زيارة أورتاغوس والتحذيرات الحازمة: الضغط الأميركي الأقصى على لبنان!

تثير زيارات نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، غضب “حزب الله” الذي يعتبرها موالية لإسرائيل وتعمل لمصلحتها على نحو واضح، علماً أن ثمة زيارة متوقعة لها إلى لبنان في نهاية الأسبوع بعد عطلة الأعياد، ستلتقي فيها الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام. ويبدو أن في جعبتها تحذيرات أميركية حازمة حول ضرورة تسريع عملية نزع سلاح “الحزب” تمهيداً للبدء بإعادة الإعمار، وقد استبق الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم زيارة أورتاغوس في كلمته الأخيرة، معتبراً أن إعادة الإعمار من مسؤولية الدولة ويجب أن تتم من دون شروط.
صحيح أن أورتاغوس ديبلوماسية، لكن أسلوبها ليس مرناً، وفق توجيهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بات من الواضح أنه فتح حرباً مع الأذرع العسكرية الايرانية وخصوصاً الحوثيون، وبالتالي لا تختلف استراتيجيته في لبنان عن استراتيجيته في اليمن، فهو بدأ باستخدام القوة العسكرية المفرطة مع الحوثيين، ما ضيّق الخناق على إيران. أما خلفيته السياسية حيال لبنان فليست متساهلة بتاتاً، وهو لمّح مرات عدة للمسؤولين اللبنانيين بضرورة وضع مهلة زمنية لنزع سلاح “الحزب”. وتلفت مصادر إعلامية مطلعة من واشنطن الى أن اورتاغوس ستحمل رسالة من هذا النوع للرؤساء اللبنانيين الثلاثة، تحت طائلة عودة الحرب الاسرائيلية إذا لم يرضخ “الحزب”، وكان القصف الاسرائيلي للضاحية الجنوبية مرتين خلال أسبوع، نموذجاً عما سيحصل في حال بقي “الحزب” متمسكاً بسلاحه.
في المقابل، سيطالبها الرؤساء الثلاثة بضرورة انسحاب اسرائيل من النقاط الخمس في الجنوب، لأن احتلالها بعض الأراضي اللبنانية، يعرقل جهود الحكومة لنزع سلاح “الحزب”، لكن المصادر المطلعة في واشنطن تؤكّد أن وجود اسرائيل في النقاط الخمس هو سيف مصلت على “الحزب” وخط حماية للحدود الشمالية الاسرائيلية، وبالتالي على الحكومة اللبنانية تجريد “الحزب” من سلاحه، كي تستكمل اسرائيل انسحابها من الأراضي اللبنانية على نحو كامل.
إذاً يصح وصف هذه الحالة بأسبقية “البيضة” أو الدجاجة، وخصوصاً أن الثقة مفقودة بين الجانبين بعد حرب مدمّرة، ومهمة أورتاغوس لن تكون سهلة، إلا أنه على الرغم من قساوة مواقفها، ترى المصادر المطلعة أنها لا تزال أكثر مرونة من حقيقة مواقف ترامب وخططه بالنسبة إلى سلاح “الحزب”، فهو يريد إنهاءه خلال شهرين، وإلا سيعمل على إدراج لبنان تحت الفصل السابع وإرسال قوات دولية لتنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة أو تفويض اسرائيل بذلك، في حال رفضت الحكومة اللبنانية التطبيق الكامل للقانون الدولي المتمثل في القرارين 1701 و1559. ويملك ترامب أوراق ضغط كثيرة أهمها تعليق جميع المساعدات المقدمة للبنان، حتى تحقيق نزع سلاح “الحزب”. وهذا الأمر ليس مستبعداً من أجندة ترامب، ومن يشكّ في هذا الأمر، عليه الإتعاظ من تجربته في قطاع غزة، إذ تصرّف مع “حماس” بطريقة عنيفة عندما لم تستجب لإنذاراته ولم تُطلق سراح جميع الأسرى الاسرائيليين، فسمح للجيش الاسرائيلي بمتابعة حربه، وهذا ما حصل!
عيون البيت الأبيض اليوم تتجه إلى الجيش اللبناني، وهناك بعض التباين بين واشنطن وتل أبيب، إذ يعتمد الجانب الأميركي على التقارير الايجابية لرئيس لجنة المراقبة الدولية المُشرفة على وقف إطلاق النار الجنرال غاسبر جيفرز، وهو يرى أن أداء الجيش جيد وقد قام بدوره كاملاً في جنوب الليطاني، أما اسرائيل فتشعر بأن الجيش اللبناني يغض النظر عن بعض نشاطات “الحزب” وخصوصاً في شمال الليطاني التي إنطلقت الصواريخ منها إلى شمال اسرائيل، علماً أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تقوم بتحقيق شفّاف للوصول إلى كشف هوية مطلقيها.
كما تنتظر أورتاغوس خلال زيارتها إلى لبنان، مهمة أساسيّة أيضاً، وربما أكثر أهمية وهي العمل على إطلاق المفاوضات بين لبنان واسرائيل، وستحاول الدفع بإتجاه تشكيل اللجان الفنية الثلاث. لذا ستحط في اسرائيل قبل زيارتها الى لبنان لعقد لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين وإعداد ورقة عمل تنفيذية للنقاط الثلاث التي ناقشتها سابقاً، والمتعلقة بإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، والانسحاب الاسرائيلي، وترسيم الحدود الدولية بين لبنان واسرائيل. وتوضح المصادر المطلعة من واشنطن أن أورتاغوس تحمل تفويضاً من الادارة الأميركية لوضع عملية التطبيع بين البلدين على النار، وستكون مهمتها صعبة في إقناع المسؤولين اللبنانيين بإشراك ديبلوماسيين في الوفد العسكري المفاوض، وهذا ما تحدّث عنه سابقاً المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، داعياً لبنان وسوريا الى التوصل إلى معاهدة سلام مع إسرائيل.
يُدرك الأميركيون أن ملف التطبيع بين لبنان واسرائيل قد يحتاج إلى وقت طويل، وربما لم يحن الوقت بعد، إلا أن ترامب يريد أن يضعه على “السكّة”، فيما الخوف أن يؤدي إلى إنقسام داخلي في لبنان، ومن الصعب أن يكون هناك إجماع حالياً إلا على مفاوضات تقنية بين لجان عسكرية لترسيم الحدود بين البلدين، وهنا ستخوض أورتاغوس تحدياً لتحقيق خرق معيّن في هذا الملف الحسّاس.
جورج حايك- لبنان الكبير