدي ويلقى قبولاً لدى المسؤولين في لبنان ينصاعوا من خلاله الى الارادة الدولية، بعد ان انقطع الامل بوجود اي معطى داخلي من الممكن ان يؤدي الى تحقيق هذا الغرض.

 

وترفض المصادر نعي مؤتمر باريس، كون ان لبنان لم يكن ينتظر ان يخرج هذا المؤتمر بقرارات تضع الوضع اللبناني على سكة الحل، ولكن بمجرد انعقاده يعني ان هناك من الدول ما زال يفكر بلبنان، ويترك له مساحة وإن ضئيلة على أجندة اهتماماته الخارجية، وأن ما صدر عن المجتمعين كان هو المتوقع خصوصاً لناحية عدم الدخول في تفاصيل الواقع اللبناني، وحث اللبنانيين على معالجة شؤونهم بأنفسهم سيما لناحية الشروع في القيام برزمة اصلاحات ضرورية لوضع الأزمة الاقتصادية والمعيشية على سكة الحل.

 

وفي رأي المصادر ان فرنسا والدوحة تكاد تكونان من اكثر الدول المتحمسة لوضع حد للمأساة اللبنانية، غير أنهما ما زالا عاجزين عن إحداث الاختراق المطلوب في جدار الأزمة بما يؤدي الى فكفكة عقدها، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الوضع اللبناني سيبقى الى اجل غير مسمى في دائرة المراوحة التي يخشى أن ينتقل منها الى مرحلة من الفوضى في ظل الموت السريري الذي وصل اليه لبنان على المستوى السياسي.

 

حسين زلغوط- اللواء

مقالات ذات صلة