هل بدأت تتغير التحالفات في ملف انتخاب رئيس للجمهورية؟!
الفرقاء اللبنانيون أقرب إلى التخلي عن مرشحيهم الحاليين للرئاسة!
يمكن القول إن ثمة جديد على خط مساعي إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان، لكن التوصل إلى انتخاب رئيس يتطلب وقتاً، لأن المسافة ما زالت طويلة بين الاقتناع الفعلي من قبل الفرقاء المعنيين بالتخلي عن الأسماء التي يرشحونها حالياً للمنصب وبين تفاهم أكثرية تتشكل نتيجة تسوية ما، على اسم بديل يحقق النصاب القانوني المحدد بثلثي أعضاء البرلمان الـ 128، أي 86 نائباً، من أجل الاقتراع للمرشح الذي تتفق عليه هذه الأكثرية، بأكثرية النصف زائداً واحد (65 صوتاً) في الدورة الثانية من التصويت على أبعد تقدير، فهل تضغط الجهود الخارجية والمحلية لتقليص تلك المسافة؟
وسنستعرض في ما يلي حصيلة الحراك الذي شهدته الساحة السياسية اللبنانية على وقع التدهور اليومي المستمر في الأوضاع المعيشية والمالية وفي انهيار سعر صرف العملة الوطنية.
بين مساعي الداخل واجتماع باريس
المساعي المتعددة لإحداث اختراق في الجمود الحاصل لإنهاء الفراغ الرئاسي الذي دخل شهره الرابع تتوخى دفع الفرقاء الرئيسين إلى التخلي عن المرشح الذي يتمترسون خلفه من دون أن يتمكنوا من كسب مزيد من الأصوات له بعد 11 جلسة نيابية، وإلى “لبننة” الاستحقاق الرئاسي، من دون انتظار جهود الخارج، ومع ذلك، فإن واحدة من المحطات التي ينتظرها الوسط السياسي اللبناني لمعرفة الوجهة التي يمكن أن تسلكها جهود إنهاء الفراغ، هي الاجتماع الخماسي الذي ينتظر أن تستضيفه باريس، المتوقع الأسبوع المقبل، ويضم ممثلين على مستوى مستشارين ومديرين في وزارات الخارجية في فرنسا وأميركا والسعودية وقطر ومصر، لبحث الأزمة اللبنانية وسبل المساعدة على إنهاء الفراغ وتشكيل حكومة جديدة تسرع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية لانتشال البلد من الحالة البائسة التي يتخبط فيها، وهذا الاجتماع قابل للتأجيل بضعة أيام حسبما أكدت مصادر سياسية لبنانية متصلة بالعاصمة الفرنسية لـ “اندبندنت عربية” وبجهات عربية معنية، من أجل مزيد من المشاورات التي يجريها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول خريطة الطريق التي سيضعها المجتمعون في شأن الحلول لأزمة الرئاسة وتكوين السلطة والأزمة الاقتصادية المالية المعيشية.
بحث خارجي في الأسماء
وعلى رغم إشاعة الأجواء عن الموقف الخارجي، بأن العواصم المهتمة بلبنان ليست مستعدة للتورط في طرح أسماء أو ترجيح اسم معين كي تدفع الفرقاء المحليين إلى تبنيه، ومع تكرار قادة وزعامات لبنانية أن العالم ليس مهتماً بتفاصيل التناحر الداخلي حول الرئاسة ويلح على القوى الرئيسة أن تنتخب رئيساً في أقصى سرعة، فإن معطيات برزت في الأسبوع الماضي، تشير إلى أن تقويم العواصم المعنية بلبنان للتراجع القياسي في الوضع الاقتصادي المالي والمعيشي في ذلك البلد بات يتطلب تدخلاً من أجل تسريع انتخاب الرئيس كي تبدأ معالجة الأزمة، منعاً للارتطام الكبير الذي يحذر منه الجميع جراء الشلل في السلطة السياسية الذي ينعكس على كافة المؤسسات وإدارة الأزمة، ويبدو أن فرنسا تقود من خلال اجتماع باريس المرتقب المحاولة الأخيرة للتوصل إلى مخرج من الشغور الرئاسي حتى لو تطلب الأمر البحث في ترجيح اسم أو اثنين.
