هل ينجح لبنان في تحدي رسوم ترامب الجمركية؟

لا تزال قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المتوقعة تُثير موجة من الاضطرابات على الساحة الدولية، وتلقي بظلالها الثقيلة على مسار العلاقات بين الولايات المتحدة ومعظم دول العالم. وكان أحدث هذه القرارات فرض حزمة من الاجراءات الجمركية الصارمة على البضائع المستوردة إلى الولايات المتحدة، في مشهد يُنذر باحتمال اندلاع حرب تجارية قد تُعيد رسم ملامح المشهد التجاري العالمي وتُحدث تغييرات جذرية في طبيعة التحالفات الاقتصادية الدولية. لم تقتصر هذه الرسوم على الدول الكبرى فحسب، بل امتدت لتشمل دولاً عربية أيضاً، منها لبنان الذي فوجئ، في الثاني من نيسان 2025، بفرض تعريفات جمركية متبادلة بنسبة 10 في المئة على صادراته المتجهة إلى السوق الأميركية.

وقد أثار إجراء ترامب، الذي وصفه بالحدث التاريخي ويوم التحرير لبلاده، حالة من البلبلة الواسعة في الأسواق والبورصات العالمية. إلا أن المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد؛ فبعد ساعات فقط من دخول الرسوم حيّز التنفيذ، تراجع الرئيس الأميركي عن قراره، وأعلن تعليق تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوماً، في مقابل رفع التعريفات على الصين إلى مستوى غير مسبوق بلغ 125 في المئة. وشكّلت هذه الخطوة محطة جديدة في مسار الحرب التجارية المتسارعة، وعكست تصعيداً مباشراً في السياسات التجارية والتوترات الاقتصادية المتنامية بين أكبر اقتصادين في العالم.

التصدير وتحدي الـ10%
بالعودة إلى لبنان، تتجه الأنظار نحو التداعيات المباشرة وغير المباشرة التي قد تترتب على القرار الأميركي. وعلى الرغم من أن لبنان لا يحتل مكانة الشريك التجاري الرئيس للولايات المتحدة، إذ إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ليس كبيراً مقارنة بدول أخرى، غير أنّ الحركة التجارية بينهما شهدت تطوراً تدريجياً في السنوات الأخيرة. وبالتالي، يُثار التساؤل حول مدى تأثير فرض رسوم بنسبة 10 في المئة على الصادرات اللبنانية، وانعكاس ذلك على الاقتصاد اللبناني.

مصادر اقتصادية ديبلوماسية في واشنطن أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن الصادرات اللبنانية شهدت تقلبات طفيفة على مدار السنوات الخمس الماضية، إلا أنها سجلت قفزة مهمة في العام 2024. ويعزى هذا الارتفاع بصورة أساسية إلى الزيادة الكبيرة في صادرات المواد الكيميائية والمنتجات ذات الصلة، وكذلك صادرات الزيوت والدهون الحيوانية والنباتية. وتظل فئة المصنوعات المتنوعة، مثل المجوهرات والمنتجات الخفيفة، هي الفئة الأكبر من حيث حصة الصادرات إلى الولايات المتحدة طوال الفترة الممتدة منذ العام 2020.

نمو 26% رغم العجز التجاري
في تفاصيل الأرقام، بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة 153.15 مليون دولار أميركي في العام 2024، بزيادة قدرها 26 في المئة مقارنة بـ 121.6 مليون دولار في العام 2023، و102 مليون دولار في العام 2022، وذلك وفقاً لإدارة الجمارك اللبنانية. وقد شهدت صادرات المنتجات الكيميائية زيادة بنسبة 69.2 في المئة في العام 2024، ما جعلها من بين الفئات الأسرع نمواً، وهو ما يعكس تغييرات في ديناميكيات التجارة مع الولايات المتحدة ويمنح لبنان فرصة لتعزيز مكانته كمورد بديل لهذه المنتجات. كما زادت صادرات المنتجات الحيوانية بنسبة 67 في المئة، وارتفعت صادرات المنتجات النباتية بنسبة 38.8 في المئة. إضافة إلى ذلك، نمت صادرات المواد الغذائية الجاهزة والمشروبات والتبغ بنسبة 9 في المئة في العام 2024.

