مساعدات سعودية للبنان بـ7 مليارات في هذه الحالة؟!

إنتقل اجتماع باريس الخماسي من كونه منصة لتقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للبنان إلى كونه أيضاً منصة لتحديد مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية. وثمة دور أساسي تضطلع به المملكة العربية السعودية في هذا الملف، ضمن مجموعة الخمسة، في ضوء زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا للمملكة.

عندما يُسأل السعوديون المعنيون: ما هي خياراتكم للرئاسة؟ يتجنبون الإدلاء بأي موقف. فالمملكة تُحاذر إقحام نفسها في هذا الملف بأي شكل، في اعتباره شأناً لبنانياً داخلياً. فهوية الرئيس المقبل لا تعنيها. لكن القوى السياسية اللبنانية تبلغت بشكل متواتر أن ما يعني السعوديين طبعاً هو أن تكون تركيبة السلطة في لبنان، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، غير صدامية مع المملكة، وتحترم العلاقات التاريخية الطيّبة بين البلدين.

 

أي إن المملكة تريد علاقات طبيعية مع لبنان. وهي لا ترى أن ذلك ممكن التحقيق في ظل رئيس للجمهورية ينضوي في الصف الذي يكنّ العداء السياسي علناً لها، ويتحالف مع إيران ضدها، خصوصاً في اليمن. وبالتأكيد، هي تتمنى أن يكون رئيس الجمهورية توافقياً على المستوى الداخلي وأن يحظى بالثقة عربياً ودولياً. وهذه المواصفات لا تنطبق على أي من المرشحين المعلنين اليوم، والمنضوين في خط 8 آذار.

 

وعندما يُسأل السعوديون: ولكن، ماذا لو جرى تجاوز تمنياتكم وتمّ انتخاب رئيس للجمهورية يمثّل الصف الذي تعتبرونه صدامياً معكم؟ يقولون: في هذه الحال، فلتكن إرادة اللبنانيين التي لا يحق لأحد الاعتراض عليها. وسيكون مناسباً للقوى السياسية في لبنان أن تفكر جيداً في مصلحة البلد، وليتحمَّل كل طرف مسؤوليته.

 

فليس من مصلحة اللبنانيين أن يتلكأوا عن الاستجابة لقرار الإصلاح، وقد تأخروا كثيراً حتى اليوم، فكرَّسوا الوضع الشاذ الذي هو أساس أزماتهم في الداخل وسبب عزلتهم العربية والدولية.

ومن البديهي أن لا تتجاوب المملكة مع طلب المسؤولين اللبنانيين تقديم المساعدات التي يطمحون إليها، لأنهم ليسوا في وارد العودة إلى مرحلة كانوا يُغدقون فيها المساعدات على لبنان، فيما تقوم فئات لبنانية وازنة في السلطة بردّ الجميل في شكل حملات سياسية تستهدفها وبالتورط في حرب اليمن.

 

لكن الجديد أيضاً هو تبدّل النهج السعودي بالنسبة الى ما يتعلق بالمساعدات الخارجية عموماً. فقد أعلن وزير المال السعودي محمد الجدعان، في منتدى «دافوس» الاقتصادي، قبل أيام، أن بلاده سترفض بعد اليوم دفع المساعدات أو المنح المالية، حتى إلى الدول الحليفة، ما لم تلتزم تلك الدول بالإصلاحات الاقتصادية.

وبرّر ذلك بالقول: اعتدنا تقديم المنح والمساعدات مباشرة من دون شروط. لكننا نفرض ضرائب على شعبنا في سبيل ذلك. ونتوقع من الآخرين أن يفعلوا الأمر نفسه وأن يبذلوا جهداً. وأوحى كلام الوزير السعودي بأن حصول الدول على مساعدات سعودية لن يكون تلقائياً وسهلاً بعد اليوم. وهو يعني انتقال السعودية من منطق تقديم المساعدات بلا مقابل ولا شروط إلى منطق الاستثمار الاقتصادي للموارد.

 

وثمة كلام يتردَّد في بعض الأوساط مفاده أنّ لبنان، إذا انتهج طريق الإصلاح، يستطيع تحصيل مساعدات من المملكة تصل إلى حدود الـ7 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي السعودي الذي يعتبر واحداً من أكبر 5 صناديق استثمارية في العالم، وتفوق أصوله الـ620 مليار دولار. وهذا الصندوق، الذي يترأس مجلس إدارته وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، كان قد أعلن، في الخريف الفائت، تمويل شركات استثمارية، برساميل تصل إلى 24 مليار دولار، في 5 دول عربية هي الأردن والبحرين والسودان والعراق وسلطنة عمان. وبالتأكيد، كان ممكناً أن يستفيد منه لبنان لو تجاوبت فيه السلطة مع شروط الإصلاح وتطبيع العلاقات مع العرب والمجتمع الدولي.

 

ووفق الأرقام التي تنشرها منصة المساعدات السعودية على موقعها الالكتروني، فإنّ الرياض قدمت أكثر من 84.9 مليار دولار على شكل مساعدات لدول العالم. وقد جاءت اليمن في المرتبة الأولى بأكثر من 20.68 مليار دولار، ثم مصر بأكثر من 13.7 ملياراً، ثم كل من سوريا وباكستان بما يزيد عن 7 مليارات، وفلسطين بـ5.18 مليارات.

أما لبنان، وعلى رغم النظرة السعودية إليه في الأعوام الأخيرة، فقد قاربت قيمة المساعدات التي وصلت إليه من الرياض 2.65 مليار دولار. وهو يبقى حتى اليوم بين الدول الـ6 الأكثر حصولاً على المساعدات السعودية.

ويقول المتابعون إن لبنان كان مرشحاً ليحظى بأرقام من المساعدات أعلى بكثير. وهو ما زال قادراً على الاستفادة من مبالغ تصل إلى الـ 7 مليارات دولار، إذا التزم التعهدات واستعاد تموضعه الطبيعي في محيطه العربي. لكنه حتى اليوم لا يُظهِر أي إشارة إلى ذلك، وما زالت القوى النافذة فيه تفوِّت الفرص الواحدة تلو الأخرى، وتُغرق البلد في مزيد من العزلة والخراب.

ولذلك، من الواضح أن الإطار الذي سيعمل تحت سقفه لقاء الخمسة الباريسي لن يلقى التجاوب المناسب في لبنان. وقد بدأت تظهر مواقف 8 آذار الرافضة، وفي شكل استباقي، سواء في ملف الرئاسة أو في ملف الإصلاح، ما يعني أن ساعة الحل ما زالت متأخرة.

 

طوني عيسى – الجمهورية

مقالات ذات صلة