سواء نجحت الجهود الدولية الإقليمية في هذا الشأن، أم لا، فإن دلائل حصول معطيات جديدة في الداخل اللبناني تعود إلى عوامل عدة تضاف إلى الضغط السياسي ومن قبل القيادات الروحية لا سيما المسيحية، نظراً إلى تفاقم المشكلات الحياتية الناجمة عن القلة في العملة الصعبة وانكماش الاقتصاد وفقدان سلع وأدوية وارتفاع كلفة التنقل والتعليم والغذاء جراء قفزات سعر الدولار الأميركي الهستيرية، وهذه العوامل تتلخص بالآتي:
يأس “حزب الله” واستعداد بري
يئس “حزب الله” من التفاهم مع حليفه “التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل على دعم ترشيحه لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، حيث انتهى آخر لقاء بين قيادة “الحزب” وباسيل لتبديد الخلاف على تأييد “الحزب” لاجتماعات الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي وعلى رفض باسيل دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، إلى نتائج سلبية. والمعروف أن تمسك “حزب الله” بفرنجية وغضبه من باسيل يعود إلى أنه كان يراهن على أن تصب أصوات نواب “التيار الوطني الحر” (17 نائباً زائداً أربعة حلفاء) لمصلحة مرشحه فيصبح عدد أصوات “الثنائي الشيعي” مع حلفائهما زهاء 62 صوتاً، على أن يعمل مع بري على تأمين ثلاثة أصوات من المعسكر المقابل (نواب الشمال من السنة أو غيرهم ليصبح العدد 65) فيضمن فوز فرنجية بالأكثرية العادية في الدورة الثانية من الاقتراع، لكن امتناع باسيل عن تأييد فرنجية أحبط “الحزب” وأفقده القدرة على تأمين الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية من الاقتراع لصعوبة تعويض عدد نواب “التيار الوطني الحر” من المعسكر الآخر، للمجيء برئيس موال له، فباسيل يخشى على دوره في حال تبوأ فرنجية الحكم لـست سنوات، جراء الخصومة معه والتي تنامت وتصاعدت طوال عهد الرئيس السابق ميشال عون، ويستدل المتابعون لموقف “الحزب” أن يأسه من إقناع باسيل يضعه في موقع الباحث عن مخرج آخر، في ظل مواصلة الفرقاء الآخرين “السياديين” (حزب “القوت اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” وحزب “الكتائب” وكتلة “التجدد” ونواب آخرين) في ترشيح النائب ميشال معوض، ومواصلة انقسام كتلة “التغييريين” بين ترشيح الأكاديمي عصام خليفة ومعوض وتفضيل كتلة “الاعتدال” الشمالية الحياد في انتظار توافق بين المعسكرين، لكن “الحزب” لم يعلن أو يوح باستعداده للتخلي عن فرنجية في انتظار التفاهم معه على استمراره في المعركة أم لا، وإلى أن تتضح مواقف دول معنية منه يتردد أنها ترفضه لقربه من “حزب الله”، لكن انطباع المتصلين بالحزب من بعض القيادات، أن مسؤولين فيه أخذوا يستمعون باهتمام إلى الدعوة إلى تسوية لاختيار شخصية ثالثة غير معوض وفرنجية، مثل قائد الجيش العماد جوزيف عون.
بري والنصف +1 “لأي مرشح”
إن إعراب رئيس البرلمان نبيه بري عن استعداده للدعوة إلى جلسة نيابية فور ظهور بوادر اتفاق بين الكتل النيابية الرئيسة على مرشح معين يمكنه الحصول على أكثرية النصف زائداً واحد في الدورة الثانية للاقتراع، مع الحفاظ على نصاب الثلثين في الجلسة، بعد اقتراع الدورة الأولى التي تتطلب ثلثي الأصوات. التبس الأمر لدى البعض جراء تصريح المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل حول استعداد “الثنائي الشيعي” للتصويت للمرشح الذي يفضله، أي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إذا تأمنت له أكثرية النصف زائداً واحد، وتسبب حديث النائب خليل بنقزة لدى الأوساط المسيحية التي اعتبرت أن بري يهيئ لإنجاح فرنجية على رغم رفض كتلتين مسيحيتين كبريين هما نواب حزب “القوات اللبنانية” (19نائباً) ونواب “التيار الوطني الحر” حتى لو أسهمتا في تأمين نصاب الثلثين لإبقاء الجلسة مفتوحة في الدورة الثانية من الاقتراع، لأن إنجاح فرنجية في هذه الحال لن يكون بتوافق مع أكثرية نواب طائفته، لكن الأوساط القريبة من بري، والقيادات التي اجتمعت به، أكدت أن هذا التوجه لا يقتصر على فرنجية بل ينطبق على أي مرشح، بما يعني الاستعداد للبحث عن المرشح الذي يمكنه الحصول على الأكثرية العادية، وهذا لا يستبعد أن تخلط الأوراق بحيث يمكن لإحدى الكتلتين المسيحيتين أن تنحاز إلى المرشح الذي تحصل تسوية عليه، كما أن بري لم يذكر اسم فرنجية أو غيره في المشاورات البعيدة من الأضواء مع الكتل النيابية من أجل استمزاج موقفها من الدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس تنتهي بحصول المرشح الأوفر حظاً على الأكثرية العادية أو المطلقة.
