الشيعة في لبنان يعيشون حال مكابرة خطيرة: “الحزب”… لسنا “القوات” ولن نسلم السلاح!

منذ صاح الامام موسى الصدر في أنصاره قائلاً: “السلاح زينة الرجال”، والبيئة الشيعية لا تعرف العيش خارج الترسانات، ولا التعايش مع أحد ما لم يكن مسدسها حول خصرها أو على الطاولة.
ومنذ قال حافظ الأسد لحلفائه الايرانيين تمسكوا بالسلاح تحت شعار “المقاومة” بديلاً من امتيازات لم تحصلوا عليها في اتفاق الطائف، والشيعة يأخذون بالقوة ما لم يأخذه الموارنة في عصرهم الذهبي، وما لم يأخذه السنة بعد مصادرة الصلاحيات الرئاسية، مكرّسين في بيئتهم معادلة: حق القوة لا قوة الحق معتمدين على أمرين اساسيين: حاجة السوريين اليهم في لعبة الكر والفر مع اسرائيل وحاجة الايرانيين اليهم لبناء الهلال الشيعي الموعود.
وليس في هذا العرض أي افتراء أو تجريح، اذ ان الشيعة اللبنانيين في غالبيتهم الساحقة لم يقدموا أي دستور أو عرف أو تفاهم أو تسوية على موضوع السلاح الذي تحوّل الى آلة كاسحة تأخذ في طريقها كل ما يمكن أن “يشيطن” ولاية الفقيه، أو يعرقل بناء جمهوريتهم الاسلامية العتيدة.
ويقول مصدر قريب من “حزب الله” في هذا الشأن ان بيئته لم تعد تجيد في عالم السلطة ما لا يفرضه السلاح، وانها من دونه تشعر بالعري أو على الأقل بأنها طائفة لا صوت لها ولا دور ولا قرار، مشيراً الى أن ما أصاب المسيحيين بعد التخلي عن سلاحهم، لم يحوّلهم الى شركاء آمنين بقدر ما حوّلهم الى ضحايا في مكان وأرقام في مكان آخر.
ويضيف: ان جل ما يريدونه من النظام السياسي في لبنان ليس المشاركة في بناء وطن سيد ومتنوع، بل توفير غطاء دستوري وقانوني وسياسي لهذا السلاح، هم الذين أبعدتهم دمشق من السلطة التنفيذية تلبية لضغوط من الأميركيين قبل أن يدخلوها من الباب الواسع بعد انسحاب الجيش السوري في العام ٢٠٠٥.
ويتابع: ان الشيعة اللبنانيين يقرون في كواليسهم بأنهم خسروا الحرب في كل الميادين التي قاتلوا فيها، وبأنهم باتوا معزولين من دون حلفاء، ومهجرين من دون منازل، وعقائديين من دون سلطات، ومحاربين من دون قيادة، لكنهم يؤمنون بأن القيامة لا بد تأتي ما دام السلاح متوافراً، وما دام أحدهم قادراً على حمله، وما دام أحد غير قادر على نزعه.
وأكثر من ذلك، تذهب أوساط سياسية شيعية بعيداً الى حد القول، إن بيئة الحزب تعرف أنها فقدت الكثير الكثير من قوتها القتالية البشرية وأن الجيش اللبناني بات في موقع عسكري يسمح له بالتفوق ميدانياً على ما تبقى من مصادر قوته العسكرية، لكنها ترفض التسليم بهذا الواقع وتبدي استعدادها لتدمير لبنان على رؤوس الجميع اذا حاول الحكم الجديد في بيروت الانصياع للضغوط الأميركية والعربية، مؤكدة أن ما تسعى اليه هو العودة الى ما كانت عليه قبل الهزيمة لا الى ما كانت عليه قبل “الطائف”.
وتضيف: ان الشيعة يعيشون اليوم حال مكابرة خطيرة لا بل حال صدمة نفسية عنيفة ناتجة عما أصابهم من اسرائيل أولاً ثم من سوريا ثانياً، مؤكدين لمن يعنيهم الأمر، سواء في بيروت أو تل أبيب أو واشنطن، أن لبنان بات ملاذهم الأخير، وأن الهزيمة فيه تكاد تضاهي ما أصاب أسلافهم في كربلاء.
نحن لسنا “القوات اللبنانية”، يقول مسؤول في البيئة الشيعية، ولن نخوض تجربتهم التي خاضوها في تسعينيات القرن الماضي عندما تخلوا عن سلاحهم لقاء وعود بالحماية من أميركا وسوريا وفرنسا والعرب، مؤكداً أن من اضطهدهم واعتقل قائدهم هو من وعدهم بهذه الحماية تحديداً.
ويضيف: نعرف أن عدم تسليم السلاح قد يجر المزيد من الويلات على لبنان وبيئتنا، لكننا نعرف أيضا أن تسليمه، في ظل هذه الأجواء العدائية الضاغطة، سيجرنا الى السجون والمنافي اذا قررت الدولة فتح ملفات مطمورة تطاول جرائم عدة تتفاوت بين تفجير المرفأ وسبحة الاغتيالات الواسعة وصولاً الى أعمال التهريب وتبييض الأموال ونشر خلايا ارهابية في أوروبا ودول عربية وإفريقية.
وليس في هذا الانطباع أي مبالغة، يقول مصدر قريب من دوائر الحكم في بيروت، قائلاً: ان العالم يطلب رأس “حزب الله” بأي ثمن متجاهلاً تركيبة هذا الحزب وعقيدته الملتصقة تماماً بما تقرره ايران سلباً أو ايجاباً.
ويضيف: ان الحل ليس تحريك الجيش اللبناني ضده والدخول ربما في حرب أهلية تقضي على ما لم تقضِ عليه اسرائيل بعد، بل التعامل مع ايران سواء عبر حرب تعيدها الى رشدها أو عبر تسوية تفكك هلالها المتهالك محوراً بعد محور في مقابل مغريات يتقدمها رفع العقوبات والحؤول دون سقوط النظام الحاكم في الشارع.
ويتابع: ان الحل في طهران وليس في بيروت، داعياً الأميركيين الى العمل في مكان آخر، وتحديداً لدى الامام خامنئي الذي يسيطر على قادة الحزب في شكل مطلق ومن دون أي اعتراض من أحد.
وانطلاقاً من هذا الواقع، يكشف مصدر رسمي أن المندوبة الأميركية مورغان أورتاغوس سمعت مثل هذا الكلام من المسؤولين اللبنانيين، لكن ما يريده الأميركيون في عهد دونالد ترامب هو غير ما كان يريدونه قبل “السابع من اكتوبر”، مؤكدين أن لا حل في لبنان ولا اعادة بناء إن لم تكن السيطرة الأمنية المطلقة للجيش اللبناني الذي بات، في حساباتهم، قادراً على حسم المعركة مع الميليشيات اللبنانية والفلسطيينية لمصلحته.
ويختم: نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، اما تسقط ايران ويسقط معها “حزب الله” وهذا أمر قيد البحث في الدوائر الأميركية والاسرائيلية، واما الاستمرار في مراوحة بين سلطة قد تخسر العالم ولا تربح الداخل، وبيئة شيعية تعرف أن حربها مع اسرائيل قد انتهت الى الأبد، لكن حرب البقاء لا يمكن أن تنتهي كما انتهت “القوات اللبنانية” يوم سلمت عنقها لجلاد أخفى خنجره خلف ظهره.
انطوني جعجع- لبنان الكبير