في المقابل، بلغت قيمة الواردات من الولايات المتحدة إلى لبنان 569.3 مليون دولار في العام 2024، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 19.3 في المئة مقارنة بـ 705.3 ملايين دولار في العام 2023، وبانخفاض عن 967.9 مليون دولار في العام 2022. وشملت الواردات من الولايات المتحدة إلى لبنان بصورة أساسية المركبات ومعدّات النقل، التي بلغت قيمتها نحو 133 مليون دولار، ما يُشكّل 23.4 في المئة من إجمالي الواردات. تلتها المنتجات الكيميائية بقيمة 111.4 مليون دولار (19.6 في المئة)، ثم الآلات والمعدّات الكهربائية بقيمة 77 مليون دولار (13.5 في المئة)، فالمنتجات النباتية بقيمة 60.1 مليون دولار (10.6 في المئة)، وأخيراً المواد الغذائية الجاهزة والمشروبات والتبغ بقيمة 45.6 مليون دولار، أي ما نسبته 8 في المئة.

وبذلك، سجل لبنان عجزاً تجارياً مع الولايات المتحدة بلغ 867 مليون دولار في العام 2022، و583.7 مليون دولار في العام 2023، و416.2 مليون دولار في العام 2024. كما مثلت صادرات لبنان إلى الولايات المتحدة 2.9 في المئة من إجمالي الصادرات في العام 2022، و4.1 في المئة من الصادرات اللبنانية في العام 2023، و5.7 في المئة من الصادرات في العام 2024.

التنافسية وتعزيز التصدير
وبحسب المصادر، يستفيد لبنان من وضعه كدولة تتمتع بمعاملة الدول الأكثر تفضيلاً (Most Favored Nation MFN) بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، ما يضمن له معدلات تعريفات منخفضة ومستقرة نسبياً (وهي النسب العادية). وتجدر الاشارة إلى أن التعريفة الجمركية للدولة الأكثر تفضيلاً هي تلك التي تطبقها الدولة بصورة متساوية على جميع شركائها التجاريين. وعلى الرغم من ذلك، قد يؤثّر فرض تعريفات جمركية جديدة من الولايات المتحدة على لبنان (العشرة في المئة المُضافة إلى الرسوم المفروضة حالياً) وعلى دول أخرى، بصورة طفيفة وغير مباشرة، في الصادرات اللبنانية بطريقة إيجابية.

ويُمكن أن تتحقّق هذا الايجابية من خلال تراجع القدرة التنافسية للمنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة من الدول التي فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة مقارنة بالرسوم المفروضة على لبنان، ما يُتيح فرصة للمنتجات اللبنانية لدخول السوق الأميركية ومنافسة هذه الدول. إذ يُمكن للبنان استغلال هذه “العاصفة الجمركية” لتعزيز حضوره التصديري في السوق الأميركية، في ظل الفروق في نسب الرسوم الجمركية.

وفي هذا السياق، تعد فئة المصنوعات المتنوعة، التي تمت الاشارة إليها أعلاه، الأكثر حساسية تجاه التحولات في السياسات الجمركية العالمية، إذ يعتبر هذا القطاع الأكثر تأثراً، بحيث يمكن أن يستفيد من تحول التجارة إذا سعى المستوردون الأميركيون إلى اللجوء إلى مصادر بديلة مثل لبنان.

كما أن وضع لبنان ضمن اتفاقية المعاملة التفضيلية يضعه في موقع تنافسي، خصوصاً بعد تعليق الرسوم الجمركية. ومع ذلك، فإن أي زيادات جديدة في التعريفات ستضاف إلى التعريفات الحالية. ولكن مع ذلك، فقد أثبتت الصادرات اللبنانية في السنوات الماضية قدرتها على الصمود أمام التغيرات الكبيرة في سلاسل التوريد في الولايات المتحدة، وتمكنت من الحفاظ على مستواها على الرغم من الأزمات التي مرّ بها القطاع الصناعي في لبنان.

موقع لبنان الكبير

مقالات ذات صلة