بين أورتاغوس ومعراب كلام لبناني جريء: طفح الكيل من مغامرات “الحزب”!

بإعتراف كل الأوساط اللبنانية، أبدت الموفدة الديبلوماسية الأميركية مورغان أورتاغوس اهتماماً لافتاً بـ”القوات اللبنانية” وتجلّى ذلك عبر محطات عدة أهمها: تخصيص أول زيارة لها في لبنان لمقر “القوات” في معراب ولقاء رئيسها سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع، ثم غداء عمل بينها وبين وزير الخارجية يوسف رجّي المحسوب على “القوات”، وأخيراً لقاؤها مع خمسة وزراء في السفارة الأميركية بينهم الثلاثة المحسوبون على “القوات” أيضاً.
طبعاً ما حصل ليس تفصيلاً صغيراً، بل يعبّر عن ارتياح الادارة الأميركية لاستراتيجية “القوات” السياسية اللبنانية ومواقفها المتقدّمة والجريئة حول مفهوم الدولة في لبنان، وخصوصاً أن أورتاغوس تعرف أن لدى “القوات” أكبر كتلة نيابية وتتمتع بحيثيّة سياسية مسيحيّة مهمة، موقفها واضح، لا التباسات ولا تدوير زوايا، تعرف ماذا تريد، أجندتها لبنانية، وهذا النوع من الشركاء اللبنانيين تبحث عنه الادارة الأميركية أي من يتكلّم بمفهوم الدولة والدستور والقرارات الدولية.
وترى أوساط مطلعة على لقاء أورتاغوس بقيادة “القوات” أنها كانت حريصة على تأكيد اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بإستقرار البلد وازدهاره، وترغب في تعزيز حضور دولته معتبرة أن هناك خريطة طريق لإعادة الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي، وكانت مواقفها منسجمة مع جعجع حول ضرورة أن تحزم الدولة أمرها وتتحمّل مسؤولياتها وتبسط سيادتها على كامل أراضيها. وكشفت أورتاغوس أنه لن تكون هناك مساعدات ولا إعادة إعمار إلا إذا تمّ التوصّل إلى حلّ ملموس وواضح لسلاح “حزب الله”، واتفق جعجع وأورتاغوس على أن الدورة الاقتصادية اللبنانية متوقّفة منذ انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وهدر الوقت في الاستجابة لتنفيذ القرارات الدولية بدأ ينعكس تآكلاً من حقوق المواطن اللبناني فيما السلاح لا يفعل شيئاً إلا جلب الكوارث.
في الواقع، سمعت أورتاغوس كلاماً في معراب متقدّماً جداً لجهة أن مطلب نزع السلاح هو لبناني وليس أجنبياً، فالشعب اللبناني طفح كيله من مغامرات “الحزب” وارتهانه للمصالح الايرانية، لذا كانت أورتاغوس واضحة في كلامها عن الوقت المُتاح لمساعدة لبنان وإمكان خسارته هذه الفرصة إذا لم تستجب السلطة لدعوات المجتمع الدولي لبسط سلطة الجيش اللبناني في جنوب الليطاني وشماله.
ولم تخفِ أورتاغوس تحذيراتها من إمكان أن تتجه اسرائيل إلى توسيع ضرباتها لـ”الحزب” طالما لا يزال متسمكاً بسلاحه، ورأت أن تل أبيب لم تكن لتوافق على اتفاق وقف إطلاق النار لو لم يُجز لها أن تقوم بعمليات عسكرية ضد نشاطات “الحزب” وبنيته العسكرية التي لا تزال على حالها في شمال الليطاني. وكانت أورتاغوس صريحة بأنه لن يكون هناك دعم خارجي لحماية لبنان إذا استمرت اسرائيل في عملياتها أو وسّعتها لأنها لا تعتبر الصراع بين الدولتين اللبنانية والاسرائيلية إنما مع “الحزب” الذي يُشكل ذراعاً عسكرية ايرانية، وبالتالي لا مصلحة للبنان الرسمي في الاستمرار في هذه الدوامة.
واللافت أن ما استنتجته أوساط معراب أن سياسة لبنان الرسمية المتمثلة بالرؤساء الثلاثة تُراهن على الوقت، حرصاً على عدم إقحام لبنان في صدام داخلي بين الجيش اللبناني و”الحزب”، وتعتقد أنه طالما هناك تفاوض بين الولايات المتحدة وإيران ستفضي الأمور في النهاية إلى مواجهة عسكرية أو صفقة، وفي كلتي الحالتين سينتهى دور سلاح “الحزب”، فلماذا نُدخل لبنان في حرب داخلية؟
لكن أورتاغوس و”القوات” تعتبران أن هذا الرهان لا يستقيم مع مفهوم الدولة السيّدة والمستقلة والمبادرة، وعليها أن تتحمّل مسؤوليتها وتحزم أمرها وتجد حلاً سريعاً لمسألة السلاح، مستفيدة من زخم الدعم الدولي، بدلاً من الانتظار أشهر حتى تنتهي المفاوضات الايرانية-الأميركية وتظهر نتائجها، ومن يضمن ردود فعل اسرائيل وصبرها على “الحزب” إذا ما تبادل معها النار يوماً وأرسل صواريخ إلى شمال اسرائيل، ألا يعرّض هذا الأمر لبنان إلى مخاطر كبيرة؟
لمست قيادة معراب من أورتاغوس أن واشنطن لا تعير أي اهتمام لهروب المسؤولين اللبنانيين إلى الأمام في اتهاماتهم لإسرائيل في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتجد لهذه الضربات الاسرائيلية مبرراً بأن “الحزب” لم يُسلّم سلاحه كما هو متّفق، ولا تبدو الدولة اللبنانية جادة في ذلك، علماً أن أورتاغوس لا تبحث عن كلمات “سلسة” و”ناعمة” للعتبير عن ذلك.
صحيح أنها لم تُلزم الحكومة اللبنانية بمهلة معينة لنزع سلاح “الحزب”، إنما ربطت عودتها في الشهر المقبل بخطوات ملموسة على هذا الصعيد، وهذا ما تراه قيادة “القوات” أمراً طبيعياً. وكان جعجع قد حذّر المسؤولين اللبنانيين الرسميين قبل وصول أورتاغوس، من التعامل مع ملف سلاح “الحزب” على طريقة “أبو ملحم”، وهذا يؤكّد التطابق بين رؤيتي الادارة الأميركية ومعراب.
جورج حايك- لبنان الكبير