وضّاح الصادق.. هل يَعي ما يقول؟

لم تَعُد المسألة مع النائب وضّاح الصادق خلافاً في السياسة، ولا في الأحداث التي تقع هنا وهناك فيحْمِلها إلى تفسيرات خاصة به، هواجس، أوهام، تصوّرات، ولا في التحليل الذي يريده سياسياً فينمّ عن احتقان أكثر مما ينمّ عن إدراك… كيف لا وآخر تصاريحه النارية، تجاوزَ كل الأصول حتى في الأدبيات الفطرية المعمول بها في البلد فقد قال:
«مين بيقول المال اللي انضبط بالمطار واللي عم يطالب فيه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مش مال مخدّرات وتبييض أموال واغتصاب وبيع أطفال وبيع أعضاء بشريّة؟».
أكرّر: «مال مخدرات وتبييض أموال واغتصاب وبيع أطفال وبيع أعضاء بشرية».. كل هذه الموبقات والكبائر يتهم فيها مالياً، من دون رفة جفن أو توخّي الدقة أو الحذر من المضاعفات، المجلسَ الإسلامي الشيعي الأعلى؟ المجلس الذي يمثل رأس المؤسسات الدينية لدى الطائفة الشيعية؟
لا في السياسة يمكن أن يُصرَف هذا الاتهام المباشر المبني على محض وقاحة، ولا في الحملات الدعائية الانتخابية التي عادة ما تخرق الأخلاق والسقوف، ولا في خانة «الاتهام السياسي» التي باتت ملجأ ليقول مَن شاء، ما يشاء وما يحلو له بلا أي مستنَد أو وقائع؟ فالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي ابتكر له الإمام موسى الصدر موقعاً متصدّراً في «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه» واعتصم في «العاملية» لمنع الحرب الأهلية، حين كان أزيز الرصاص يعبر فوق رأس الإمام، ورأس الوطن، وأكمل سماحة الشيخين محمد مهدي شمس الدين وعبد الأمير قبلان والآن الشيخ علي الخطيب، مهمة الانحياز إلى الهوية الطبيعية للشيعة في لبنان، وهي اللبنانية قولاً واحداً. فلا يجوز أن نجد نائباً ممن تفيض باحات الإعلام التلفزيوني والصحافي اليوم باتهامهم بتلقّي أموال خارجية ممنوعة وملتبسة المصادر، يرسل لسانَه تطاولاً عليه وتجنّياً وغياباً للعقل، ويتكلّم بهذا النوع العقربي الذي تحاسب عليه القوانين اللبنانية وتحكم بالقدح والذم وما هو أكبر من ذلك.
فهل يجرؤ سعادة وضاح الصادق على الالتفات، مجرّد الالتفات إلى أي مؤسسة موازية للمجلس الشيعي الأعلى، و«يصدح» بأفكاره؟ حتى حين كان أحد المطارنة اللبنانيين للأسف يأتي بأموال من لبنانيين لاجئين إلى إسرائيل بعد التحرير، عبر حدود لبنان مع الدولة العِبرية مباشرةً، وحدثت ضجة سياسية وإعلامية في البلد، لم نسمع سعادته إلّا صامتاً كي لا نقول مرحباً.. ليأتي اليوم فيتهم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بكل ما يمثّل هذا المجلس من كرامة واعتدال واحترام، بأنه يأكل مال الحرام ويرتكب الجرائم الإنسانية.
صحيح أن هناك سوابق للنائب الصادق في توجيه الاتهامات، تحديداً للقوى السياسية التي يناصبها العداء كمثل اتهامه المقاومة بتوظيف أحد «الأبواب» في مطار بيروت لتهريب السلاح في عزّ دين الحرب الإسرائيلية على لبنان، كمن يعطي إشارة «نيابية» لقصف المطار، وقد ذهبَ الإعلام يومها للتحقق فلا وجدَ باباً ولا وجَد مقاوَمة، بل وجدَ نائباً هائماً على وجهه في تصاريح مرتجلة اعتباطية. بَيد أن هذا شيء وإطلاق الاتهامات «ببيع الأعضاء البشرية وبيع الأطفال وتبييض الأموال» بحق المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى شيء آخَر تماماً!
بعض النواب والوزراء ينسون أن دورهم الوطني كبير، فيمسكون آلةً يعزفون عليها ما قدّروا أنه «موسيقى» وهي حقاً نوتات لا وزن فيها ولا مثقال ذرّة من الهِداية، وتجسّدُ خربشات حروفية تعتمد النشاز طريقةً للتعبير. فما الردّ عليه؟ الردّ الأفضل هو انتظار اكتمال جبل الجليد الذي بانَ رأسُه في «فضائح» المال الدولي الذي أُهرقَ على الانتخابات النيابية، ومَن استفاد منه، وكيف، وما هو الثمن الذي «يدفعه» من آرائهم، النوابُ الذين «دُفِع» من أجل إيصالهم إلى مجلس النواب ملايين الدولارات الموثّقة بتوقيعهم، تحت شعار التغيير.
هل يوصل النائب وضّاح الصادق الذين انتخبوه، إلى حدّ الحكم عليه بأنه لا يَعي ما يقول؟
عبد الغني طليس- اللواء