تفاهم جنبلاط مع رئيس البرلمان
أجرى رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط سلسلة اتصالات شملت البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي زاره نجله تيمور، رئيس كتلة “اللقاء النيابي الديمقراطي”، بهدف التعاون على معارضة التوجهات نحو الفيدرالية في الأوساط المسيحية جراء تصاعد النقمة ضد إبقاء الموقع المسيحي الأول في السلطة فارغاً، وضد “حزب الله”، ولإطلاعه على التحرك الذي يقوم به للتوصل إلى رئيس تسوية في لقاءاته مع بري، وأفصح جنبلاط بعد اجتماعه الثاني مع بري خلال 10 أيام، عن سعيه بالقول “وصلنا مع الاستاذ ميشال معوض إلى أفق شبه مسدود، لأنه اعتُبر من بعض الفرقاء (حزب الله) مرشح تحد، فلنفتش ونتعاون مع النائب معوض من أجل الوصول إلى مرشح التسوية”.
وفيما اعتبرت أوساط في قوى “8 آذار” (حلفاء “حزب الله”) أن بري يسعى إلى إقناع جنبلاط بالانحياز إلى فرنجية، وأن رئيس البرلمان لا يوافق على مقاربة جنبلاط، فإن مصادر الأخير أكدت لـ “اندبندت عربية” أن بري وجنبلاط متفاهمان إلى أقصى الحدود، حتى لو لم يعلن بري أنه مستعد للبحث عن رئيس تسوية، بالتالي تخليه عن فرنجية، لأن هذا الأمر مرهون باتفاقه مع “حزب الله” على ذلك، لكنه ناقش مع جنبلاط ما سبق للأخير أن طرحه على الحزب حين التقى قياديين فيه، أي الانتقال إلى البحث في خيارات مثل قائد الجيش العماد جوزيف عون، أو الوزير السابق جهاد أزعور، أو النائب السابق صلاح حنين، وتجمع الأوساط المتابعة لردود فعل معظم الفرقاء إزاء هذه اللائحة على أن اسم قائد الجيش يتقدم على الاسمين الآخرين. ويشير العارفون عن قرب بموقف رئيس البرلمان إلى أن حصيلة المداولات معه كانت أن “الخطة ب” للثنائي الشيعي تتطلب نقاشاً بينه وبين “الحزب” حول الخيارات المطروحة، وسط معطيات بأن ترشيح قائد الجيش قوبل بإيجابية في بعض الدول التي تتحفظ على تحالف فرنجية مع “حزب الله”.
جعجع مع “إيجاد” اسم للرئاسة
قال رئيس حزب “القوات اللبنانية سمير جعجع للمرة الثالثة خلال الأشهر الثلاثة الماضية إنه “إذا كانت المشكلة تحل بانتخاب قائد الجيش، فلا مانع لدينا”. وكرر التأكيد أن العماد جوزيف عون أدار المؤسسة العسكرية بجدارة. وبرر في حديث صحافي في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، رفض حزبه دعوة بري إلى مؤتمر للحوار، بأن “هدفها كان إبعاد التركيز من جلسات انتخاب الرئيس ومن تعطيلها من “حزب الله” وحلفائه. فهم الذين لم ينفكوا منذ بدء الجلسات عن التصويت بأوراق بيض ثم الانسحاب وتطيير النصاب”.
وفي معلومات أوساط مطلعة على موقف حزب “القوات” فإن قنوات التواصل بين نوابه وبين بري ونواب “حزب الله” متواصلة بشأن الرئاسة، ولا تأخذ طابعاً علنياً طالما لم تحقق اختراقاً يسمح بتسوية على اسم الرئيس العتيد، مثل اسم قائد الجيش.
وإذ أكد جعجع “أننا نقوم بحوارات في كل الأوقات وفي كل الاتجاهات، باستثناء الحوار المباشر مع حزب الله”، أعلن أن “حركة جنبلاط ليست منسقة معنا، ولكن في المطلق لسنا ضد أي تحرك يمكن أن يؤدي إلى إيجاد اسم للرئاسة”.
وليد شقير – اندبندنت